صراع

23.1K 455 17
                                    

إن الصراع هو بداية كل شئ..فولادة الإنسان تأتي بعد مخاض و نهايته تكون بعد طريق طويل كان البطل فيه هو الصراع !!
###
تلك ليال طويلة مرت عليه..سير ما بين أروقة قصره..النوافير و الخضرة
   و مهاجع الخدم و الجواري و الزوجات..
نسيم بارد لهذه الليلة..لازال يسير في حلته السوداء الملكية..لا طاقة له اليوم لا بالسهر و لا بالسمر !!
     لقد تعب..لم تكن تلك الحياة يوما له..لقد أضاع نفسه حتى يصبح على ذلك العرش..
    و الآن العرش يضيع هو الآخر..سنوات مرت و لا تستطيع امرأة له أن تنجب ابنا حيّا..لا يهم من هي و لا من أين هي..كل طفل له يولد نائما..نوما بلا استيقاظ بعده..كلهم يولدون ليصلوا إلى مآلهم الأخير..

تلك الرقعة هناك خصصها لتكون مقبرة أبنائه..لكل واحد منهم شاهد قبر..لكل واحد منهم اسم..لكل واحد منهم معزة حتى لو كان كل لقائه بهم ليس سوى دقائق معدودة..

وقف أمام شواهد القبور المرصوصة تلك..الدموع تتجمع في عينيه و لكنه لا يفلتها..كثيرا ما يظن أنه نسى..أنه لا يتألم لحدوث ذلك..يحتمل غضب زوجاته و صراخهم عليه..
و نظرات كل جارية له بعد أن تفقد طفلا منه..بعضهن يلومون أنفسهن..و أخريات ينظرن إليه أنه ملعون أو ناقص الرجولة..

ابتسامة متهكمة حزينة مرت على وجهه..حتى و الليل ساتره لا يستطيع اخراج النيران التي تقبع في صدره..
     السنوات تمر و لا سبيل له من النجاة مما هو فيه..على الأرجح سيعيد الزمان سيرته المعهودة..سيقتله أحد المقربين طمعا في الكرسي..
   ذلك الكرسي الذي يراه هو لعنة لا يستطيع فكاكا منها..لم يره أبدا يحمل ذلك القدر من الشرف..
     إن الجلوس عليه كالجلوس في الوحل تماما..يوما ما سيدهسك أحدهم ليرتقي عليك!!

-" مولاي..مولاي.."

ذلك صوت خادمه..أخرجه من شروده..سحب نفسا عميقا إلى داخله محاولا إطفاء تلك النار في صدره و لو مؤقتا..
   يستعيد رباطة جأشه من جديد و يستجمع ذاته..و من ثم ينظر له في جده و حزمه المعهود..

-" ماذا هناك يا ساري ؟! "

يشعر بأن صوته لا يزال مهزوزا بعض الشئ..يشكر الليل أنه يستر ملامحه التي أنهكها الحزن و أعياها الهم و التعب!!

-" هناك برقية وصلت من قافلة الأميرة داليدا..يقولون أنها ستصل غدا..فما أنت بآمر يا مولاي ؟! "

أميرة أخرى قادمة للزواج..تلك كلها أسباب سياسية و كل امرأة تأتي إلى مملكته تحمل آمالا عالية..تتمنى أن تكون هي والدة طفل له..طفل حي !!
     و لربما تكون خائفة أيضا..
فتلك الحكايات المنتشرة عنه في الأرجاء تخيف الجميع..ذلك الذي لا يكسر له سيف..لا يخلع قناعه في الحرب..لا ينزل عن جواده و يداوي جروحه ما استطاع بنفسه..
      ذلك الذي لم يحضر أبدا امرأة له إلى مكانه الخاص..لقد جعل لكل امرأة مكانها الخاص فينزل لها..و لكنه لم يرفع يوما امرأة إليه!!
     إنه ملك  سادان..إنه الملقب بالفارس الملعون..

الفاكهة المحرمة ( عشيقة الملك )حيث تعيش القصص. اكتشف الآن