بعد سنة.
مرت سنة و كل شخص يعيش آلامه بمعزل عن الآخر، كل يضمد جراحه بخلوته، في حين كان حب يخلق داخل أرواح بريئة لم تختر أبدا هذا الحب.
نجح كل من منذر و منير و تحصلا على الرتبة الثانية و الثالثة على التوالي على مستوى الجمهورية، التحق منير بصفوف الجيش الوطني لمدرسة الظباط ليتم دراسته كمهندس عسكري، أما منذر فقد التحق بالجامعة، أنه لا يصدق لحد اللحظة أن والده وافق على اختياره للحياة المدنية بهذه البساطة، و ها هو يتجاذب أطراف الحديث مع زملائه في مقهى الجامعة.
تحدث ناصر قائلا: ممثلة الطلبة لا تنوي أن تهدئ أتمنى أن تركد .
استفسر منذر قائلا: لما؟ ماذا يحدث؟
- أنها حلا في اجتماع الطلبة أمس وضحت أنها تنوي التصعيد بسبب سوء الأوضاع في الاقامة الجامعية، كما أنها تقول بأن مدير الجامعة ينوي تجميد الأنشطة الطلابية و هذا ما يثير غضبها.
- هز رأسهقائلا: أنا أوافقها الرأي
- توافق من يا منذر؟ أتعرف إذا لم تنفذ جميع طلباتها يمكن أن نذهب لسنة بيضاء، فالإنسه تنوي على أضراب مفتوح.
ضحك منذ قائلا: تصدق أنني لحد الآن لا أعرف عنها سوى أسمها.
ضحك الجميع على كلام منذر بينما ارتفع صوت أحد الجالسين: حلا حلااااااا يمكن لحظة.
رفع منذر بصره إلى أين يؤشر زميله، ليقع نظره على فتاة متوسطة الطول، رشيقة تلبس طقم جينز متكون سترة قصيرة لا تتجاوز حصرها مفتوحة ليتضح من تحتها قميص أبيض أطول من السترة بقليل و سروال ضيق يبرز منحنيات جسمها بصورة مغرية، ترفع شعرها الأسود القصير على شكل ذيل حصان، و تضع مكياج خفيف جدا، تحمل حقيبة ظهر و تحتضن مجموعة من الكتب، كان شكلها كطفلة! لا بل انها أنثى تتمتع بكل المغريات التي يمكن ان تتمناها في امرأة، هذا ما جال في خاطر منذر.
وقفت حلا أمام طاولة منذر و زملائه و بجانبها صديقتها دلال قائلة: السلام عليكم
رد رضى: كيف حالك يا حلا؟
- ماذا كنت تريد مني يا رضى؟ فلا اعتقد انك ازعجت المتواجدين بتسأل عن حالي.
لا يعرف منذر ما أصابه، يشعر بفرحة غير مبررة، انها تقف أمامه بهذه الثقة، خرقت حصنه الذي يقبع خلفه قلبه بكل سهولة أختراق لذيذ شهي، طأطأ رأسه ليعبث بهاتفه في محاولة منه أكفاء تلك الابتسامة التي ارتسمت على شفتيه، اعجاب بحضورها ولردها.
في حين احرج رضى ليهتف: على رسلك يا شيكوفارا، هذا جزائي كوني أساعدك في حملتك؟
- نعم، و بما أخطأت معك ان شاء الله؟
- حسنا أريد أن أعرفك على منذر زميلنا على فكرة هو يدعم توجهك.
وجهت نظرها للشخص الجالس أمامها و الذي كان يعبث في هاتفه، ليرفع نظره نحوها لتتلاقي عينيهما في نظرة غريبة على كليهما، كان هادء جدا وله حضور و هالة غطت على باقي زملائه.
نطقت حلا قائلة: سبحان من خلق الزرقة في عيناك.
أجفلت الجميع بجرأتها، وأبتسم منذر قائلا: سبحان من طهر روحا سبحت لابداع خالقها.
وقف منذر أمامها ليتضح طوله الفارع و جسده المشدود الذي لم تنجح الثياب في إخفاء تقسيمات عضلاته، كان فعلا رجلا أنيق و جذاب.
مد منذر يده لحلا و هو يقول: تشرفت بمعرفتك أنسة حلا.
كانت حلا تقف أمامه و عيناها لاتزال معلقة بعينيه مصدومة من نفسها و مبهورة من رده، و مسحورة بجمال عينيه.
فقال ناصر: هل تنوين الوقوف هكذا كثيرا يا حلا الرجل زرع و مد جذوره و هو يمد يده لك .
قالت حلا و هي لا تزال تبحر بعينيه: أعتذر منك يا منذر فأنا لا أسلم على الرجال. آه أذا كنت مهتم بالموضوع غدا على الساعة ١٠ صباحا بمقر التنظيم الطلابي الحر، أممم سوف يعقد اجتماع لتحديد آليات لضغط على إدارة الجامعة.
