صفات الإنسانية
غابت الشمس فانتصف الليل وأطلق ستاره، لكن القمر هذه الليلة لم يتوسط السماء لأن الجو غائم وبارد ومن المحتمل أن
تتساقط الأمطار في أي لحظة، ولكن ذلك لم يمنع الأصدقاء من التسكع خارجا بعد الدوام.
لينتهي بهم المطاف بمنزل دانيال الذي
أصرّ على إقامة حفل مبيت بمناسبة عيد ميلاد فرانس الثامن عشر محولين المنزل إلى مرقص ليلي بكل ما تعنيه الكلمة من معنى!فقد كان الاتفاق الأولي أن تكون حفلة بسيطة لا تجمع إلا خمستهم، ولكن صاحب المنزل أصر على دعوة بعض رفاقه من
القسم، والذين بدورهم دعوا رفاقهم ورفاق رفاقهم، وهكذا تحول عيد الميلاد البسيط إلى حفلة صاخبة مرفقة بصوت الأغاني العالية حيث تتراقص الأجساد المتمايلة تناغما مع ألحانها وإيقاعها بكل حماس وسط رائحة السّجائر و الممنوعات التي تفوح في كل مكان..
كؤوس تتصادم ببعضها بعد كل نخب وأخرى تتكسر بسبب عدم قدرة أصحابها على إمساكها جيدا، وهذا راجع إلى حد الثمالة الذي وصلوا إليه. ولا أحد يلومهم فبالكاد وصلوا إلى سن
الرّشد حيث يسمح لهم بالقيام بما يريدون دون خوف أو قلق من انتهاك القوانين حسب رأيهم.وبين كل هؤلاء الشبان اليافعين، في الحمام تحديدا يجثي أضعفهم بنية أرضا برأس يكاد ينفجر ألما بعد عدة دورات من الاستفراغ رأسه يكاد يلتصق بالمرحاض بينما يقوم بإخراج ما بجعته للمرة الخامسة أو أكثر، ليس ثملا مثلهم فهو لم يبلغ بعد السّن القانوني كما أنه يُكِنّ كرها شديدا للنبيذ و جميع مشتقاته. فهو لا يزال يذكر أنه من عائلة محافظة..
بوجه مصفر استقام من مكانه شبه استقامة، توجه نحو المغسلة فتح الحنفية وشرع يغسل وجهه مرارا وتكرارا، ثم جففه قبل أن يخرج لتستقبله رائحة الكحول جاعلة إياه يتقزز وقد شعر أن رغبة الاستفراغ ستراوده من جديد حتما إن لم يسرع بالابتعاد عن هذا المكان.
لذلك توجه نحو الباب الرئيسي وبدون
تردد فتحه ليستقبله نسيم الهواء البارد..
- أخيرا بعض الهواء المنعش!
أخذ من عتبة الباب مجلسا له، لتبدأ الأمطار بالتساقط. لم تكن غزيرة وهو لم يبالي على أي حال لأنه لا يريد أن يمضي مزيدا من الوقت في دورة المياه. فجأة لم يعد يشعر بقطراتها تلامسه رغم أنها لا تزال تتساقط، فرفع رأسه ليلمح تلك المضلة الوردية.
قبل أن تلتقي نظراته بخاصة مالكها أو لنقل مالكتها إن صح التعبير..
"الجو بارد أليس كذلك؟" قالت ثم أضافت بعد لحظات محدقة بملابسه الخفيفة "أ لا تشعر بالبرد؟" ومجددا تجاهلها لتشعر بقليل من الانزعاج فصاحت به: لا داعي لتمثل دور صعب المنال، أنت لست حتى من نوعي المفضل.
- ماذا تعنين؟
- أعني أن التكبر والغرور لن يفيدا شخصا لا يعرف حتى ما يرتدي في جو كهذا.
- لكني لست متكبرا أنا فقط أطيع الأوامر.
- تطيع الأوامر؟! عد إلى رشدك يا هذا عصر العبودية قد انقرض منذ قرون! ثم ما هذه الملابس الخفيفة التي ترتديها؟ هيا عد للداخل قد تمرض إن بقيت تحت المطر في هذا الجو.
- سأمرض أكثر إن عدت للداخل..
ضحكت حينها وقد فهمت من رده أنه تحت السن القانوني.
فأخذت لنفسها مجلسا بجانبه مشاركة له في المضلة. فسألها بدوره إن كانت هي أيضا من المدعوين: كلا، لقد أتيت لآخذ أخي لكن يبدو أن الحفلة لم تنته بعد لذلك فضلت البقاء خارجا..
أكملت بينما تقرص وجنته بلطف ممازحة "أيها المغرور اللطيف"
- أن أكون تحت السن القانوني لا يعني أن تتم معاملتي كالأطفال..صاح بإحراج بينما يفرك وجنته المحمرة.
- حسنا، كن رجلا وأمسك المضلة إذن. أدعى جيسيكا بالمناسبة.
- وأنا جاكسون.
- جاكسون! اسمك جميل، تشرفت بمعرفتك.
- آه شـ.. شكرا.
رد بينما يفرك مؤخرة رأسه لتلتفت إليه باستغراب: حتى لو لم تكن مسرورا بالتعرف علي.. فقط اكذب وقل أنك كذلك مجاملة
لكلامي أيها المغرور..
عاتبته بعبوس مصطنع منهية كلامها بضربة خفيفة على رأسه.
فوضح موقفه بأنها قد تكرهه إن هو كذب عليها لتقهقه هي قبل أن تعلق: لو كان الأمر كذلك لكره جميع الناس بعضهم لأن الجميع يكذب.
- لكني لم أكذب من قبل وأمي وأبي لم يكذبا أيضا.
- لنقل أنكم حالة خاصة إذن.
- لكنك قلت إن جميع الناس يكذبون.
- حسنا هذا لأن الكذب في كثير من الأحيان يكون الحل الأمثل.
- آخر وصايا والدي قبل مماته كانت أن أبتسم دائما وأن أكون مطيعا لكي أعيش بسعادة وسلام هل.. تعتقدين أنه قد كذب علي؟
- بالطبع لا هو فقط أرادك أن تكون إنسانا حقيقيا.
-ولم ذلك هل كنت مزيفا من قبل؟
- المشكلة ليست في أن تكون إنسانا بل أن تتوفر فيك صفات الإنسانية. ليتساءل حينها جاكسون حول صفات الإنسانية..
"الإبتسامة النابعة من القلب، الضحكة الصادقة، الشكر عند الإمتنان، تقديم المساعدة لمن يحتاجها وتمني الخير للغير هذا ما
يعرف بالإنسانية".__________________
.. يتبع ..
![](https://img.wattpad.com/cover/182117363-288-k59019.jpg)
أنت تقرأ
لعبة الحياة (ما قبل البداية)
Mystery / Thriller".....حتى اليوم الذي نصبح فيه قادرين على اللقاء مرة اخرى" قطعت وعدا على نفسي أن أحرص بشدة على تنفيذ الأمر بالحرف الواحد انتظرت طويلا بنفس الابتسامة والأمل الكبير، لكني لم أدرك سوى متأخرا أن اللقاء لن يجمعنا مجددا حتى لو مضى عدد لا يحصى من الليالي وا...