أكيد سألنا نفسنا السؤال ده حفنتلاف مرة قبل كده، إحنا عايشين ليه؟ أو إيه الدافع اللي بيخلينا نصحى الصبح ونكمل في الحياة ومانشربش أول إزازة سيانيد نلاقيها في وشنا؟.. هل يا ترى الدافع ده هو الخوف (من العقاب في حياة أخرى)؟ الأمل في السعادة (فكرة إننا في يوم هنلاقي اللي هيسعدنا)؟ غريزة البقاء؟
الحاج نيتشه Nietzsche بيقولنا إن ولا حاجة من الحاجات دي بتبرر كل أفعالنا. فيه فعلاً حاجات بنعملها علشان خايفين من العقاب، بس ده مابيبررش ارتكاب المعاصي. فيه حاجات بنعملها علشان نشعر بالسعادة بس برضه ده ما بيبررش الأفعال اللي نابعة من الكراهية والحقد اللي بنبقى عارفين إنها غلط ومش هتسعدنا. وعلى نفس الشاكلة، مش كل أفعالنا نابعة من غريزة البقاء.. لأن غريزة البقاء مابتبررش فعلنا لحاجات بتسبب لنا الأذى زي شرب السجاير والكحول وممارسة الرياضات الخطيرة. أومال إيه بقى اللي بيحركنا وبيتحكم في كل أفعالنا كبني آدمين؟
نيتشه بيقولنا إن الحاجة دي هي the will to power أو إرادة القوة (ترجمة ركيكة والترجمة المناسبة للمفهوم أكتر "الرغبة في السلطة"). السلطة اللي يقصدها نيتشه هنا مش سلطة سياسية أو عسكرية أو فكرية أو بدنية، السلطة اللي يقصدها نيتشه هي ال self-autonomy أو الحكم الذاتي. يعني المحرك الأساسي للإنسان مش رغبته إن يكون أقوى أو أذكى أو أسعد إنسان وإنما رغبته في تحرير نفسه من جميع السلطات الواقعة عليها وتحقيق التحرر الذاتي.. يعني من الأخر يبقى نفسه.
فكروا فيها كده، تحقيق الذات ده وتحريرها من السلطات بيفسر كل أفعالنا كل واحد حسب هو شايف نفسه إزاي وعايز يحققها بأي صورة، واحد بيعبر عن نفسه برغبته عن الانفصال عن أهله.. التاني بإنه يتسلق جبل.. التالت بإنه يبقى غني وخلاص.. الرابع بإنه يخلف 16 طفل.. الخامس بإنه يفرض رأيه على الآخرين وهكذا.
الحاجة المشتركة في كل ده إن الإنسان في ذهنه صورة معينة عن نفسه عايز يحققها محررة من كل الضغوط المجتمعة والسياسية والفكرية وهي بتبقى الدافع الأساسي لكل أفعاله.
والكلام ده يتسق مع قصة نيتشه الفلسفية "هكذا تكلم زراديشت" Thus Spoke Zarathustra واللي بيقولنا فيها إن الإنسان بيمر بثلاث مراحل (معظمنا مزنوق في المرحلة الأولى وهنعيش ونموت فيها على كلامه، على الرغم من رغبتنا في تخطيها والوصول للمرحلة الأخيرة): مرحلة الجمل ومرحلة الأسد ومرحلة الطفل.
مرحلة الجمل اللي الإنسان بيبقى خاضع فيها لجميع أنواع السلطات (سياسية، أسرية، دينية، أخلاقية.. إلخ) وبيتصرف على أساسها، وفي الحالة دي بيبقى عامل زي الجمل شايل على ضهره ومتساق.. والموضوع ملهوش علاقة بفقر وغنى وضعف وقوة لإن ممكن يكون الإنسان عنده سلطة وغني بس برضه متساق.
بعد ما الإنسان بيتحرر من السلطات دي الواحدة ورا التانية بينتقل لمرحلة الأسد (لأ مش زي مرحلة الوحش) اللي بيقدر فيها يحطم كل القيود اللي اتفرضت عليه منذ الولادة وأثناء نموه.. ونلاحظ إن نيتشه اختار الأسد في المرحلة دي لإنه زي ما بيعبر عن القوة والشجاعة بيعبر عن الاندفاع والغضب.
بعد الإنسان ما بينتصر على كل القيود (مش بس الواضح منها وانما النفسية كمان) وبيتخلص من الغضب المرتبط بالقيود دي بيوصل للمرحلة النهائية اللي كلنا بنسعى لها وهي مرحلة الطفل. ساعتها الإنسان بيبقى a true force of life ..الطفل بيعيش إزاي؟ بيعيش في اللحظة الحاضرة بس وبيكون همه الأكبر هو ذاته دون اعتبار لأي حاجة تانية... وكل ده بيحصل بسعادة غامرة وانطلاق تام، وده اللي نيتشه شايف إن كلنا عايزين نحققه وده اللي المفروض نكون عليه.
أنت تقرأ
الأزمة الوجودية في الفترة المسائية
Historical Fictionتأملات بالعامية المصرية في الأساطير والفن والفلسفة وعلم النفس... من الحلة إليك