أنهوا جولتهم فى الإسكندرية .. وقبل مغادرتها .. أوقف "مهند" سيارته أمام أحد المساجد .. دخل يبحث بعيناه عن شخص ما .. ارتسمت ابتسامة على شفتيه وهو يتطلع الى ذلك الرجل الوقور ذو الجلباب الأبيض الذى استند الى أحد الأعمده فى المسجد .. وهو يمرر اصبعه الابهام على أصابعه ويحرك شفتيه هامساً .. اقترب منه "مهند" ووقف أمامه ينظر اليه فى حنان .. رفع الرجل رأسه ونظر اليه للحظات قبل أن تعلو الابتسامة شفته وهو يهتف غير مصدق :- "مهند" .....
اتسعت ابتسامة "مهند" وعاون الرجل على النهوض .. وأمسك رأسه مقبلاً اياها وهو يقول :
- ازيك يا شيخ "محمد" وازى صحتك
هش الرجل وقال :
- بخير يا ابنى الحمد لله .. ازيك انت .. فين أراضيك دلوقتى
قال "مهند" مبتسماً :
- أنا دلوقتى عايش فى القاهرة مع عمى
ربت الرجل على كتفه وهو يقول :
- ربنا ينورلك طريقك يا ابنى ويحفظك من كل سوء
ثم أخذ الرجل ينظر اليه بتأثر قائلاً :
- الله يرحم أبوك راحمه واسعة .. كان راجل صالح .. ربنا يرزقه جنات النعيم ويحرم بدنه على النار
أطرق "مهند" برأسه يتذكر أبهي الراحل .. فأكمل الشيخ مبتسماً :
- لسه لحد دلوقتى فاكر يوم ما جالى وجابك فى ايده .. كنت لسه عيل صغير .. جابك وأعدك أدامى وقالى يا شيخ "محمد" ده ابنى "مهند" وعايزك تحفظه القرآن وتعلمه وتفهمه وتنوره عشان يبأه نبته صالحه أسيبها فى الدنيا بعد ما أموت
رفع "مهند" رأسه ينظر اليه فى تأثر . فأكمل الشيخ مبتسماً :
- كانت الفرحه مش سايعه أبوك لما ختمت وادوك جايزه فى المسابقة .. كانت الدموع بتفر من عينه وهو بيحمد ربنا ان ابنه حافظ للقرآن
ثم ربت على ذراع "مهند" قائلاً:
- وانت يا ابنى فعلاً نبته صالحة زى ما أبوك كان عايز .. انت من طلابى القليلين اللى ليهم معزه خاصة فى قلبي .. ربنا يحفظك ويحميك انت وأختك ويكفيكوا شرور الدنيا
قبل "مهند" يد الشيخ قائاً :
- ربنا يحفظك يا شيخ "محمد" ويديك الصحة .. أنا مديونلك بحاجات كتير أوى غرزتها جوايا انت وبابا الله يرحمه .. لما جيت النهاردة اسكندرية محبتش أمشى قبل ما أشوفك وأسلم عليك
ابتسم الشيخ قائلاً فى سعادة :
- فيك الخير يا ابنى
قال "مهند" وهو ينظر لساعته :
- معلش يا شيخ "محمد" مضطر أمشى
قال الرجل بطيبة :
- طريق السلامة يا ابنى .. خلى بالك من نفسك
التفت "مهند" ليغادر فأمسكه الشيخ من ذراعه قائلاً :
- اوعى تنسى اللى علمتهولك يا "مهند" .. الدنيا مليانه فتن يا ابنى
ربت "مهند" على يده قائلاً :
- متخفش يا شيخ "محمد" .. متخفش عليا******************************
توجهت "سمر" الى الشركة فبادرتها السكرتيرة بإعطائها ملفاً عاجلاً .. اتسعت عيناه دهشة وخفق قلبها فزعاً وهى تطالع تلك الأوراق التى تؤكد خسائر متتالية للشركة منذ شهور .. رأس المال ينفذ .. أسهم الشركة فى البورصة تقل يومياً .. وضعت الأوراق أمامها فوق المكتب وهى تشعر كما لو أن الدنيا تنهار حولها .. اخرجت هاتفها بعصبية واتصلت بـ "باهر" هاتفه :
- "باهر" عايزاك فى المكتب حالاً
- خير يا "سمر" قى ايه ؟
قالت بعصبية :
- بقولك حالاً يا "باهر" .. مستنياك
أنهت المكالمة وألقت بالهاتف فوق المكتب وهى تسند رأسها بقبضتي يدها !
بعد ما يقرب من ساعة رأت "باهر" يدخل المكتب قائلاً :
- خير يا "سمر"
رفعت رأيها وننهضت بحدة وقفت أمامه قائله :
- ايه الخساير دى كلها يا "باهر" .. الشركة بتغرق
قال "باهر" ببرود :
- أنا مالى هو أنا اللى غرقتها .. باباكى اللى غرقها
هتفت بغضب :
- وانت كنت بتعمل ايه .. ليه مفهمتنيش الوضع كويس
قال بنفس البرود :
- كنت فاكرك عارفه .. وبعدين أديكي عرفتى .. هتعمل ايه ؟ .. ولا حاجه .. الشركة خلاص ضاعت .. رأيى بيعيها واستفيدي بالفلوس اللى هتطلعلك منها لانها كل يوم فى النازل
هتفت بأسى وهى تحرك ذراعيه فى الهواء بحيره :
- يعني ايه .. خلاص كده .. كل حاجة ضاعت .. طيب وبعدين .. أنا مبفهمش فى البيزنس .. هشتغل ازاى .. هعمل ايه .. أعمل ايه بالفلوس اللى هاخدها من بيع الشركة
قال "باهر" بنفاذ صبر :
- دخليها فى أى مشروع يا "سمر" .. خلى حد يشغلهالك .. مش قصة دى
أدارت "سمر" عيناها فى وجهة بأسى .. ثم قالت :
- احنا هنتجوز امتى يا "باهر"
أجفل "باهر" وهو ينظر اليها فأكملت بألم :
- كنت فاكره ان بعد وفاة بابا .. هتقولى يا "سمر" تعالى نتجوز عشان تبقى فى بيتى .. متبقيش لوحدك .. يا "سمر" تعالى أعوضك عن باباكى اللى مات .. يا "سمر" أنا نفسى أتجوك النهاردة قبل بكرة .. ايه اللى مانع جوازنا يا "باهر" .. انت تقدر تفتح بدل البيت عشرة .. ليه مش بتاخد خطوة
شعر "باهر" بأن هذه هى اللحظة المناسبة تماماً ليخبرها بقرار فسخ الخطبة . فتح فهمه ليتحدث .. لكن قاطعه السكرتيرة وهى تقول لـ "سمر" بلهفة بأن مندوب من أحد البنوك يريد مقابلتها لأمر عاجل .. التفت "باهر" الى "سمر" قائلاً :
- نتكلم بعدين .. خلصى شغلك وكلميني
انصرف "باهر" تحت أنظار "سمر" التى كانت شعرت بألم وأسى ظهر واضحاً جلياً فى عينيها
أنت تقرأ
العشق الممنوع (للكاتبة منى سلامة)
Storie d'amoreأن يطعنك أحدهم فى ظهرك فهذا أمر طبيعى، ولكن أن تلتفت وتجده أقرب الناس إليك فهذه هى الكارثة..!! بقلم الكاتبة: منى سلامة (بنوتة أسمرة)