لم تمطر السماء في جنازة جون أوتمان وكينث دوبلات، لم تظلم على الأقل أو حجبت أشعة شمسها التي كانت مشعة أنارت الدنيا بحبور إنعكس على الأزهار والأشجار التي إستغلت كل شعاع ضوء لتتفتح بأبهى حلة. لكن وعلى رغم أن الكون الذي لم يبدي أي تعازيه لوفاه الرجلين إلا أن سكان القرية كانوا في حداد.
أغلقت جميع المحال وخلت جميع البيوت والطرقات وفي مقبرة القرية إمتلأ العشب الأخضر بمن يتوشحون السواد وصوت أنينهم يكاد يزعج الموتى من حولهم، إستمع الجميع لمحاضرة القس التي تحدث عن الموت وسنة الحياة بينما جميعهم يعلم في داخله أن الحياة كانت تنتظر هذين الرجلين، حياة طويلة وناجحة لو لم يلتقيا بالشيطان فجأة في منتصفها.وفي أخر المراسم كان على أصدقاء وعائلة الميتين إلقاء كلمات قصيرة عنهما ليتصدر المتحدثون بضعة أسماء جاءت من خارج القرية كانوا من معارف الرجلين الكثيرين إلى أن دُفع بفتى أشقر في السابعة عشرة كان يقف شامخًا يحدق في التابوتين الأسودين أمامه دون أن يرف له جفن، دُفع به ليلقي كلمة عن والده.
ديريك أوتمان كان إبن والده المميز، منذ صغره إمتاز بصحة جيدة وبنية قوية جعلته الساعد الأيمن لوالده في مهامه الشاقة داخل الغابة، هذا غير سرعة بديهته وذكائه الذي أشاد بهما معلمه الأول والأخير كينيث دوبلات حيث كان من الطلبة الأوائل في المدرسة التي أنشاءها ليتعلم منه الكثير من العلوم التي كان ديريك يتسائل دائمًا متى قد يستفيد منها لكنه تابع مع ذلك التعلم منه فقط لكونه يحترم الرجل.
والآن وجد ديريك نفسه أمام هذه الفاجعة، لم يخسر فقط والده بل معلمه أيضًا.
ملامحه البرئية إكتسبت ظلمة لم يلحظها أحد بينما أخذ نفسًا وهو لا يزال يحدق بالتابوتين أمامه وقال بعد هيينة بنبرة هادئة وعميقة:
-فلترقد يا والدي بسلام وطمأنينة فأنا من تركت خلفك وأعدك أنني لن أخيب ظنك فيّ يومًا.
كلماته البسيطة أثارت المزيد من النحيب من قِبل السيدات اللاتي ظنن أن ديريك لم يستطع قول المزيد أو أن يذرف أي دمعة لأنه لم يستوعب حتى الآن أن والده لن يعود أبدًا، لكنه كان العكس تمامًا.
وبعد أن إنتهى ديريك من كلمته سأل القس السيدة دوبلات إن كانت ترغب في إلقاء كلمة لزوجها لكن السيدة كانت بالكاد تستطيع الوقوف بمساعدة إبنيها الصغيرين والذين لا يبدو أنهما يستوعبان كل ما يحصل أمامها، وفقط عندما ظن القس أن لا أحد سيتكلم خطت هي من خلف والدتها قائلة:
-أرغب في قول شيء عن والدي.
فوجئ المتواجدون من تطوع صوفيّا لذلك. فقد كانت صوفيّا دوبلات دائمًا الفتاة الهادئة المثالية، تجيد كل الأعمال الخاصة بالنساء من تطريز وترتيب وطبخ هذا غير كونها التلميذة التي تحولت لمعلمة في مدرسة والدها وهي لا تزال في الخامسة عشرة ليجعلها ذلك الفتاة الواعدة والتي يحلم كل الشباب بكلمة منها، لكن الجميع ظن أنها بجمالها وذكائها يمكنها أن تحصل على رجل أفضل من شباب القرية، نبيل ربما!
أنت تقرأ
حدث ذات مرة في ويلفيرتون
Historical Fiction- مكتملة- × بريطانيا العظمى تتآلق في حلة العصر الفيكتوري، بداخل أرجاء قصرٍ جميلٍ ومترامي الأطراف في ريف ويلفيرتون تدور روايتنا... كانت سارا ويلفيرتون حريصة كل الحرص على أن تخرج من موسم الصيد هذه السنة بزوجٍ سيساعدها على الهرب من زيجة يصر أهلها عليها...