السادس

453 18 2
                                    

الفصل السادس..

صمت محدق يعم المكان، صامتون جميعا كأن على رؤوسهم الطير ؛ فما سمعوه للتو من عزام لم يكن بالامر الهين عليهم  جميعا، كل منهن ينظر للاخر و لم يفيقوا من صدمتهم او يستوعبوا الامر الا بعد ان انهى الشيخ اجراءاته وقال مبارك لكما و عليكما . واستاذن بالانصراف .
فجأة تحدثت الافعى الصغيرة نانسي و هي تشير اتجاه غزل بغل و احتقار صارخة : بأة انتي يا بتاعة يا الي متسويش اشغلك عندي خدامة تلعبي علينا كلنا و تتمسكني لغاية ما وقعتي اونكل عزام و خليتيه يتجوزك!!
لتجد الرد على كلامها صفعة قوية من جسور على وجهها محذرا اياها من التفوه باي كلمة اخرى صارخا بها : اخرسي انتي اتجننتي؟ ازاي تعلي صوتك ف وجود عزام بيه بالطريقة الوقحة دي؟؟
لتنظر له بعينين تكاد تحرقه من نظراتها الحارقة لتقول له بصوت مختنق من البكاء : انت بتمد ايدك عليا يا جسور عشان البتاعة دي؟؟ هي حصلت!!
انا هدفعك تمن القلم ده غالي اوي.
لتبدا دولت بالحديث قائلة : ايه الي عملته ده يا عزام!! ازاي تتجوز البنت دي من غير ماتاخد راينا ع الاقل ؟ للدرجادي هي اتمكنت منك و خليتك تتجوزها!! و وناوي باة تجيبلك ابن جديد عشان يشارك ولادك ف الورث و الا ايه؟؟ و حالتك دي ؟؟ مش حرام عليك تظلمها معاك؟؟
ليرد عليها عزام وهو ينهض من مكانه واقفا بشموخ امامهم جميعا قائلا: حالتي الي هي ايه يا دولت هانم؟؟!
لتخرج شهقة قوية منها هي و بناتها و هويدا ابنته من هول المفاجأة عليهم .. نعم فهم لم يتوقعوا ان ينهض عزام من كرسيه المتحرك ابدا ، لكن مالم يحسبوا له حسابا أن ينهض من مكانه و يقف امامهم بهذا الجبروت و الكبرياء و القوة الي عهدوها منه دائما.
لكن هويدا لانها تحبه و صقر و جسور احتضنوه مباركين له على شفائه من عجزه الذي طال ، لكنهم لا يعملون انه لم يكن عاجزا من الاصل.. بينما جسور يحتضنه وقعت عينيه على غزل الجالسة مصدومة لم تتفوه بكلمة و كادت دمعة مقهورة تخونه و تسقط من عينيه لكنه تمالك نفسه و بارك لوالده و جلس مبعدا نظراته عن غزل . ف بدا  عزام حديثه مرة اخرى قائلا بلغة اقرب للتهديد موجها حديثه لاخته و محسن زوجها و ابنتهما نانسي : من دلوقتي غزل بقت حرم عزام الدمنهوري و قيمتها من قيمته و الي يحاول بس ييجي ناحيتها او يدايقها هيباة عقابه مضاعف مرة لانه اتجرا على حاجة تخص عزام الدمنهوري و المرة التانية لانها تباة حرم عزام الدمنهوري مش اي حد.. اتمنى يكون كلامي واضح للكل .يلا اتفضلوا دلوقتي.
لينصرف محسن و دولت التي تحترق من داخلها و نانسي ابنتها بينما هويدا و ريم و صقر باركا لوالدهم و غزل و انصرف كل منهم لشأنه.اما جسور كان في عالم اخر لايشعر بما يدور حوله لم يشعر الا بيد والده تربت على كتفه يساله عما به : مالك يا جسور يا ابني ساكت كده ليه؟؟ فيرد عليه قائلا ابدا يا حبيبي مفيش حاجة بس مرهق شوية هطلع ارتاح ، بعظ اذنكم و هم واقفا بينما غزل تنظر اليه بحسرة على ماوصل اليه حالهما فان كانت تشعر بشيء اتجاه فقد اصبحت منذ هذه اللحظة محرمة عليه لزواجها من والده.
بعد صعوده لغرفته اخذها عزام لغرفتهم الخاصة و اقفل الباب قائلا : اقعدي يا غزل عاوز اتكلم معاكي ف موضوع مهم .فاقتربت منه و جلست بجانبه ، فبدا بالحديث : انا عارف انك اتفاجئتي بالي حصل بس ده لمصلحتك صدقيني و بلغي والدتك اننا اتجوزنا  و اي وقت تحبي تروحيلها بلغيني عشان الحرس يخرجوا معاكي من هنا و رايح تتعاملي مع الكل بوضعك الجديد حرم عزام الدمنهوري يعني احترامك واجب ع الكل بما فيهم ولادي و الي انا شايفه ان ريم و هويدا فعلا بيحبوكي و صقر و جسور هيتعودوا مع الوقت .
