_07_

111 15 6
                                    


..

مجرد فحوصات -2-

..

شخص في مثل سنه كان من المفترض أن يعيش وسط جو عائلي ممتاز. حيث الحب السلم والوئام، وسط الرفاهية والدلال.
يدان ناعمتان كيداه من المفترض أن يمسك بهما قلما فضيا مميزا من أجل المذاكرة قبل النوم، لا أن يستخدمها في الأعمال الشاقة..
فتى بعمر الزهور مثله كان من المفترض أن يكون بين أحضان والده وقبالت أمه.. لكنه بعيد كل البعد عن هذا، فها هو هنا مهمل وضائع تماما في عالم عديم الرحمة، حيث لم يجد من يهتم لأمره ولا لمشاعره
المحطمة. لم يجد من يستطيع ملاحظة ولو القليل من الجهد الذي يبذله رغبة منه في إثبات وجوده، وسط جدران القبو الرمادية الكئيبة ككآبة أيامه يظل جالسا طوال الليل والنهار.
الباب الحديدي لا يفتح إلا نادرا لأجل ثلاثة أغراض، إما من أجل قيامه بالأشغال المنزلية كالغسيل والتنظيف، أومن أجل الحصول
على أقسى العقوبات إن أخفق في أعماله، أو من أجل وجبتي الغذاء والعشاء، التي كثيرا ما يضيعهما بسبب شهيته المنعدمة.

ولكن رغم جميع ما يواجهه فابتسامته لم تختفي من على وجهه ودموعه لم يسمح لها بالهطول أبدا!

ولكن اليوم، تم طلبه من قبل سيد المنزل لأجل أمر مجهول.
وفي العادة هو لا يطلبه إلا بغرض معاقبته إن أخفق في أي من
الأعمال الموكلة له. غير أنه اليوم لم يرتكب أي خطأ أو مخالفة فلماذا يريده إذن؟ هل هي والدته من عادت لتأخذه؟
ابتسامة عريضة ارتسمت على ملامحه ما إن خطر ذلك بذهنه ليذهب شبه قافز حماسا وفرحا نحو مكتب السيد. فتح الباب
بهدوء ودخل بعد أن استأذن، لتقع أنظاره على ذلك الشاب صغير السن الذي يرتدي بذلة بيضاء فوق زيه الغريب كغرابة ملامحه
المرتبكة التي تحمل شبها كبيرا بخاصة سيد المنزل الذي أردف بصوته الغليظ مخاطبا شبيهه بابتسامته املستفزة: و ها قد جلبت
لك ما يمكنك أن تحقق عن طريقه حلمك الضائع
- أجل أنا أرى ذلك بالفعل، ولكن ماذا لو أخفقت؟
- ليس وكأنها ستكون أول إخفاق لك لذلك توقف عن التفوه بالترهات وتفاءل..
علق مقلبا عيناه بملل ثم التفت نحو الصغير األشقر قائال
بهدوء: حسنا يا.. جاكسون.. بعد عيشك معنا لكل هذا الوقت يفترض بك أن تكون ممتنا كفاية لتسدد دين والدتك التي لا يبدو أنها تنوي الوفاء بعهدها وباملقابل سنطلق سراحك، ما رأيك؟
- ماذا يجدر بي أن أفعل؟
- ليس بالأمر الكبير فقط حقق حلم أخي الصغير في أن يصبح طبيبا لبعض الوقت، باختصار سيقوم بإجراء بعض الفحوصات لك.. إنها من أجل مشروع تخرجه..
أنهى شرحه بابتسامة ساخرة فيما راح الأشقر يسأل مجددا بشك "فحوصات؟"
- مجرد فحوصات كالتي يقوم بها طالب المدارس كل عام، هل أنت موافق؟

