من يومين أبتديت أتابع مسلسل Mindhunter اللي بيتكلم عن تطوير ال FBI لوحدة العلوم السلوكية في السبعينات واللي من خلالها ابتدوا يطوروا علم الجريمة ويدرسوا نفسية المجرمين. وعلى قد ما متمزجة جدا من جودة الكتابة على قد ما متأزمة من الأسئلة اللي بيطرحها المسلسل واللي كانت بتدور في دماغي من فترة.
لو اعتبرنا إن كل جريمة وراها دافع ما، هل فهمنا للدافع هيغير من رؤيتنا للمجرم؟ ولو اعتبرنا إن السلوك الإجرامي ده حصل نتيجة لصدمة ما أو لإساءة بدنية أو نفسية في فترة الطفولة، امتى بالظبط المجرم بيتحول من ضحية لمتهم؟ وهل المجرم يُلام على عدم إدراكه لسلوكه المختل؟
يعني مثلاً أول مجرم البطل بيقعد ويتكلم معاه هو إيد كيمبر Ed Kemper واللي مايعرفهوش فهو قاتل متسلسل أمريكي قتل جده وجدته وهو عنده ١٥ سنة وبعديها بكام سنة قتل أمه و١٠ بنات كمان تقريبًا بشكل بشع. كيمبر في فترة طفولته أتعرض لإساءة من أمه وعلشان كده بقى يكره الستات وأي مصدر للسلطة. كيمبر شخصية مثيرة للاهتمام جدًا لإن بعد ما اتسجن كان بيعمل لقاءات مسجلة وهو في السجن (بعضها موجود على اليوتيوب) وبيتكلم عن جرايمه وبيحلل سلوكه بنفسه ويبان شخص متزن بنسبة كبيرة. وده اللي خلى الناس تتساءل هل هو بيمثل ولا اضطرابه النفسي على درجة كبيرة من التعقيد؟ ولو ده فعلاً صح يبقى إيه الأدوات اللي في إيدينا اللي تخلينا نقدر نفهم حاجة بالتعقيد ده؟ وهل فهمها هيفيدنا بحاجة أو هيأثر على رؤيتنا لنفسنا وللمجتمع اللي عايشين فيه؟
وأنا بتفرج على ڨيديوهات كيمبر قلبي وجعني، مش تعاطفًا معاه تحديدًا ولكن مع الطفل اللي اضطر يعيش في ظروف زي دي وغيره من أطفال كتير بيتعرضوا للإساءة البدنية والنفسية بشكل يومي. الصدمات اللي في المراحل التكوينية الأولى دي بتشوه الإنسان للأبد وبيحتاج لجهد جبار علشان يصلح ما تم إفساده. بس امتى الطفل بيدرك الكلام ده؟ وليه بنحمل الضحية مسؤولية الإدراك؟ دي كلها أسئلة بتدور في دماغي بلا إجابة.
في الكتاب بتاع The Body Keeps the Score الكاتب كان بيتكلم عن إن إزاي الإساءة والصدمات في مرحلة الطفولة بتبوظ المفاهيم الغريزية والإدراكية فالطفل وهو بيكبر بيتعامل مع الصدمة دي عن طريق تحويل الإساءة لنفسه أو للآخرين. احنا أتكلمنا عن كيمبر كمثال لتحويل الإساءة للآخرين، في الكتاب كان فيه مثال حقيقي عن بنت كانت بتتعالج عند الكاتب. البنت دي اتعرضت للإساءة البدنية وهي صغيرة وعلى الرغم من إنها كانت بتتعالج وبتحاول تنجح في حياتها إلا إنها دايما كانت بتدور على علاقات مسيئة تدخل فيها علشان تأذي نفسها.. كانت بتصاحب رجالة بيضربوها وواحد شغلها في الدعارة وأدمنت مواد مخدرة (مع إنها كانت طالبة جامعية ذكية). الكاتب بيقول السبب إن مخها خلاص اتبرمج على إن إيذاء النفس – كإعادة للصدمة الأولى – هو الطريقة الوحيدة للشعور بالنشوة والألفة. وممكن برضه يكون ده نابع من شعورها باستحقاق العقاب فلا شعوريًا بتنتقم من نفسها زي ما كيمبر كان بينتقم من أمه في كل اللي قتلهم.
الموضوع مؤلم من كل الجوانب. زي ما بنفكر في الناس اللي اتقتلت بلا ذنب لازم برضه نفكر في الأطفال اللي بتتأذي من أهلها بأبشع الصور بلا ذنب. مش بقول نعذر المجرمين ونتطبطب عليهم بس زي ما البطل في المسلسل بيحاول يفهّم اللي حواليه: اهتمامنا بالعقاب لازم يكون موازي له محاولات لفهم الدوافع والأسباب علشان نعرف المشكلة فين. مفيش في الدنيا شر مطلق، وكلنا متورطين في العك ده بشكل أو بآخر... للأسف.
أنت تقرأ
الأزمة الوجودية في الفترة المسائية
Historical Fictionتأملات بالعامية المصرية في الأساطير والفن والفلسفة وعلم النفس... من الحلة إليك