إلتفت حلا معلنة رحيلها ليضع منذر يديه في جيوب سروال و هو يتابع رحيلها، لتلتقت بغتة ليلتف شعرها معها و هي تركز نظرها على منذر قائلة: أعرف أنني متناقضة ومع هذا أمنعك من الاستهزاء بي.
سارع منذر قائلا: أنا لا استهزء بأحد فهذه ليست أخلاقي
- في الحقيقة أنا أقصد الثرثار رضى.
اتسعت ابتسامة منذر لتتحول إلى قهقهة وسط ضحكات زملاءه، كان يراقب المجهود الذي تبذله لأبعاد نظرها عنه و هذا أرضى غروره كرجل ينال أعجاب أنثى تروقه.
تدخلت دلال عندما طالت وقفة حلا قائلة: هيا يا حلا و الا سنتأخر عن الحاضرة.
غادرت حلا المكان و قد تركت قلبها متعلق بهذا الغريب الذي لا تكاد تعرف عنه شيء سوى اسمه.تشعر بالقشعريرة تسري في جسدها، برد يلفهامع ارتفاع درجة حرارتها،لا تكاد تسمع شيء سوى دقاة قلبها.
أما منذر فقد لملم أشيائه وسط تهكمات زملائه ويغادر المكان ليلحق به رضى.
- لحظة يا منذر
- نعم بسرعة فأنا مستعجل.
وقف على جنب خارج المقهى لينظر إليه منذر باستغراب فلا تربطهما علاقة فهو بالكاد وجه يراه من فترة لأخرى.
- اريد ان أقول أن حلا تهمني
- عفوا!
- أقصد ابتعد عنها فهي ليست من نوع البنات التي تعودت عليهن.
أمسك منذر ياقة قميص رضى ليشده إليه و يقول بعجرفة غريبة علية: و من انت لتملي عليا أفعالي، أو تحكم على معارفي؟
ليشده لأسفل بعنف حتي سحب جسد رضى معه و ينفض يده منه بشمئزاز و يردف قائلا: اعتقد ان الأنسة حلا بالغا و ليست قاصر.
- سوف تندم يا منذر
رحل منذر عن المكان غير مكترث لكلام رضى و هو يلبس نضارته الشمسية.
**** **** *****
خرجت ندى من عيادة الطبيبة النفسية بعد أن فشلت هذه الأخيرة للمرة الألف في اقناعها بأن ما تشعر به أتجاه سيف ليس حبا و انمى هو إسقاط للأمان و الحماية التي حرمت منها مع زوجها، غير أن ندى لا تلوم هذه الطبيبة فهي لا تحضن دبدوب سيف و ربطة عنقه كل ليلة، و التي رفضت تنظيفها من الدماء في محاولة منها يائسة للحفاظ على عطره فيها، أصبحت تفكر فيه ليلا نهارا لا تقوى على كبح مشاعرها اتجاهه، و لم تعد تحتمل بعده عنها، ولا تجرأ على البحث عنه فهي لا تزال على ذمة آخر، الآن فقط تستطيع أن تفهم الألم الساكن في عينين سيف، الآن فقط تستطيع أن تغفر له جرأته الزائدة معها، فهي اليوم لا تظمن تصرفاتها في تواجده معها.
استقلت سيارتها و هي تجري اتصالا هاتفيا مع خديجة لترتب موعدا معها فهي تتهرب منها منذ ١١ شهرا، يكفيها هروبا، اليوم سوف تحل كل المسائل العالقة في حياتها، و هاهي تدلف إلى مكتب شادي دون أن تعير سكريتيرته ادني اهتمام عازمة على وضع حد لهذه المهزلة.
كان شادي يجلس خلف مكتبه، و يقابله سيف الذي كان يوقع على أوراق أمامه، سفقت ندى الباب في وجه السكرتيرا التي تلحق بيها منددة بأن شادي في اجتماع.
وقف شادي بمجر ما سقط نظره على ندى، لقد اشتاق إليه حد الاختناق، فلها سنة ترفض رأيته، وكلما ذهب لبيت أهلها لرأيتها يقابل بالرفض و طلب الطلاق، أرهقته طيلة هذه الشهور، كان يلتهم كل ذرة فيها، كانت نظراته وقحة اربكتها، فهي لحد الآن لم تشفى منه، لازال يأرق نومها، لا زال يثير رعبها، لازال ذلك الرجل الذي دمرها كأنثى و كأنسان و كزوجه إلى أن حولها لا تصلح لشيء
كان سيف ينظر لها بشوق التهم ما تبقى له من عقل، فقد رحل ثاني يوم بعد إيصالها لبيت أهلها هربا من نفورها منه، طيلة تلك الشهور لم يفعل شيء سوى العمل و التدريب و التفكير فيها، كان يحملها معه ذكرى في كل تحركاته في يقضته و في منامه أن تكرم عليه قلبه و ترك له وهلة للراحة.
