١١ سنه الا ٧ ايام

376 7 2
                                    

استيقظتُ على (الصلاة يا عباد الله)...(الصلاة .. الصلاة) ...

فارقتُ سريري الدافئ وقاومت ثقل جفوني ونهضت لارى امي تتوضئ ؛ كان مُجرد التفكير بأنها موجودة كافياً، الى ان يُغمر روحي بفيض من الهناء ... ؛ ابي واخواني قد غادروا الى المسجد الذي يقع ع بعد بضع خطوات من بيتنا الهادئ ، وتبتدأ امي التكبير: الله اكبر ... ونصلي معها جماعه انا واختي الصغيره، كانت تردد بعد كل صلاة دعاءاً لم اكن لافهمه حينها فقد كان عمري ١١ عاما الا اسبوع ولكن بعد هذا الاسبوع سأكبر ١١١ عاما فسأفهمه جيدا ... بل سأتقن فهمه ..

دعت امي ربها : اللهم إني اسألك الامان ؛ اللهم احرس من في الثغور مرابطين وانصرهم على عدوهم وعدوك؛ اللهم اني اسئلك .... ثم تبكي بكاءً مريرا وتشهق في كلماتها وكأن الدمع يمنعها من النطق فتردف قائله .. اسئلك ان تُصبر القلوب فإن الصبر على الفراق شاق واسألك ان تحفظ بيوتنا من القصف والدمار ... يارب ..

فنقول من بعدها آمين .. ثم تقرأ امي القرآن واذهب انا لاكمل نومي ... ولكن اليوم لم يستطع جفني ان يجرأ على الانسدال فوق عيني فحرقة القلب كالنار في الجسد تأكله بشراهه مانعه اياه كل شيء حتى الغفوه ثم تتركه لينام نومه ابديه ...
دخل ابي و اخوتي الدار و يا لها من دخله تملأني سعاده وكأني ارى الامان بهيئة بشر ؛ انظر للامان واتلمس الامان واضحك وابكي وآكل واشرب كل يوم بربوع هذا الامان المنثور .

ثم بعد دقائق....

اقفز من مكاني وقد ملئني الرعب واحتضن اخي الكبير ( عمر ) الذي لم يكن متفاجئا بما يحدث ؛ احتضنني ثم ازاحني واحتضن تلك البندقيه ؛ في الواقع إن بيني وبين البندقيه قصة حقد وغيره ؛ يُفضلها ابي واخوتي عليَّ ، فها هي مدلله بين ايديهم وها انا قد تم توديعي على عجله وسرعه لتذهب هي معهم وابقى انا وامي واختي في الدار !
لا اعرف ما سر هيامهم فيها ، حتى يتركوني من أجلها وانا خائفه من صوت ما يُسمى بالقصف ... !

تركض امي نحوي وتحتضننا انا واختي وفي هذه اللحظه ... احتضنت امي وبكيت بُكاء مودع وكأني شَعرتُ بُقرب هازم اللذات ...
تسائلتُ في خاطري هل سيكون لهذا النهار شروق ؛ هل ستطل علينا الشمس أم إننا سنودع الارض والشمس وكل شيء ...
اين الامان ؟
هل هو بحوزة اخوتي وابي ام بحوزتنا في المنزل ؟
هل نحن اقرب للموت ام هم ؟
هل سآراهم مجددا ؟

اسئله في بالي تُزيد من الموقف سوءا وتتعالى اصوات القصف وكأنه الظلام الذي قتل كل نور ؛ او لكأنه الزمهرير الذي قتل كل دفئ ....
وصرت انظر للنافذه؛ باحثةً في كبد السماء عن الشمس ؛ لكن سمائنا اليوم سوداء يمتزج معها لون النار والطائرات تُحلق بخيلاء متناسيه ان ربنا فوقها يسمع ويرى ؛ وبؤيتها عَلمتْ إني اليوم مُودِعه او مُودَعه لا مِحاله ؛ وتسائلت ما بال نصيبي من اسمي ؟! اين نصبي ؟
اسمي حياة فأين الحياة ؟

وبعد دقائق...

وبدأت الارواح تُحصد تاركه ارضٍ قد تفشى فيها الطغيان ولم اكن اعلم حينها هل نجى من أُنتزعت روحه ام من بقت في جسده !
يا لها من معادله صعبه تزاد صعوبه كلما أُنتزعت روح فتفارقنا وتبقي لنا جسد مودع ايانا بأبتسامه على وجهه ...

