عندما رأت حاجبي والدة هشام ينعقدان وتغضنت زوايا عينيها باتهام قالت شارحه:
- زوجي الدكتور بلال طبيب وهو في الأصل صاحب هذا المركز للعلاج الطبيعي ولكن عمله هنا لا يبدأ إلا بعد صلاة المغرب بقليل، وقد منحني دورات عدة في العلاج بالحجامة وأجازيني فيها .تنفست والدة هشام الصعداء وقد اطمأنت بعض الشيء وهي تسترخي قليلا ثم بدأت في شرح ما يؤلمها وهي تستند بكفيها على ركبتيها وعبير تستمع إليها بإنصات، وهي تشرع في العمل على الفور بأصابع مدربة خبيرة، بينما والدة هشام تطلق العنان لذكرياتها وهي تحكي لها باستفاضة عن شبابها وصحتها التي ولت في تربية ولدها وابنتها التي تقطن بعيدا عنها مع زوجها، وكيف جاءت زوجة ابنها لتأخذه منها هكذا دون تعب، وأخذت تقص عليها وكأنها تعرفها منذ زمن طويل
المشاكل التي دبت بينهما حتى اضطر هشام إلى تأجير الشقة الشاغرة في الطابق الذي يعلوها لفصلهما عن بعضهما البعض .استشفت عبير من حديث المرأة عدم تقبلها الزوجة ابنها فقالت وهي تتابع عملها بتلقائية:
- أتعلمين يا خالتي، زوجي الدكتور بلال وحيد أمه، وكنت أرهبها في البداية ولا أعرف كيفية التعامل معها، ولكنها احتضنتني كأبنة لها وصارت لي أما ثانية، هي من علمتني كيف أعمل لخدمة الناس
دون انتظار مقابل وساعدتني في تربية أولادي الأربعة بكل حب وصبر، وعملت معي هنا ودربتني كثيرا حتى أصبحت خبيرة في هذا المجال، وعندما توفاها الله افتقدها كثيرا وبكيتها أكثر من
ولدها نفسه، وكلما أسجد بين يدي الله في صلاتي أتذكرها في دعواتي أكثر من والدتي الحقيقية .تنهدت والدة هشام وهي تمصمص شفتيها وتترحم على الفقيدة قالت وهي تحرك رأسها وكأنها تدافع عن نفسها:
- والله يا ابنتي لقد عاملتها بالحسني، لولا تأخر حملها لسنة كاملة ورفضها الذهاب للطبيبة لمعرفة سبب تأخر الحمل، فصارت العلاقة بينا سيئة للغاية، وحتى بعدما حملت بطفلتيها لم نتصافي أبدا إلا بعد أن علمت بمرضها المميت وبأنها موشكة على لقاء
ربما .رفعت عبير وجهها مصدومة، سيظل الموت هو الحقيقة الوحيدة في حياتنا، نؤمن به ونتظره، وبالرغم من ذلك يصدمنا عندما نشتم رائحته
حولنا، أطرقت برأسها، تزفر بدوء وتحرك عنقها يمنة ويسرة بشفقة وهي تتخيل كيف ستفارق أما ما أطفالها في مثل هذا السن المبكر جدا وهي
على علم بذلك، فهي أم وتدرك كيف هو شعور الأم عندما يتعرض الأمر بمستقبل أطفالها، لانت ملامح عبير بتسليم لقدر الله، متمتمة:
- لا حول ولا قوة إلا بالله، عافاها الله من كل سوء، وحفظها لأطفالها تنهدت والدة هشام وصمتت للحظات ولكن صمتها لم يدم طويلا
وعادت لتستكمل حكيها حتى كادت عبير أن تنتهي من عملها، لم يوقفها إلا رنين هاتف عبير الذي أصر أن تجيبه بإلحاح، راقبتها المرأة بإنصات فضحه تركيز ملامحها الشديد معها وهي تتحدث إلى زوجها
بخفوت ووجهها يتلون باللون الوردي المحبب، وما الاحظت عبير تنصتها عليها أخت المكالمة سريعا هامسة له بخفوت:
- سنرى حكاية ضميرك هذا فيما بعد، لدي عمل الآن، مع السلامة.
أنهت المكالمة وهي تحيد بنظرها عن والدة هشام التي رفعت حاجيا واحدا بإدراك مصطنع وكأنها علمت ما دار بينها وبين المتصل من تورد وجهها، وقبل أن تعاود عبير إناء عملها قالت بابتسامة موضحة:
- إنه زوجي
عادت المرأة تتنهد مجددا وهي تهز رأسها بثقة في تخمينها السابق ثم عقبت وهي تعتدل في جلستها بحكاية أخرى عن إحدى مشاكل ولدها مع زوجته بسبب عدم مهاتفته لها ليطمئن عليها خلال فترة عمله الذي تدوم اليوم كله وضيقها بمكالمته الوحيدة التي يفعلها فقط وهو عائد من عمله ليسألها عن المشتروات الضرورية للمنزل
ضحكت عبير بخفة وهي تنهي عملها وتنهض قائلة:
- أنا وزوجي حالة عاطفية خاصة، من الظلم القياس عليها، ولكن أصدقك القول مكالمته تلك تمنحني دفعة قوية جدا لاستكمال مهام اليومية بحماس متدفق.

أنت تقرأ
"وقالت لي"
Mistério / Suspenseتفحص الكاتب الصحفي عبدالخالق مروان المظروف بين يديه مندهشا، ثم بدأفي فتحه وفض الأوراق منه وقراءة مابين سطورها بفضول، حينها علم بأنه أمام حاله فريده من نوعها تحتاج الا تأمل عميق وصبر طويل لفك احجيتها والغازها قبل الحكم عليها، وقد تيقن من ذلك عندما وص...