توقف الزمن في تلك اللحظة، و شعرت بالاختناق، أنه هو! انه نفسه!!! الأمان ... موطن الأمان منذ لحظات !!؟ كيف؟؟ و لما؟؟ لماذا احتضنني و انا زوجة ابن عمه! كيف جاءته الجرأة لهذا و هو يعرف من أكون؟ ماذا يقصد بفعله؟ إلى أين يريد الوصول؟
يا إلهي أشعر بالاختناق.... لا لا لم يحدث هذا ابدا انا أكيد أهلوس بسبب الحمى! فعلا هذا كل ما في الأمر.
ليأتي صوت سيف محطما للتبرير الوحيد المنطقي الذي توصلت إليه قائلا: لقد التقيتها قبل قليل في قاعة الوافدين.
انعقد لسانها، لا تقوى عن النطق، و لا زالت تشعر بالاختناق، و ما زاد الوضع سوءا نبرة الاستهزاء لزوجها حين قال: طبعا لم تستطع السيطرة على نفسك لتجري إليها لطالما كنت حنون هئ.
انطلق سيف بالسيارة و هو يحافظ على هدوئه قائلا:
أكيد فلم أكن يوما خسيسا. أليس كذلك يا شادي؟؟
ليصمت شادي موجها نظرة لا مبالاة لسيف، و يعبث في هاتفه.
زادت ندى من الضغط على بطنها، و هي تغمض عينيها بألم.
**********
في مكان آخر و مدينة أخرى
في أحد الأحياء الراقية في شرق البلاد تدخل فتاة في أواخر العشرينيات، ترتدي الزي الرسمي للشرطة، يبدوا على وجهها القلق، لتلقي بجسدها على أول أريكة في طريقها و هي تلقي التحية على والدتها و أختها الصغرى:السلام عليكم
لتلقي سراحها و مفاتيحها بإهمال على الطاولة أمامها.
ما الخطب يا خديجة؟. هل حدث شيء؟ هتفت والدتها.
أغمضت خديجة عيناها و هي تريح رأسها على الأريكة بقلة حيلة قائلة: سيف في إجازة و هو اليوم في العاصمة.
ماذا؟ كيف؟ استفسرت والدتها
أمي ابنك فقد ما تبقى من عقله، تكبد عناء سفر ثلاث ايام بالسيارة بمجرد ما طلب منه شادي مرافقته للمطار لاستقبال ندى.
صمت رهيب، و صدمة تظهر على وجوه الكل. أخفظت الأم وجهها أرضا و هي تلعب بأصابع يدها لتقول بصوت مرتجف تخنقه عبراتها: هكذا يا سيف، خمس سنوات و انا ألح عليك ان تأخذ اجازة لأنعم بوجودك معي حتى و لو ليوم واحد ولم تفعل، و اليوم تخلف كل شيء وراءك تجري لاستقبالها... لم يكن هذا ظن بك يا ابني
-لقد جن أكيد قالت خديجة
-كفاكم... لما لا يشعر به أحد اتركوه و شأنه . لتصرخ تلك الفتاة بعد صمتها .
لتنهرها خديجه بعد نفاذ صبرها: شدى ... ماذا تريدين؟؟؟ أن نشجعه على الغلط. تريدين من أخاك أن يخطف زوجة ابن عمه و صديقه الوحيد؟ هل تريدين أن تقوم القيامة بهذا؟
لتصيح شدى بعدم صبر و دموع بعيناها قائلة: و لما لم يقل أحد هذا الكلام للخسيس ابن عمك هاه؟ لما؟ ردي عليا ...
طال صمت خديجه لترد شدى قائلة و قد سقطت دمعة على خدها اليمنى: لقد رأينا كيف ذبح أخوك أمام أعيننا؟ رأينا كيف دفن نفسه بالحياة بعد غدر شادي له و لم ينطق أحد بحرف واحد فكف عن كلامك هذا و تركيه و شأنه، فلتقم القيام و لتحرق الأخضر قبل اليابس إن كان هذا سيعيد لي أخي من جديد.
كانت كلماتها كفيلة بأن تزرع الخوف في قلوبهن، فهي على حق و مع ذلك لا المجتمع ولا العرف يقبل بمنطق القلب.
