الكلب ميدور1

140 26 0
                                    

عرفت الكلب ميدور من زمن بعيد، كنت حَدَثًا صغيرًا وكان هو أيضًا حدَثًا حين تعارفنا وتحاببنا، وكنت حينئذ أعيش عيشة البؤس عند أولئك الفلاحين الذين اشتروني من بائع حمير، وهم الذين تخلصت منهم بكثير من المهارة.

وكنت نحيفًا لأنني كنت دائمًا أتألم من الجوع، أما ميدور فقد كان يُعَامَل معاملة كلاب الحراسة وكان من أحسنها وأقواها، ولذلك كان أقل بؤسًا مني، وكان يسلي الأطفال الذين يعطونه خبزًا ولبنًا.

وفوق ذلك فإنه اعترف لي أنه حين يدخل إلى مخزن اللبن مع سيدي أو مع الخادم، فإنه كان يجد الفرصة لتجرُّع ما يصل إليه من اللبن أو القشدة، وأن يفوز بكثير من قطع صغيرة من الزبدة التي تتناثر من أوعيتها.

وكان ميدور طيبًا، فإنه أشفق عليَّ لنحافتي وضعفي، وأحضر إليَّ ذات يوم قطعة من الخبز وقدمها إليَّ بهيئة الظافر، وقال لي بلسانه: كُلْ هذا، فإن عندي كثيرًا من الخبز الذي يعطونه إياي لأجل غذائي، أما أنت فليس عندك إلا قليل من الشوك والحشائش التي تكاد تكفي لإمساك الرمق.

فأجبته: إنك طيب يا ميدور، ولقد تكلفت من أجلي كثيرًا، وإنني شاكر لمجهودك، ولكنني لست كما تظن كثير التألم، فقد تعودت الإقلال من الطعام والنوم والإكثار من العمل، وكثيرًا ما ذقت الضرب وتحملت العناء.

فقال ميدور: أنا لم أتكلف شيئًا، وإنني أؤكد لك أني غير جائع، وأرجو أن تبرهن لي على محبتك إياي بقبولك هذه التقدمة الصغيرة، هي شيء قليل ولكني أقدمه لك بسرور، وإذا رفضت فإنني أستاء منك.

فأجبت: قبلت إذن لأنني أحبك، وأؤكد لك أن هذا الخبز لازم لي فإنني جائع كثيرًا. وأكلت خبز ميدور الكريم، وكان مسرورًا وهو ينظر إليَّ وأنا أمضغ وأبلع، ووجدت لذة في هذه الأكلة التي لم أكن متعودًا مثلها.

وذكرت ذلك لميدور مع حسن اعترافي بصنعه الجميل، واقتضى هذا الرضا والشكر أنه استمر على أن يحضر لي في كل يوم أكبر قطعة من الخبز الذي يقدمونه له.

وكان يجيء ليلًا وينام بقربي تحت الشجرة، أو على النبات الذي أستحسن أن أقضي الليل فوقه.

وكنا نتفاهم حينئذ ولا يسمعنا أحد، لأننا كنا نتحدث بغير كلام فنحن الحيوانات لا ننطق بكلمات مثل الناس، ولكنَّا نتفاهم بلحظات العيون وبحركات الرءوس والآذان والأذيال، ونتفاهم بها فيما بيننا كما يتفاهم الناس بالكلام.

وفي ذات ليلة رأيته عائدًا إليَّ حزينًا مكتئبًا، وقال لي: يا عزيزي، إنني أخشى ألَّا أستطيع في المستقبل أن أحضر إليك ما تعودت من الخبز، لأن سادتي قرروا أنني كبرت ولم يعد من اللازم أن أكون مطلق السراح طول النهار، ولذا فلا يُحَلُّ رباطي إلا في الليل لأجل الحراسة. وفوق ذلك فإن سيدتي عنَّفت الأطفال على ما كانوا يعطونه إياي من الخبز الكثير، ومنعتهم من أن يعطوني شيئًا في المستقبل لأنها تريد أن تطعمني بنفسها طعامًا قليلًا، وذلك في زعمها يجعلني كلب حراسة مقتدر.

فقلت له: يا حبيبي ميدور، إذا كان الخبز الذي كنت تحضره إليَّ هو الذي يكدرك فتأكد أنني الآن لست في حاجة إليه.

وذلك لأنني اكتشفت في هذا اليوم فتحة صغيرة في مخزن الدريس (البرسيم الناشف)، وقد سحبتُ قليلًا منه، وأظن أن في إمكاني أن أتناول منه كل يوم كفايتي.

فأجاب ميدور: إنني مسرور بما تقول، ولكني أُسَرُّ كثيرًا إذا قاسمتك ما يصل إليَّ من الخبز، ويحزنني كثيرًا أن أكون مربوطًا طول النهار فلا أستطيع أن أراك.

ثم تحادثنا أيضًا مدة من الزمن وتركني متأخرًا.

خواطر حمارحيث تعيش القصص. اكتشف الآن