غادرت المكتبة وهي تستنشق الهواء الذي خيل لها أنها حرمت منه طيلة السنوات الماضية، يااااا رب هل حالتها ميؤوس منها لهذه الدرجه؟؟؟ هل يكفي حضور اسمه فقط لتدب الحياة بداخلها؟!
تشعر أنها وجدت جزء منها، جزء من بين شضاياها التي تناثرت هي كل مكان. لا تنفك على تذكر كل كبيرة وصغيرة به ملامحه، خطوط الغضب التي ترتسم على وجهه، ابتسامته، عطره وخصوصا لمسة شفتيه، آآآآه من قبلته التي لا تزال تسكن أحلامها... خمس سنوات عاشتها بعيدة عنه أسيرته، هربت منه و من بلد له ومن شوارع مشاها، لتجد نفسها سجينته يسكنها للنخاع، يحتل عقلها وتفكيرها وينكل بقلبها الغبي الساذج.
كانت تمشي بشوارع القاهرة، وفكرها يخيل لها أنها تمشي بشوارع بونه( عنابة الجزائرية)، تتفحص الوجوه وكأنها متأكدة أنها ستصادفه هنا، تتجول بشوارع تعاقبت عليها الحضارات وكانت شاهدة على قصص وروايات منها ما كانت نهايتها أفراح ومنها ماكانت أحزان ومنها ما تشوهت بدماء وآهات، ولا تزال أبوابها ونوافذها تخفي خلفها قصص لأناس يتخبطون بدروب الحياة وصراع القلوب. لا تدري كم مر من الوقت فقد فقدت احساسها به وبواقعها ومكانها الى أن رن هاتفها، كان رقم أرضي !!! هي لا تعرف احد هنا غير عاملة بالفندق أو صاحب محل العطور وأخيرا سيف.
فتحت الخط وكلها فضول لتعرف من المتصل: ألووو
* اهلا حضرتك معك سيف.
تهللت أساريرها لسماع الاسم، لدرجت انها لم يثر اتصاله استغرابها
* أهه هلا بيك ياسيف.... تسمحلي أقلك سيف من غير تكلف.
ابتسم لعفويتها، لا يعرف لماذا يشعر بالراحة في حضورها، ولا لما هذه السعادة التي تسيطر عليه عندما تكلمه وهي تغزوه بنضراتها الجريئة له: أيوه أكيد انا كنت متصل بيك عشان الكتب، حضرتك مخد.... قاطعته قائلة: ندى إسمي ندى فبلاش حضرتك دي. اتسعت ابتسامته وهو يرى كيف تحطم كل الحواجز التي بينهم وتغزوه بشراسه، والغريب في الأمر أنه سعيد بهذا!! هو ذلك الرجل البارد الذي يرى أن العلاقات التي تربط الجنسين ويسمونها حب ماهي الا طاعون ينخر الصحة النفسية للفرد وتضييع للوقت واستغلال متبادل برضى الطرفين استغلال جنسي واستغلال مادي...
* ندى قالها بصوت أجش وقد ثقلت أنفاسه وكأنه قد خذر أو في حالة سكر هو يعترف أنه لا يفهم نفسه ولا يستطيع نفسير الوضع كل ما يعرفه أنه يشعر بأشياء لم يختبرها قبلا، فندى تمتلك موهبت تحرك أشياء بداخله يجهلها، كل ما يعرفه أنه سعيد فقط سعيد
* نعم
* أأم كنت عاوز أعرف هتصرف مع الكتب أزاي، هتيجي تستلميها و لا أبعثهالك؟
* ابعثهالي أنا نزله في فندق ....
* اوك صمت قليلا ثم أردف أم ندى هو ممكن أشوفك قبل لتسفري؟!
ردت ندى بعفوية وبنية حسنة: أكيد ده لازم بقلك هو انت بتلص شغل إمتى؟
* الساعه ٧ .
* أوك أنا لازم أقفل دلوقتي هتصل بيك .
انتهى يوم سيف في إنتضار مكامتها، وهو مبتسم على غير عادته، وقد احتلت تفكيره بالكامل، غادر المكتبة دخل بيته وجالس والدته وأكل وهو شارد الذهن، لا يستطيع التركيز في أي شيء سواها، وبدأت فرحته تتقلص بداخل ويحتله الضجر والضيق، ليس له تفسير لتقلب مزاجه و انزعاجه ولا ضيقه، يشعر بإلحاح رغبته في مهاتفتها ولكن لم يجد مبررا لهذا ماذا سيقول لها؟ أنا مخنوق محتاج أسمع صوتك؟ ههههه الظاهر أني إتهبلت ....
كان في حالة أول مرة يختبرها و الفضل كل الفضل لتلك الغريبة التي لا يعرف عنها شيء سوى إسمها، حتى أنه لا يعرف جنسيتها، ان كانت مرتبطة أم لا!!! لحظة: هي ممكن تكون مرتبطة؟؟؟ لالالا ... ليمكن هي الي إتقربت مني الأول فمش معقول تكون مرتبطة وتعاكسني بالشكل ده؟!
سيطر عليه الشعور بالفضول يريد أن يعرف عنها كل شيء من يوم ولادتها الى يومنا الحالي....
اخرجه من تفكيره صوت رنة هاتفه، ليبتسم عندما رأى ان ندى من تتصل به وكأنها تشعر به ليجيب قائلا: أهلا أهلا ده أنا قلت أنك نسيتيني.