بابتسامة خبيثة راقب المعني الذي راح يومئ برأسه نحو الأعلى والأسفل موافقا، لحظات قليلة بعدها ندم على تسرعه بالموافقة ولكن في وقت متأخر.. متأخر جدا! فها هو ذا مستلقي بعشوائية فوق سرير قد تلوث بدمائه المتدفقة. رغم أنهم قد حرروا أطرافه إلا أنه غير قادر على الحركة.. تنفسه ضعيف
و وعيه متالشي.. فتح الباب مجددا ليدخل سيد المنزل رفقة شبيهه أخذ كلاهما يراقبان ما افتعلاه بخاصرته..
- حالته لا تبشر بالخير، علينا أن نتخلص منه بسرعة.
- هو لا يزال حيا كما ترى.
- أعلم لكن بسبب عمليتك الفاشلة سيموت.
- لست المخطئ أنت من أمرتني بفعل ذلك وقد أخبرتك بأنني قد أخفق.
- الأهم أن حالة الكلية ممتازة سنجني منها الكثير من المال.
- ما رأيك أن نقوم باستئصال الكلية الثانية؟
- فكرة جيدة ولكنني لا أريده أن يلفظ آخر أنفاسه هنا لذا قم فقط بتضميد جرحه ودعنا نتخلص منه.

*****

فتح عينيه بوهن ليتنفس فيليب بارتياح قبل أن يساعده على الجلوس حين لاحظ الخمول بعينيه الذابلتين: أعلم أنك لا تزال تحت تأثير المخدر ولكن لا أستطيع أن أتأخر أكثر لدي اجتماع مهم بعد أقل من نصف ساعة هيا بنا.

"حاضر" تمتم هامسا ثم وقف بوهن ليخرجا من المستشفى سويا..
- سوف أوصلك إلى المدرسة فالمنزل بعيد من هنا وأنا لدي اجتماع كما سبق أن أخبرتك..
أسند المعني رأسه على زجاج النافذة بتعب وإرهاق شديدين موجها أنظاره المتعبة نحو الفراغ، ليشرع األكبر بالقيادة وما هي
إلا ربع ساعة حتى وصل إلى المدرسة. وحين التف ليخبره أنه يمكنه النزول وجده غارقا في النوم، ليدير مقود السيارة ويستأنف القيادة بقلة حيلة.

بعد انتهاء الإجتماع، ودع السيد فيليب زملاءه بالعمل واتجه نحو سيارته. صعد على متنها والتفت نحو الفتى الذي عكس توقعاته لم يحرك ساكنا، فتنهد بعمق وأدار المقود متوجها نحو السوق التجاري، أين قام بشراء بعض مستلزمات المنزل التي كان في حاجة إليها. عاد ليستأنف القيادة نحو المنزل، راقب الجالس بجانبه منتظم الأنفاس والذي مرة أخرى قد خرج عن نطاق توقعاته. حيث أنه من المفترض أن يكون أثر المخدر قد زال قبل أكثر من ساعة، لكن على ما يبدو فإن لجاكسون نوم ثقيل.
على كل، الوضع لم يدم طويلا فسرعان ما بدأت تصدر منه بعض الحركة المصحوبة بأنين خافت فتح على إثرهما عيناه..
- كيف كان نومك؟
- أعتذر، لم أقصد.
- لا داعي للاعتذار، لم يكن خطأك من الأساس.
صمت قصير عم بعدها ليقاطعه فيليب سائلا بفضول: أخبرني جاكسون، ما الذي كنت تفعله ذلك اليوم في ذلك المكان أين وجدتك؟ حيث لا يتواجد غير أفراد العصابات والخارجون عن القانون؟
- لست أدري.
- لماذا تكذب؟
- أنا لا أكذب، أنا فقط لا أتذكر الكثير.. كل ما أعرفه هو أن أخي كين مريض حين يشفى ستعود أمي رفقته لأخذي..
لقد بدى مثيرا للشفقة بطريقة كلامه تلك بنظر فيليب، الذي قد حن قلبه عليه ولكن بطبيعته الرزينة وطريقة تفكيره العقلانية، رأى أنه من الخطأ ترك هذا الفتى الجاهل يعيش في
أحلام وردية لا تناسب لا وضعه ولا سنه. فهو بالفعل سيبلغ الثامنة عشر قريبا جدا. لكن بتفكيره الساذج هذا يبدو كطفل لم
يتجاوز بعد سن العاشرة.
-هل ترغب بأن تقابل والدتك؟
- أ..أمي؟ أجل طبعا.
- جيد سأدبر لك لقاء معها في أقرب وقت ممكن.

..

___________________

.. يتبع ..

لعبة الحياة (ما قبل البداية)حيث تعيش القصص. اكتشف الآن