******
مرت ساعة و نصف على ندى بالسيارة، منذ أن انطلقوا في طريق العودة يسود المكان صمت خانق، و قد زاد وجعها أكثر من قبل و قد ظهر هذا جلي على ملامح وجهها.
في حين كان سيف يراقب تقلبات تعابير وجهها المتألم من وراء نظارته الشمسية و قلبه يحترق، يود لو يستطيع أن يوقف السيارة ليرى ما بها؟؟؟... كان الغضب يتآكله بسبب شادي، كيف له أن يهملها بهذا الشكل؟كيف له أن لا يشعر بأوجاعها؟؟؟لما لا تطلب مساعدته؟؟؟ ماذا يحدث بينهما؟؟؟
ليرجع نظره إلى شادي بجانبه ليلاحظ ابتسامته و هو يقرأ شيء على المسنجر. لقد نفذ صبره و سوف يتصرف لن يستطيع التظاهر بعدم الاكتراث بأوجاعها أكثر من هذا.
انحرف بالسيارة ليخرج من الطريق السريع ليدخل إحدى المدن باحثا على مطعم، يريدها أن تأكل شيء و ترتاح قليلا من الجلوس هكذا، و ليرى ما بإمكانه فعله بعدها.
أوقف سيارته في موقف سيارات أحدى المطاعم الفاخرة الملحقة بفندق تعود على التردد عليه في كل مهمة له في هذه المدينه. قائلا لشادي: أنا أتضور جوعا، سوف نأكل و نرتاح قليلا ثم نكمل الطريق. صمت لبرهة يجمع أشيائه ليردف قائلا و هو يغادر السيارة: سوف اسبقكما.
غادر سيف السيارة و نزل شادي يلحق به بدون أن ينطق بحرف واحد. مخلفا زوجته ورائه، و قد أرهقها الوجع و قد تمكنت منها الحمى، فأصبح وجهها شديد الحمرة، مبلول لشدة تعرقها، و هي تعتصر جانب بطنها الأيمن.
كان سيف و شادي يجلسان إلى طاولة بجانب النافذة، و قد حظر النادل ليأخذ طلباتهما، فأملا عليه شادي ما يريده، تحت نظرات سيف الحانقة، ليقول للنادل: نفس الطلب شكرا. و اول ما غادر الرجل حتى إلتفت لإبن عمه قائلا: ألم تتأخر زوجتك؟ فلتذهب لترى ما الخطب.
نضر له شادي بنظرة ذات مغزى، ليبادله سيف النظرة بتحدي.
نهض شادي متأفف و هو في قمة غضبه من تصرفات زوجته الصبيانية في نظره. فتح باب السيارة بعنف بالغ ليصرخ بها: انزلي هيا لن نمضي الليل في انتظار سمو الأميرة.
لكنها لم تحرك ساكن، و هذا ما زاد حنقه ليجذبها من ذراعها بعنف زائد يسحبها من السيارة لتقف امامه، مرتجفة و قد خارت قواها.
في الجانب الآخر يتابع سيف الموقف من وراء زجاج النافذة ليهب واقفا، و اتجه فورا للخارج.
في تلك اللحظة رفعت ندى وجهها لزوجها قائلة: لا أريد شيء فقط اتركني لأرتاح قليلا.
لم تعي ما حدث بالظبط سوى أنها تلقت صفعة منه أسقطتها أرضا و صراخه عليها و هو يدنو منها قائلا: لقد سئمت من دلالك الزائد. ليمسك بها من ذراعها بعنف و هو يقول:قومي ا...
قطع كلامه دفع سيف له قائلا: هل جننت؟ أتضرب زوجتك و في الشارع ايضا؟ما خطبك.
- لا تتدخل أنا حر هي زووووووووجتي و أنا حر
ضغط على حروف كلمة زوجتي متعمدا ليردف قائلا و هو يحاول الإمساك بها: حتى لو ذبحتها لا تتدخل. قم وجه نظره نحو ندى قائلا بنبرة كلها استهزاء بنت السلطان تريد أقامت مقصلتي لأني لم أسافر معها، تريد سحبي ورائها كحقيبة سفرها.
لقد فقد سيف برودة أعصابه و لم يعد يحتمل خصوصا عندما شهقت ندى جزعا، و رأى كيف تحاول الزحف للخلف محاولة الهروب منه. ليمسك به من كتفه ليواجهه، موجها له لكمة أسقطته أرضا.