خريج سجون3
..
في مكان شديد الظلمة، لا ينيره سوى خيط رفيع من ضوء القمر بعدما اقتحمه من زجاج النافذة صغيرة الحجم الموجودة أعلى يسار المكان. جلس الفتى الأشقر القرفصاء وقد عكس مظهره الإنهاك والألم اللذان يعاني منهما. بضيق شديد أغمض عيناه
وبإرهاق فضيع أخذ يمسح بقع الدم التي لوثت وجهه مخبئة خلفها وسامته قبل أن يتحسس خصره متأوها بألم شديد كاد أن يصرخ بسببه. غيرآبه بوحشية المكان ولا بقذارة ما يحيط به من
غبار وأوساخ. يكاد الصمت أن يكون سيدا للمكان لولا صوت أنفاسه المضطربة وسعاله من حين لآخر، حدق بباب الزنزانة الحديدي بارتباك وبدأ يتأمل ذاك الذي دخل منه دون إذن. كان رجلا في عقده الثالث ذا شعر فحمي لديه عينان سوداوان حادتان طويل القامة ومن طبيعة زيه الرسمي يستطيع أي كان أن يدرك أنه من رجال الشرطة.
تقدم نحوه بخطوات واثقة ثم توقف ليجلس القرفصاء أمامه وبعد تأمل طويل أردف بهدوء معاتبا: _الجميع أتوا أولياؤهم ليأخذوهم وقد نجحوا بتبرئة أنفسهم عداك أنت.. أنت صغير جدا على أن تتواجد هنا من المفترض أن تكون رفقة عائلتك الآن لماذا أوقعت نفسك بهذا المأزق يا فتى؟ تنفس بعمق ثم تساءل مستنكرا: ألديك أي فكرة عم ينتظرك في قادم الأيام حتى؟وفجأة نور ساطع جاء من الـلا مكان وابتلعه، ليفتح عيناه على أشعة الشمس التي سقطت على وجهه ما إن قام فرانس بإزاحة الستار ليفتح النافذة طالبا منه الإسراع في تجهيز نفسه قبل أن يفوتهما الوقت. لينهض جاكسون مقررا عدم إخباره عن كم هو ممتن له لإيقاظه من تلك الذكرى، بينما قام الآخر بوضع ثياب على مقعد المكتب: سأعيرك بعضا من ملابسي قد لا تناسب مقاسك تماما ولكنها تفي بالغرض في الوقت الراهن.
"حسنا" أجاب وتوجه إلى الحمام، وقف تحت الدش تتساقط عليه قطرات الماء مبللة شعره وكامل جسده، أغمض عيناه مفكرا في نفسه ماضيه ومستقبله.
"كن مطيعا صغيري حتى اليوم الذي نصبح في قادرين على اللقاء مرة أخرى"
تردد على ذهنه صدى آخر ما سمعه منها ليبتسم متأملا_أعتقد أني أبلي جيدا أمي.
بعد أن انتهى، ارتدى ثيابه ثم سترته السوداء، أخذ الدفتر والقلم اللذان استعارهما من فرانس كذلك ووضع القلنسوة على رأسه مخفيا تحتها شعره المبلل ونصف وجهه. خرج من الغرفة ليقابله فرانس المتكئ على الجدار والذي سرعان ما أردف باستنكار:
- ما سر هذه القلنسوة؟ انزعها رجاء أنت تثير الريبة بها كما أن الجو ليس باردا هذه األيام..
انصاع جاكسون للأمر دون جدال ليعلق الآخر بارتياح:
- هكذا أفضل.. آه قبل أن أنسى تفضل هذه تناولها في الطريق فالوقت يداهمنا.وأعطاه شطيرة ليخرجا بعدها من المنزل سيرا على الأقدام ليظل فرانس طوال الطريق يردد تعليماته لجاكسون أن يكتفي بقوله أنهما قريبان دون تقديم أي معلومات عن ماضيه تجنبا للمشاكل إلى أن وصلا إلى الثانوية.