فنظرت مستفسرة عن اشياء كثيرة لكن قبل ان تتحدث اخبرها كانه قرا افكارها من عينيها : على فكرة العلاج الي كنت باخده كانت فيتامينات بدلتها بالعلاج الي يخص حالة زي حالتي اما الحاجة الوحيدة الي حقيقية هي الحقن الي باخدها فعلا عشان  القلب و برده لسه تحذيري ليكي زي ماهو انك تتلخبطي و تخلطي بين الحقنتين . فنظرت له بامتنان و شكر على تفهمه موقفها. فقالت له : ربنا يقدرني و اكون قد المسؤولية دي.
نظر لها طويلا و هو يتاملها ، نظرته اليها  جعلتها ترتجف من الخوف فهذه ليلتها الاولى معه كزوجة و بعد صمته الطويل هذا توقعت منه ان يطالبها بحقوقه الزوجية فقال لها كانه يترجم نظراتها المتسائلة : قومي انتي خدي حمامك و نامي انا هنزل المكتب شوية عندي شغل مهم و بعدين هاجي انام . ونهض من مكانه متوجها للباب لكنه توقف قائلا لها من فوق كتفيه دون النظر اليها : اتمنى ان اي حاجة تحصل بينا ف الاوضة متخرجش بره فاهماني طبعا؟ لتقول له اكيد من غير ماتقول. فيقول لها : تمام تصبحي على خير.
خرج من الغرفة و نزل للمكتب وهي بقيت مكانها بضع دقائق تستوعب ما يحدث لها و همت بالدخول للمرحاض الخاص بالغرفة لتاخذ حماما يريح جسدها و عقلها من عناء اليوم باكمله. و خرجت بعد قليل مرتدية منامتها و توجهت للفراش و ما أن وضعت راسها على الوسادة حتى غطت في سبات عميق لم تشعر باي شيء.
بقي عزام في غرفة مكتبه يفكر في امور كثيرة اهمها غزل و ابناءه و خوفه تحسبا من اي غدر يحدث ، لاول مرة في حياته يشعر بالخوف منذ دخول غزل عالم الدمنهوري يشعر بالمسؤولية اتجاهها لكنه يريد ان يحميها من غدر اخته و زوجها و ابنتهما نانسي.
بينما في احد الغرف تدبر مؤامرة اخرى ...
....طرف اول : انا كده خطتي الاولى متنفعش لازم اتصرف بسرعة قبل ما يحصل الي كلنا خايفين منه ..لازم الاسبوع ده انفذ خطتي بس  الفرصة لازم اراقبهم و استنى فرصتي...
ف الصباح استيقظت غزل  و ما أن فتحت عينيها حتى رات الغرفة فارغة لم تجد عزام بجوارها فأخذت تتفحص ملابسها  فلم تجد شيئا مما دار في بالها .نهضت من الفراش و توجهت للمرحاض توضات و ادت فرضها و ارتدت ملابس اخرى لتبحث عن عزام و تطلب منه الاذن بالذهاب لوالدتها لتخبرها بزواجهم.
نزلت لغرفة المكتب و طرقت الباب فسمعت صوته يأمرها بالدخول ، دخلت الغرفة وجدت عزام مازال بملابسه منذ الليلة الماضية فسالته : حضرتك لسه صاحي من امبارح لغاية دلوقتي؟! فرد عليها دون النظر اليها قائلا : مكنش جايلي نوم و سهرت اخلص شغل ..المهم انتى عاوزة حاجة؟
فردت عليه قائلة: كنت بستاذنك اروح لماما اشوفها و اعرفها بخبر جوازنا .
وافق ع الفور و اخبرها ان تذهب و تاخذ معها الحرس حماية لها .شكرته و انصرفت و صعدت السيارة الخاصة به و انطلق بها السائق و خلفهما سيارة الحراسة الخاصة .
لم يكن حال جسور افضل من حال عزام فلم ينم تلك الليلة تكاد راسه تنفجر من كثرة الاسئلة الي دارت بها : هل حقا غزل استغلت و الده لتنعم بهذه الثروة؟؟ هل يتكرر ماحدث و رأى امامه نسخة مصغرة من والدته التي هربت بحثا عن رجل اخر و المال حسب ما سمع منذ صغره؟؟ و الاهم من ذلك هل اصبحت زوجة والده حقا شرعاا و قانونا؟؟ يكاد يفتك الصداع براسه لا يدري ماذا يفعل و كيف يواجه غزل او يتعامل معها بعدما اصبحت زوجة ابيه؟؟
لم يعد يحتمل هذه الافكار الي تكاد تقتله كلما فكر في اجابتها ، و اخذ حماما باردا ليطفىء نار عقله و جسده الملتهبة مما يحدث حوله و بعد انتهائه من حمامه ارتدى ملابسه و خرج من القصر بأكمله ذاهبا للعمل يدفن نفسه وسط اوراقه و الصفقات حتى لا يفكر في شيء اخر.
