وخلع عني البردعة واللجام فابتعدت راكضًا، ولم أكد أتوغل في المزرعة حتى سمعت أصواتًا من جهة العزبة، فتلفت فرأيت سيدتي قد عادت محمولة، وكان أولادها يصيحون فأصغيت لما يقولون، فسمعت جول يقول لأبيه: إنني سآخذ كرباج العربجي، وسأربط الحمار في شجرة وأضربه حتى يسقط على الأرض.
فقال له أبوه: اذهب ولكن لا تقتله، فنفقد الثمن الذي دفعناه، وإنني سأبيعه في السوق القادم.
وبقيت مضطربًا من الخوف لما سمعت حين أبصرت جول يجري إلى الإصطبل يبحث عن الكرباج، وصار الأمر واضحًا وتوقعت الأذى فلم أفكر هذه المرة في استفادتهم من الثمن الذي اشتروني به، وركضت إلى الزريبة التي تحجبني عن النظر، وجريت بسرعة وقوة حتى كسرت في طريقي كثيرًا من فروع الأشجار ووصلت إلى آخر المزرعة، ثم جريت في الغيط، واستمررت أجري طويلًا وأسرع كثيرًا وأنا أحسب أنهم يطاردونني، وأخيرًا حين عجزت عن الاستمرار في الجري وقفت وأصغيت فلم أسمع شيئًا، وصعدت ربوة فلم أرَ أحدًا فنعست واسترحت وابتهجت بتخلصي من شراسة هؤلاء الفلاحين.
ولكني سألت نفسي: ماذا يكون من أمري، فإذا بقيت في البلد فسيعرفونني وسيمسكونني، ثم يرسلونني إلى العزبة؟ فماذا أصنع، وأين أذهب؟!
ونظرت حولي فرأيت نفسي وحيدًا بائسًا وبكيت حالتي المحزنة، وكنت على مقربة من غابة جميلة فانتعشت وقلت إنني سأجد في هذه الغابة الحشيش الرطب والماء وما أشتهي من غذاء، فأقمت فيها أيامًا ثم ذهبت إلى غابة أخرى بعيدة جدًّا عن عزبة سادتي.
ودخلت هذه الغابة، ثم أكلت الحشيش المبسوط على الأرض بلذة، وشربت الماء الجاري من نبع عذب بهناء.
واقترب الليل فاضطجعت على بساط أخضر من الطحلب بجانب شجرة صنوبر، ونمت هادئًا إلى اليوم التالي.
![](https://img.wattpad.com/cover/147594465-288-k662049.jpg)
أنت تقرأ
خواطر حمار
Aventureخواطر حمار هذا عنوان غريب في اللغة العربية، ومفاجأة جديدة في الكتب العصرية، ونوع طريف من الحكاية على ألسنة الحيوانات، إذا كان مستحدثًا في هذا العهد فما هو بالجديد في الآداب الشرقية، فقديمًا قرأنا كتاب كليلة ودمنة لابن المقفع، وحديثًا اطَّلعنا على كت...