فتوجها مباشرة إلى الإدارة من أجل الإجراءات النهائية للتسجيل، ثم إلى مكتب المدير الذي استقبل جاكسون بحرارة ورحب به في المدرسة قبل أن يمنحه بطاقة القبول متمنيا له سنة دراسية مليئة بالنجاح. وهكذا خرجا
من مكتب المدير وتوجها مباشرة إلى القسم، فدخلا القاعة متأخران:
- نعتذر على التأخر لقد كنا عند مكتب المدير من أجل التسجيل..
قال فرانس موضحا للأستاذ الذي بتفهم سمح له بالدخول فيما التفت نحو جاكسون: إذن أنت هو الطالب الجديد، عرف بنفسك لزملائك رجاء..
- أنا أدعى جاكسون قريب فرانس.
- حسنا إن كان هذا كل شيء اختر مكانا مناسبا واجلس به..
مجددا بلطف قال الأستاذ ليومئ المعني الذي رفع نظراته باحثا عن مكان مناسب ليشير له فرانس بالجلوس بجانبه ففعل ذلك بسرور.
مرت الحصة على خير ما يرام، وتلتها عدة حصص أخرى لتنتهي الفترة الصباحية بخروج الأستاذ معلنا عن نهاية الدرس.
ليندفع معظم التلاميذ نحو طاولة فرانس، ليس من أجله بالتأكيد، وإنما رغبة منهم بالتعرف على الطالب الجديد الذي تفاجأ بهذا الكم الهائل من المحيطين به وتنافسهم على التحدث معه.
- أهلا بك معنا.
- هل قمت بجولة في المدرسة؟ إن لم تفعل يمكنني أن أساعدك.
- أين كنت تدرس من قبل؟
- تبدو أصغر بكثير من عمرك.
- أنت وسيم جدا.
وكثيرمن الأحاديث غيرها كان يطرحها التالميذ منهم الذكور والإناث بينما المعني فقط تائه، حيث لا فكرة لديه عن كيف أو بماذا يجيب بسبب تعليمات فرانس الذي شعر بارتباكه، فوجد نفسه يتدخل قائلا بقليل من الإدفاع: هو خجول قليلا حين يتأقلم ويعتاد على المكان يمكنكم سؤاله ما تشاؤون..
وجمع أدواته سريعا: اجمع أدواتك أنت أيضا ودعنا نذهب إلى المطعم من أجل الغداء..
ليشرع الأشقر بلملمة أدواته قبل أن يذهبا سويا نحو مطعم الثانوية، أين التقيا بمارك دانيال وهاري، الذي أردف مخاطبا جاكسون ملطفا الجو "مجددا أهال بك معنا".
وهكذا جلس الخمسةفي الطاولة بدأوا بتناول غذائهم البسيط المكون من حساء الخضروات مع سلطة وقطعة دجاج إضافة إلى كوب ماء وتفاحة. أقل من نصف ساعة وكان جميعهم قد أنهوا حصتهم، عدى جاكسون الذي رغم أنه لم ينته إلا أنه قد تبعهم بصمت حين توجهوا إلى الممر الذي يقود نحو دورة المياه. فدخل الأصدقاء الأربعة وحين انتهوا من قضاء حاجاتهم وخرجوا لاحظوا
أخيرا غياب خامسهم وقد كان فرانس هو أول من بدأ القلق يراوده.
- لعله عاد إلى الطاولة..
قال هاري مهدئا أصدقاءه، ولكنهم تفاجؤوا حين وجدوا طاولتهم فارغة. بيننا كان الغائب في تلك الأثناء عند مكتب المدير يستلم كتبه التي نسي المدير تسليمه إياها. ليتوجه بعدما ودعه وشكره إلى دورة المياه مستأنفا انتظار الرفاق الذين كانوا وقتها يجولون المدرسة بحثا عنه إلى أن رن الجرس معلنا بداية الفترة المسائية.________________________________
- يتبع -
أنت تقرأ
لعبة الحياة (ما قبل البداية)
Mystery / Thriller".....حتى اليوم الذي نصبح فيه قادرين على اللقاء مرة اخرى" قطعت وعدا على نفسي أن أحرص بشدة على تنفيذ الأمر بالحرف الواحد انتظرت طويلا بنفس الابتسامة والأمل الكبير، لكني لم أدرك سوى متأخرا أن اللقاء لن يجمعنا مجددا حتى لو مضى عدد لا يحصى من الليالي وا...