* لا أزاي هو أنا أقدر، كل الحكاية أني كنت تعبانه ونمت...
* تعبانه ؟ خير ؟
* لا مفيش حاجه بس صاحيه من ٥ الفجر وطول اليوم مقضياها مشي أكملت وهي خجلا: أصل بحب المش أوي.
ابتسم لا يعرف تماما لماذا، انها مختلف عن عالمه، انسانه عفوية يشعر أنها تستمتع بأشيء بسيطة تعتبر بالنسبة لغيرها عذاب وقلة حيلة، تستمتع بالمشي لساعات وفي شوارع القاهرة المزدحمة وسط هذا الكم من التلوث!
* أوك عامله ايه؟
* تمام، بقلك أنا عزماك ع العشا ممكن؟
* عشا!؟
الليلة؟
* ايوه أصل أنا جعانه أوي ومبحبش آكل لوحدي، وكمان عشان يبقا بينا عيش وملح... هو مش بتقولوا كده بردوا ولا غلطانه؟
ضحك وهو يستفسر: آه طبعا.... وحضرتك عايزه تتعشي ع الساعه ١ على آخر الليل كده.
* أممم طيب قول أنك رافض عزومتي...طيب يرضي نام وأنا جيعانه.
* قصدك تقولي يرضيك أتحبس بأوضتي و أنا شبعانه نوم ومش لاقية حاجه أعملها غير أن...
ضحكت ندى وهي تعقب: متكمل يا فهمني بصراحه أنا ملقيتش حد اغلس عليه غيرك، وكمان أنا مش رشيتك الصبح وجيبالك ورد ؟ ايه هو انت فاكر عشان ايه؟ بس عشان تتحمل خفاش زييي هههههه
* خلاص خلاص نص ساعه وهكون عندك.
كان في قمة حماسه لهذه الفراشة التي اقتحمت حياته، لقد قرر انه لن يفكر بشيء وسوف يترك زمام أمره لقلبه هذه المرة، انه يشعر بوجودها أنه كامل لا ينقصه شيء ولا يحتاج شيء وهذا يكفيه.
غير ملابسه وتأنق وكأنه سوف يلتقي حبيبته، تعطر بل أغرق نفسه بالعطر و اخذ متعلقاته ورحل تحت نظرات والدته، التي لاحظت شيء غير مفهوم في تصرفاته الليلة، ولكن الآن اتضح المبهم (ابني بيحب وأخيرا ياسيف)
قالتها بصوت مرتفع وقد ارتسمت ابتسامتها على شفتيها.
يجلس أمامها في ردهت الفندق، يحدق بعينيها، وهو مبتسم ليقول: هاه قوليلي هتعشيني فين.
اتسعت ابتسامتها وهي تراه أمامها مبتسما يسلمها نفسه: لتقول وهي تقف وتجع اشيائها المبعثر فوق الطاولة: ايه رأيك في رحلة نيلية؟؟؟
* رحلة نيلية؟؟ دلوقتي؟
* لا طبعا اليوم انا عيزه اكل في حته هادية وقف ليتحركا معا وهو يضع يده على ظهرها في حركة عفوية منه وكأنها ملكه هذه الليلة، لديه احساس انها نقطة تحول بحياته.
استقلا السيارة وتوجها الى مطعم الباشا، مطعم مطل على النيل في الزمالك، كان المكان هادئ و أجواء جد رائعة جلسا على طاولة بجانب النافذة كان منظر مياه النيل بانعكاس الأضواء على سطحها خيال مع نسمات الهواء الخفيفة التي تداعب خمارها وخصلاة شعره زرع بداخله شعور عاصف مخيف له، هل سلم لها بهذه السرعه؟ هل من المعقول أن يحبها من ثاني لقاء ام هو لا يتعدى احساس بالرضى لإرضائها لغروره الرجولي؟
إنها تجلس أمامه بأريحية في مكان رمنسي بعد منتصف الليل، اختارته هو من بين كل الناس ليقاسمها ليلتها، هو الذي لم يسمح لنفسه بهذه الخرجات ربما لأنه لم يجد فتاة تشبع غروره، وتثير رجولته بما يكفي لذلك!
قاطعت أفكاره قائلة: انا عيزة مشاوي وطبق سلطة سيزرز سلاد و انت؟
* كان يود ان يقول لها أنه سيكتفي بها!🤨 ماذا؟ منذ متى كان مهوووس هكذا ابتسم قائلا: أنا اتعشيت هكاتفي بعصير.
* ايه اتعشيت دي؟ يعني مكلماك وتعب نفسي وبشرح لسيدتك اني معرفش آكل لوحدي عشان تقولي في الأخير انك شبعان؟ طيب قوم خلينا نمشي.
كانت تتكلم والضيق واضح على وجهها، فهي فعلا لا تستسيغ شيء وهي وحيدة، فطيلة السنوات الماضية كونت صداقات في كل مكان تحل به للهروب من الوحدة، كانت تصرفاتها وردود افعالها معه طبيعية عادية لاتتعدى الصداقه، في حين قلبه العطشان للإهتمام فسره تفسيرا آخر وقرر امتلاك هذه الأنثى التي لا تزال تحتفظ بمعالم الطفولة في طيات شخصيتها.
أمسك يدها برفق، وهو يشعر بتعطشه للمزيد منها وهو يقول اعودي ندى أنا هاكل