وتتعالى اصوات الطائرات وتزداد امي احتضانا لنا وكأنها تريد ان تُعيدنا الى رحمها وتُصِل الحبل السري فنشعر بالطمأنينه ... كانت تريد ان تنتزع كل الخوف من اعيننا وبعد كل انفجار يزداد العناق وكأنها تتفقد اعضائنا او كأنها تتمنى لو ان كل مصاب ينوي ان يصيبنا يقع بها بدلا عنا ؛ ربما كانت تعتقد ان النجاة إن حيينا وجهلت إن الحياة بدونها بلا حياة ... في تلك اللحظه اغمضت عيني وكان الظلام مُطمأن اكثر من النور حينها ؛ واغلقت بيدي الصغيرتين أُذني فكان الصمم في لحظتها امنيه صعبة المنال ؛ حسدت من لا يسمع هذه الاصوات المخيفه ؛ هي ليست مجرد اصوات طائره بل هي الفناء والموت والفراق والالم ...

وبعد ٣ ساعات من قصف متواصل هدأ الوجود وكأنه يوم القيامه فتخشع كل الاصوات وتسكن ... ففتحت عيني لتقابلني قُبلات امي وعينيها الدامعه فتقول : بناتي، لله الحمد انتنّ بخير

ثم تركض لترتدي جلبابها لتُسعف من تقدر على اسعافه في بيوت الجيران المقصوفه ؛ تلك البيوت التي كانت فيها من الاحلام ما كان ، وفيها من الضحكات ما فات ، وفيها من الحياة والامل ما فيها ؛ اليوم هي ركام ؛ لا يعلوها سوى الدخان ولا يوجد تحتها غير الجثث ...

الجثث!
مصطلح جديد وكلمه مجهوله ؛ ما معنى الجثث ؟ ... هل من المعقول ان ابنة عمي فاطمه التي تقطن في البيت الذي خلف شارعنا ، صارت جثه ؟
ماذا يعني هذا ؟ ... هل لها ان تعود فاطمه ام سيبقى اسمها جثه الى الابد ؟
اناديها بفاطمه فلا ترد .. فطوم .. فطيم .. فطومه ... لا ترد على ايٍ من هذه الاسماء التي لطالما استمعت لي حين ناديتها فيهنَّ ؛ هل ان ناديتها يا جثه ، ستسمع ؟
هل ستسمعني ؟.. لماذا لا ترد ؟

ابقى في تسائلي والكل من حولي في انشغال فذاك يخرج جثث من تحت الركام وتلك تُسعف من بقى على قيد الحياة وتتعالى صرخات الفاقدين على المفقودين ...
وانا ؟ .. من سيجيبني على كل هذه الاسئله ؟
من سيساعدني في ايقاظ فاطمه التي لا ترد وكأنها شيء من الجماد !
اين ذهبت ضحكاتها ؟
لقد قالت لي انها تريد ان تلعب معي ختيلان (غميضه) ، كيف ستلعب معي ؟ ربما تلعب الان ... او ربما روحها تلعب مع جسدها الغميضه ، فهل عليّ ايجاد تلك الروح الفارَّه من هذا الجحيم ؟
كيف سأقنعها ان تعود إن وجدتها ؟
هل للميت امل ان يصحى ليداوي الجروح في احبابه ؟
حسنا لا اريد الكثير منك يا فاطمه .. لا تتعبي نفسك ... فقط اريد ان تنظري الي ولو نظره اخيره .. هيا احتضنيني كما كنا نفعل .. هيا لنلعب ولو مره اخيره .. فقط نودع بعضنا .. اخر مره ارجوك !

ثم رفعت نظري الى السماء وبكيت وصارت دموعي حارقه لم اكن اعلم ان في داخل عيني بركان من نار يحرق وجناتي عند الحزن ...

ثم جاءت امي ورأت ما فيني من الم فجلست لجواري ، ووضعت يديها التي كانت بالنسبه لي فيض من الرحمه على كتفي وقالت : إن لنا يوما ونلتقي بفاطمه وكل من فرقناهم هنا .

فأجبت بلهفه : احقاً ؟ .. متى بالله ؟

فقالت : حين تتحرر ارواحنا من أجسادنا في سبيل الله ... كما حدث مع فاطمه.

قلت بإبتسامه: اذن هي بخير ؟

اردفتْ قائله : في احسن حال يا بُنيتي ...

.
.
.
يتبع ..

ما بَعْدَ القَصفْحيث تعيش القصص. اكتشف الآن