يتمنى لو يستطيع جرها من يدها و الابتعاد بها لآخر الدنيا، لمكان لا يعرفهما أحد، ليعيش ما تبقى من حياته في قبلة من شفتيها دون قطعها حتى الموت، ربما تفكيره ساذج و لكن هذا تأثير قلبه العنيد فلا زال ينتظر امرأة مستحيلة المنال، شبه محرمة عليه.
قالت ندى بدون مقدمات انتظرت تحرري منك سنة ولكن لم يحدث.....
ليقاطعها شادي بكلامه الموجه لسيف: لحظة لو سمحتي . سيف أعتقد أن الأوراق كلها موقعة أمامك وقد فكت الشراكة التي بيننا فتفظل لو سمحت.
نهض سيف يلملم أشيائه و ملف الشراكة ينوي المغادرة، لتقطع ندى الصمت قائلة : أنتضر يا سيف لا تغادر أريدك أن تكون شاهدا على ما أقول- ندى صرخ بها شادي محذرا
- اعتقد انه لم يعد يجمعنا شيء بعد أن أجهضتني للمرة الثالثة و اعتقد أنني طلبت الطلاق منذ سنة ...
جلس شادي على كرسيه قائلا: سنة غياب يا ندى و تأتي لتطلبي الطلاق؟ ألى تعتقدين أن الموضوع شخصي لإشهاد عليه غرب
في تلك اللحظة تفرس سيف وجه ندى الهادئ، كانت تبدو كملكة في حضور رعيتها، متعالية واثقة هادئة هدوء قاتل، لا يريد إطالة البقاء معها في نفس المكان فحضورها يوجعه، عشقها مؤلم، كيف له أن يتحمل وقوفها أمامه و هو ممنوع حتى من السؤال عن حالهاكيف له أن يمنع نفسه من زرعها يصدره عله يطفئ القليل من شوقه. و تلميح شادي كان بمثابة الفرج له فهم بالخروج مارا بجانبها لتمسك ذراعه ليتصلب مكانه لاعنا في نفسه، اللعنة هل تعي ما تفعله به؟ هل تتعمد تسعير نيرانه؟ تبا يود لو يحتضنها حالا يحجبها عن أنظار الكل و اولهم شادي، تب على غيرته العمياء و على براءتها و على قلبه الغبي.
لف وجهه إليها بدون أن يتحرك يريد أن يستوعب ماذا تريد منه . فرأى وجها جامدة بدون حياة و عيناها كلها شر مليئة بالكره و الحقد. خرق صوتها الناعم الصمت الذي غزا الغرفة و هي تزيد من ضغطها على ذراعه.
قائلة: أو تريد خصوصية، و قد سلمتني له منذ سنة و رحلت تركتني له شبه ميته لا أقوى على شرب قطرة ماء وحدي دون مساعدته، فأعتقد الوقت قد فات للخصوصية في وجود سيف.
- ندى كف عن هذا
- لن يرحل لأي مكان قبل أن أنهي كلامي و أغادر فأنا لا أطيق تواجدي معك في مكان واحد فما بالك أن تختلي بي الفكرة وحدها تثير الغثيان.
وقف شادي مصدومة فيها، أهذه ندى الرقيقة الهادئة الحنونة التي تحافظ على شعور الكل، أصبحت بهذه القسوة و الجرأة المستفزة.
رجع سيف يجلس مكانه لا لشيء فقط ليرضي فضوله وليهدء من شوقه لها.
لتردف قائلة: لك فرصة أسبوع واحد فقط ليصلني استدعاء من المحكمة لدعوى طلاق سوف ترفعها أنت و الا و جلالة الله سوف أفضحك و في الأخير سوف أحصل على حريتي فلك الخيار فاحفظ ماء وجهك و طلقني بالحسنى
- احلمي بالطلاق، لن أطلق رضيتي ام لم ترضي.
ضحكت ندى حتى دمعت عيونها لتضع يدها على مكتبه و تميل بجسدها نحوه لتقول: لك أسبوع و إن امتنعت لن يسعدني شيء أكثر من انتشار خبر شادي يجهض زوجته من أجل عشيقته، يعذب المسكينة و يختلس أموالنا
هتف شادي ثائرا: الزمي حدودك ندى و الا والله.....
- أكمل تضربني؟ كان هذا زمان اليوم لم يعد بداخلي شيء من الإنسانية لأحميك من بطشي والدي و صدقني لن يرضيه شيء غير تعليقك من رجلك.
ابتعدت قليلا لتفتح حقيبة يدها و أخرجت ملف و مجموعة من الصور رمت الملف على سطح المكتب قائلة: الملف بداخله نسخ من تقارير الطبية لكل مرة ضربتني فيها.
ثم نثرت الصور على المكتب حيث يرى محتواها قائلة: و هذه الصور لإنجازاتك و تفننك على جسدي
وقف سيف يتفحص الصور مصدوم من بشاعتها، و تتبعها شادي و هي تحمل حقيبتها و هي تغادر المكتب ليقول: تغيرت يا ندى
- الفضل كله لك يا زوجي اللذوذ. و خرجت
اعتذر عن الاخطار