..
منزل مهجور
..
عدة أيام مرت روتينية، ما بين الدوام إلى أن يأتي السيد فيليب
لينقلهما مساء إلى املنزل، وقد أتى اليوم الخامس عشرلجاكسون
في املدرسة، ومجددا كان يوما روتينيا عاديا قبل أن يقرر فرانس
التسكع مع أصدقائه الثالثة قبل الذهاب للمنزل وألن والده لن
يأتي اليوم فبالتأكيد جاكسون سيذهب معهم. وهذا ما كان
سيحدث قبل أن يقاطعهم صياح صوت نبرة جعلت فرانس يعقد
حاجباه بش يء من االنزعاج بينما يلتفت الجميع لـكريس الذي
توجه نحو جاكسون معطيا إياه كتابا ما قائال بابتسامة وجدها
فرانس متغطرسة:
- تفضل كما وعدتك.
- شكرا.
- إذن أراك الحقا..
وذهب دون أن يوجه للبقية أي نظرة. فسأل فرانس:
- ما الذي أعطاك إياه؟
- كتاب.
- ال تمثل الغباء رجاء وأخبرني أي نوع من الكتب هذا، دعني
ألقي نظرة عليه.
نفذ األشقر األمر دون كلمة ليلقي فرانس نظرة على عنوان
الكتاب، قبل أن تتغير تعاليم وجهه ويسحبه بخشونة من يدي 33
جاكسون ثم أخذ يركض ناحية كريس: هاي هل تريد جعله دودة
كتب مثلك؟
صاح بانزعاج فيما التفت املعني إليه بابتسامة جانبية معلقا
باستفزاز: ألا تعلم أنه شغوف بقراءة كتب الكيمياء وحل المعادلات؟ أم أنك ترفض تقبل الأمر خشية أن يصبح لك منافسان بدل منافس واحد فقط؟
- ماذا؟
- لقد اعتقدت أنك قريبه!
أنهى جملته بابتسامة متغطرسة واستأنف سيره فيما عاد
فرانس أدراجه إلى أصدقائه، قبل أن يرمق جاكسون باستصغار:
- هل أنت حقا تحب الكيمياء؟
- أجل.
- لكن مستوى هذا الكتاب عال جدا.
- لقد اعتدت مطالعة كتب الكيمياء رفقة أبي في املاض ي لذا
ال أجد مشكلة مع أي مستوى.
- واو، ملاذا تدرس معنا إذن كان عليك أن تلتحق بالجامعة
منذ البداية.
علق هاري بإعجاب فيما تدخل دانيال: هيا غيروا موضوع
الكيمياء هذا تعلمون أنني أكثرالناس كرها لها.
- أنت بالأصل تكره جميع المواد!
رد مارك، لتتعالى ضحكات الجميع قبل أن يسود الصمت فيما
تابعوا سيرهم بهدوء إلى أن لفت انتباههم جاكسون الذي توقف
فجأة أمام أحد املنازل.و لم يعلم أي منهم نوع املشاعرالتي راودته
لحظتها.
أخذت نبضات قلبه تتسارع كلما اقترب أكثر من الجدار الذي
سرعان ما تسلقه، متجاهال صرامة فرانس الذي أخذ يحذره من
اقتراف أي حماقة قد يندم عليها الحقا. لم يخفى عليه ملعب كرة
السلة املوجود في الركن الجانبي من الحديقة، وال األرجوحة في
الجهة املقابلة، تلك األرجوحة حيث كان كين يقض ي وقت فراغه
جالسا، آه كم تمنى أن يسمح له بتجربتها ولو ملرة واحدة، لكن
ذلك لم يحدث. في الواقع، لقد ذهب ذات مرة للعب بها خفية
لكن والدته قد أنبته ألنه لم يأخذ اإلذن لفعل ذلك.. ولكن مهال
لحظة، األزهارملاذا هي ذابلة هكذا؟ واألعشاب لم هي متيبسةكما
لو أنه قد مر دهر منذ آخر مرة قد تم سقيها فيها؟
- هل أنت مجنون؟ ما الذي تنوي فعله؟ هل تريد أن تسطو
على المنازل الآن؟
لم يهتم بتوبيخ فرانس وال بصياحه،فهو لم ينتبه لوجوده أصال
وهو يبتسم تلك االبتسامة التي وجدها اآلخرون غبية. تقدم نحو
الباب الرئيس ي، أزاح املزهرية املوضوعة بجانبه والتقط املفتاح
الذي كان موجودا أسفلها، وسط دهشة أولئك الذين تبادلوا
النظرات فيما بينهم في اللحظة التي كان هو يدير فيها المقبض.
ودون أن يهتم بكم الرسائل التي اندفعت ما إن فتح الباب، كاد
يصرخ سعادة مناديا والدته وأخاه ألنه قد عاد إليهما، إال أنه
توقف حين وجد املنزل مليئا بالغبار.
بصدمة توغل أكثر نحو الداخل اتجهنحوالدور العلوي، دخل
الغرفة األولى والتي كما يبدو أنها كانت ملكا لوالدته فتح خزانة
املالبس فوجدها فارغة واألمر نفسه مع خزانة املالبس املوجودة
في غرفة أخيه كين!