وصلت غزل المنزل عند والدتها و دقت الجرس فتحت لها والدتها لم تصدق عينيها فغزل كانت عندها بالليلة الماضية فسالتها : خير يا بنتي جاية بدري كده ليه حصل حاجة؟ فدخلت غزل الشقة مغلقة الباب خلفها و قالت لها : متخفيش يا ماما تعالي اقعدي بس وانا احكيلك . جلست كوثر مع  ابنتها و بدات تقص عليها ماحدث بالامس و زواجها من عزام ، فجاة لطمت كوثر صدرها قائلة : يا مصيبتي اتجوزك ازاي؟؟ ليه كده يا بنتي هو عشان راجل غني يقوم يفتري ع الخلق و فاكر ملكيش اهل والا عشان امك ملهاش سند و اخوكي مسجون يقوم ياخدك كده ؟؟ هي ايه بيعة و شروة؟؟ لا وكمان قد ابوكي؟؟ ايه الناس دي!!
فهداتها غزل قائلة : ماما حبيبتي اهدي انا قولتلك هو عمل كده ليه حماية ليا و الشهادة لله الراجل بيعاملني كويس صحيح هو غامض و احيانا بخاف من نظرته و كلامه بس معملش اي حاجة تجرحني او تحسسني اني قليلة. نصيبي و انا راضية بيه هعمل ايه بس! المهم اتفضلي يا ست الكل دي فلوس ادهالي عزام و قالي لو والدتك احتاجت اي حاجة اعرفه وهو متكفل بيها... نظرت لها كوثر بقلق : انا خايفة عليكي يا بنتي من العيلة دي مش مطمنة قلبي مش مرتاح.
ردت عليها غزل مبتسمة : متخفيش حبيبتي ربنا يسترها . انا هقوم امشي باة عشان متاخرش عليه و معاد علاجه ، ونهضت معها كوثر مودعة لها وما ان فتحت غزل الباب حتى تسمرت قدميها مكانها قائلة : خالد!!

بينما في القصر يدور ذلك الحوار بين العقارب ..
دولت : و بعدين ف المصيبة السودة دي بالمنظر ده البت دي لو حملت منه هتجيبله عيل كمان و الورث يتوزع على ولاده كلهم و احنا نخرج من القصر كده؟؟ مستحيل لازم اتصرف.
ليرد عليها محسن قائلا : حبيبتي دوللي اهدي انا هتصرف يا حياتي المهم متزعليش نفسك. فتنظر له مستفهمة عما يقصده فيقول : انا هقولك هنعمل ايه.....
بينما هي في غرفتها تبكي بحرقة على حالها ولا احد يشعر بقهرها و احلامها التي ضاعت ولم يقف بجوارها احد حتى يساندها ، لم الكل منشغل بنفسه حتى اقرب الناس اليها لا يهتم الت بمصلحته الشخصية ؟! فحالتها النفسية اصبحت متوترة بشدة و دائما تحبس نفسها في غرفتها لا تتحدث مع احد و تتجنب الجميع.
في شقة السيدة كوثر ...
ايوة خالد رايحة فين كده يا غزل؟؟
فيدخل الشقة و يغلق الباب خلفه و هيأته لاتوحي بالخير ابدا. فترد عليه والدته : سيبها ف حالها يا خالد اختك اتجوزت و ملكش دعوة بيها باة سيبها تعيش مرتاحة.فيمسك بمعصم غزل بقبضته  يصرخ بها : اتجوزتي ازاي؟ و بأمارة ايه ؟؟ كده من غير ماعرغف و لا تاخدي رايي؟ مين جوزك ده انطقي؟؟
لتصرخ بوجهه قائلة : انت اتجننت سيبني انا اتجوزت على سنة الله ورسوله وجوزي يباة عزام الدمنهوري الي كنت بشتغل عنده ممرضة ارتحت خلاص؟!