طأطأ رأسه بقليل من الخيبة، وعاد أدراجه نحو األسفل إلى
قاعة االستقبال، ليقابل الذين كانوا مركزين في إطار ما. التفت
إليه هو اآلخر ثم تقدم مجيبا على تساؤالتهم بينما يشير إلى الرجل
في الصورة والذي يبدو في مقتبل الثالثينيات يسرح شعره بني
اللون والذي تتخلله بعض الخصالت الشقراء إلى األعلى مرتديا
بذلة رسمية أنيقة وقد زينت ابتسامته الهادئة تعاليم وجهه "هذا
أبي" ثم إلى املرأة الواقفة بجانبه، والتي تبدو بنفس عمره بينما
تمتلك شعرا أسود طويل مع نظرات حادة "وهذه أمي" ثم إلى ذلك
الفتى الواقف بينهما، والواضح من ابتسامته املشاكسة، ونظراته
الحادة إضافة إلى تسريحة شعره األسود الفوضوية نوعا ما أن
سنه يتراوح ما بين العاشرة والثانية عشر "وأخيرا وليس آخرا هذا
هو أخي كين".
توقف عن التحدث فيما ارتكزت النظرات نحو الطفل األشقر
امللتصق بما لقبه جاكسون بأبي، والذي ال يبدو أن عمره يزيد عن الرابعة أو الخامسة كحد أقص ى ليسأل مارك بفضول: وهذا أهو
أنت؟
- أجل.
- إذن هذا هو منزلك؟ سأل هاري مستنتجا.
- صحيح
- لكنه يبدو مهجورا أين ذهب أفراد عائلتك؟ قال فرانس
بشك.
- بسبب مرض أخي كين اضطرت أمي للسفر معه من أجل
عالجه وإلى حين عودتهما سأكون أنا في االنتظار.
وهكذا بعد وقت ليس بالطويل، استأنف األصدقاء سيرهم
نحو منازلهم. حيث وجد فرانس نفسه يتوجه مباشرة نحو مكتب
والده، أين ظل حتى وقت متأخر من الليل يستمع ملحاضرات أبيه
وما يفكرفيه تارة وتارة يجيب عن أسئلته التي كان آخرها:
- هل أنت فعال متأكد مما تقوله؟
- نعم لقد رأيته بأم عيني.. لقد كان هو موجود بتلك الصورة
- لكني على معرفة بأصحاب املنزل املوصوف ولم أسمع يوما
بوجود طفالن لهم.. تمتم السيد فيليب بحيرة ليرمقه املعني بعدم
اكتراث: يمكنك الذهاب لتفقده بنفسك إن لم تصدقني، واآلن
هل أستطيع أن أذهب؟ لقد تأخر الوقت وأنا متعب.
- حسنا، حسنا. يمكنك الذهاب.
وكان هذا ما قام به األصغر، فيما التقط األب هاتفه وبعد أن
دون رقما ما اتصل به ولم يلبث طويال حتى تلقى الرد ليردف
منزعجا: ما باله صوتك؟ هل كنت نائما أيها الكسول؟ على أي
حال ركز معي جيدا، أحتاج معلومات حول عائلة بيون.. صباح
الغد ال بد أن تقوم بإرسالها إلي دون تأخيرأو تأجيل وأجل هي
نفسها عائلة فتانا وداعا..
أغلق الخط والتفت إلى الساعة املعلقة على الحائط، حيث
كانت تشير عقاربها إلى الواحدة والنصف بعد منتصف الليل.
ارتدى سترته سريعا والتقط هاتفه ووضعه في جيب بنطاله
وأخيرا أخذ مفاتيحه وخرج من املكتب ثم من املنزل ليتوجه نحو
سيارته منطلقا لوجهته التي قرر حاال ودون تأجيل للغد تفقد
الوضع بها.
لم يتردد بتسلق جدارذلك املنزل املهجور، ولم يكن بحاجة
للبحث عن مفتاح الباب الداخلي فقد تركه الفتيان مفتوحا. هم
بالدخول قبل أن يستوقفه عدد الرسائل املرمية أيضا والتي ال
تحمل أي طابع بريدي. فالتقط إحداها و راح بفضول يفتحها
ليصطدم بمحتواها الذي جعله يقرأ الباقي بسرعة فائقة.
- تبا!
تمتم وغضب عظيم قد اكتساه، فجعله يدلف داخل املنزل
ليلتقط هاتفه، فدون به نفس الرقم واتصل: انس ى ما طلبته لقد
غيرت رأيي يمكنك العودة للنوم.. وقطع الخط لحظات ووصلته
رسالة نصية ليجد مكتوب بها:
أعلم أنك طلبت مني التوقف عن جمع املعلومات لكني وجدت
شيئا يستحيل أن يغفل عنه، عائلة بيون األب متوفي، لكن األم
واألخ يعيشان هنا.
- ملاذا إذن لم يسألوا عنه أبدا؟
ما إن قفز هذا التساؤل على ذهنه حتى عاد ليتصل بنفس
الرقم: أخبرني أين يسكنان بالضبط؟
"وسط املدينة الشارع الثاني الشقة رقم أربعة تحديدا"
- جيد عد للنوم اآلن حتى تكون غدا بكامل نشاطك.. نعم هناك
مهمة أخرى في انتظارك.. ليست بتلك الصعو بة وال تحتاج لجهد
كبير فال تقلق عليك فقط أن تجهز غرفة للفحص._________________________
- يتبع -
أنت تقرأ
لعبة الحياة (ما قبل البداية)
Mystery / Thriller".....حتى اليوم الذي نصبح فيه قادرين على اللقاء مرة اخرى" قطعت وعدا على نفسي أن أحرص بشدة على تنفيذ الأمر بالحرف الواحد انتظرت طويلا بنفس الابتسامة والأمل الكبير، لكني لم أدرك سوى متأخرا أن اللقاء لن يجمعنا مجددا حتى لو مضى عدد لا يحصى من الليالي وا...