فصرخ بوجهها اكثر : انتي اكيد مجنونة والي زي ده يتجوزك ليه؟؟ لا  مال و لا عيلة كبيرة يتشرف بيها والا يمكن يكون بيتسلى معاكي وانتي جاية تستغفلينا عشان اصدق ان راجل غني زي ده يتجوزك كده!! لتصفعه والدته و تسحب غزل اتجاهها قائلة : انت تخرس خالص و اوعى تتكلم معاها تاني انت فاهم و تمسكه من قميصه و تصرخ على غزل قائلة: امشي بسرعة يا بنتي ده مفتري ابعدي عننا عشان ميطولكيش اذى اخوكي ..لتخرج غزل بسرعة وهي تركض و خالد يصرخ خلفها مش هسيبك يا غزل و تنزل مسرعة من الشقة و خلفها خالد يخاول الامساك بها لتصل بسرعة لسيارة الحراسة فيجدون خالد محاولا الامساك بها فيقف بينهم الحرس يحاولون ابعاده عنها و هو يصرخ و يتوعدها قائلا : مش هسيبك يا غزل هقتلك انتي و عزام جوزك مش انا الي يضحك عليا فاهمة؟؟ هقتلكم والله ما هسكت  ابدا فيدفعه احد الحرس  و يلكمه في وجهه و يطرحه ارضا فتصرخ عليه غزل قائلة : سيبه الله يخليك متضربوش.فيبتعد عنه الحارس و يدخلها السيارة و يامر زملاءه بالصعود لسيارتهم و الانصراف بسرعة.. و تبتعد السيارات بسرعة البرق من امام ناظري خالد الذي وقف يتوعدهم بغل و حقد قائلا : باة كده يا غزل كمان معاكي بلطجية يحموكي ! و الله ما هسيبك ف حالك و هقتلك انتي و عزام بتاعك ده ، مش انا الي تدوسوا على شرفه و اسكت..
عادت غنزل للقصر و هي تبكي بحرقة على مافعله و قاله شقيقها خالد ذلك المختل ، وصلت و صعدت لغرفتها حامدة الله انها لم تجد احدا في طريقها و انفجرت باكية  و فجاة شعرت بيد احدهم على كتفها قائلا: ايه الي حصل يا غزل فيكي ايه؟؟ فقالت له خويا يا عزام بيه عاوز يقتلني و يقتلك ،  وقصت عليه ماحدث من خالد فهداها قائلا : متخفيش منه ولا يقدر يعملك حاجة طول مانتي ف حمايتي .يلا اغسلي وشك وقومي عشان نتعشى كلنا . انا جبتلك  هدوم تانية و موجودين ف  الدولاب اختاري منها الي يعجبك ، انا هنزل المكتب ولما العشا يجهز و يجتمعوا كلهم عرفيني.
خرج من الغرفة و دخل مكتبه  و بعد ان تم تحضير العشاء و اجتمعوا على مائدة واحدة كان الصمت سيد الموقف حيث الجميع يتناول  طعامه بصمت لكن لم تخل الجلسة من النظرات من نانسي التي كانت تراقب عزام و غزل و احيانا تنظر لجسور كلما راته ينظر لغزل و يحاول جاهدا ان لايشعر به احد، و محسن و دولت لم يتوقفزوا عن  اختلاس النظر لعزام و غزل.اما هويدا و ريم كانت كل منهما في عالمها الخاص و صقر لم يكن موجودا لانه اضطر للسفر في رحلة تابعة لعمله و بعد الانتهاء من العشاء خرج عزام للجلوس قليلا في الحديقة و حضرت اليه غزل و معها الحقنة الخاصة به و اعطتها له و سالته : مش هتطلع تنام ؟ فاخبرها انه سيظل قليلا ف الحديقة و سوف ينام بعد قليل. ف تركته و توجهت لغرفتها و نامت على الفور.
قبل الفجر بقليل استيقظت غزل من نومها فلم تجد عزام ف تعجبت من امره لما لا ينام ف  الغرفة و يسهر كثيرا ، فنهضت من فراشها و توجهت للشرفة قليلا نظرت منها و جدته جالسا مكانه لم يتحرك ، فارتدت مئزرها و نزلت للحديقة و اقتربت منه حتى تطلب منع الصعود للغرفة حتى لا يبرد ، و ما ان اقتربت منه حتى جحظت عينيها مما راته؛ وجدت عزام مطرقا راسه لاسفل لا يتحرك و وجهه شاحب فاقتربت منه اكثر و لمست كتفه فمال جسده على الاريكة ..
فصرخت بكل قوتها صرخة ايقظت جميع من في القصر ، لو تتوقف عن الصراخ حتى نزلوا جميعا من غرفهم و نزلوا مسرعين حيث غزل واقفة تبكي اما جسد عزام... حضروا جميها ووقفوا مصدومين من هول ما راوه امامهم كان صاعقة اصابتهم جميعا..
فاقترب منه جسور بحذر يلمس جسد والده يحاول تحريكه ، لا فائدة فلم يتحرك عزام او يصدر عنه اي رد او صوت يثبت انه على قيد الحياة، هتا صرخ المارد و خرج من صمته، انهار جسور صارخا : بابا لاااااااااااا ..

القاتل الصامت حيث تعيش القصص. اكتشف الآن