شمسٌ غائبه

42 1 0
                                    

يبدو إننا على اسوار بغداد ؛ انتبهت لاختي فرأيتها نائمه وقد اهلكها البكاء ولكني حرصت على التنبه والبقاء مستيقظه رغم التعب والعطش الذي بات عدو مكشراً عن انيابه ؛ يبدو إن الشروق قد حلَّ وابكاني تغيبي عن صلاة الفجر وددتُ لو ترجع روحي الى الفلوجه وتنمحي من ذاكرتي هذه الليله التي بقت فيها الشمس غائبه ؛ ولا اظن إن الشمس ببغداد تشبه الشمس التي في ارضنا ...

وفجأه توقفت السياره ...
وفُتح صندوقها...

كرار : هيا إنزلنَّ !

سجاد موجهاً كلامه نحوي : ما اسمكِ؟

صمتٌ وسكوت كأنه يسال جثه ؛ وكل ما كنت افكر به هو اين اخوتي؟ ؛ ومتى سأراهم ؟

عبد الزهره (ضارباً اياي على وجهي): تحدثي؛ ليس لدينا اليوم بطوله!!

سجاد : اهدأ قليلاً يا عبد الزهره ؛ هي ستتحدث وستخبرنا بجرائم داعش من الالف الى الياء ؛ اليس كذلك يا صغيره؟

اجبتُ (وقد انفجرتُ بالبكاء): ارجوك اعدني الى اخوتي ... ارجوكم لا تؤذوا اختي وابن اخي !

كرار : واين اخوتك ؟ ؛ سنعيدكم اليهم فقط اخبريني !

حياة (اجبتُ وقد تأملتُ خيرا لحداثة سني وقلة فهمي ): إنهم مع البندقيات ؛ في مدينتي الفلوجه !

عبد الزهره : اذن انتي من عوائل التنظيم الارهابي .

حياة: ارجعني اليهم ارجوك !

سجاد : ماذا كانوا يفعلون بك ؟

حياة (وقد شهقت وانتحب حتى ظننت انني سأختنق وبدأت أَسعل): اريد الذهاب اليهم ... ارجوك اتركني ؛ لم يفعلوا شيئا ... هم يحبونني .

كرار (ضارباً اياي): بل فعلوا السيئات وكانوا يجبرونك على النقاب ويضربونك ويعذبوك ويطلبوا منكِ الزواج بمن لا تريدين !

صمتُ في دهشه واستغراب ثم اردفت باكيةً قائله : لا والله لم يفعلوا !

سجاد يضربني ثم يقول : بل فعلوا !!

واستمر الحديث والضرب حتى فهمت إنهم يردونني أن اكذب ؛ وقلت في قلة حيله واستسلام : حسناً فعلوا !

سجاد (ضاحكاً وقد برزت اسنانه الصفراء): ونحن انقذناك منهم !

كرار : من انقذكِ ؟

سكتُ فلا اعرف ماذا انطق ...

لف عبد الزهره يدي خلف ظهري بإلتواء مؤلم وقال : من انقذكِ .. تحدثي !

حياة : انتم ... انتم... انتم.!

سجاد : من نحنُ؟

بدأتُ اختنق من شدة البكاء فعلياً وابكي لعدم علمي من هم ولعدم معرفتي ما افعل ولكني كنتُ اعلم انني اكذب ؛ ولم يكن بيدي حيله للصدق فقد تمكن الخوف مني ؛ انا ابنة العشر سنوات ؛ لم يضربني احد مثل هذا الضرب من قبل ولم اعتد على رؤية هذه الوجوه الموحشه ....

عبد الزهره : نحنُ عصائب اهل الحق !!

صُعقتُ لما سمعتُ هذا الشيء الغريب الذي لم يكن له نصيب من اسمه بتاتا ؛ فأين الحق واين هؤلاء !!
باعد الله بينهم وبينه كما باعد بين السماء والارض والمشرق والمغرب !

ثم اعاد عبد الزهره عليَّ السؤال : من انقذك ؟

حياة (بخوف وارتجاف): انتم ؛ عصائب اهل الحق !

كرار (ضاحكاً ومهددا بالسلاح ): سأقتلكم جميعا ؛ إن علِم احد بغير ما اخبرناكِ توا !!

سجاد : ستجلسي بالسياره وسندخل بغداد ؛ ولن تجيبي وسائل الإعلام بغير ما احفظناك .

عبد الزهره: فهمتي؟

حياة : فهمت !

سجاد (موجها كلامه لفرح اختي): فهمتي انتِ الاخرى ؟

فرح : نعم .. نعم ... !

عبد الزهره : ابن من هذا الطفل ؟ وهل التي قتلها قناص داعش بالفلوجه امه ؟

حياة (وقد ذكرتُ دنيا فزاد المي): هذا ابن اخي ومن استشهدتْ على يديكَ ؛ امهُ

ضربني كرار وكانت ضربته هذه المره مؤلمه وشديده حتى شعرتُ بدوار في رأسي قائلا : استشهدت وقد قتلها قناص داعشي !

لم استطع ان ارد فيبدو إنني قد أُغشي عليَّ وعندما صحوت ...

وجدتُ نفسي في (مستشفى الشيخ زايد للطوارئ) الواقع في بغداد ...

د.عائشه : حبيبتي حياة انتِ بخير معنا ؛ لقد تم انقاذك يا بُنيتي !
لقد نمتي لمدة يوم كامل ؛ واختك وابن اخيك بمأمن عن داعش ؛ وهم في منزل السيد عبد الزهره الذي انقذكم وستذهبين اليهم بعد ما تتحسن صحتك وستعيشين بأمان وطمأنينه وتنسين كل ما لاقيتيه من عذاب في ظل داعش !

اغمضتُ عيني كي لا تفيض بالدمع ؛ فأمطرتْ دموعاً خُيِلَّ الي إنها من صهارة الباركين ؛ ولم يهزني ضياعي فحسب وإنما هزني إن اهل سنة بغداد لا يعلمون اي شيء عما يحدث هناك !!
وكان لساني مربوطا فأختي وابن اخي عند السفاح ولن استطيع الكلام !
كم كانت ليله طويله ؛ كم وددت لو كانت حلما ؛ وددتُ لو اصحو فأجد نفسي في الفلوجه !
ومن النظره الاولى لمستشفى بغداد تجمعت عندي صور كثيره ؛ فتلك تمشي متبرجه وذاك يدخن سجائر ؛ وحين اذن المؤذن تفوه بجُملٍ لم افهمها قائلا ( عليٌ وليَّ الله ... وابناءهُ المعصومينَ حُجج الله ) !

كان اذانهم لا يشبه اذاننا وكأن لديهم نبي جديد فمن يقصدون بأبناء علي المعصومين ؟
لم يتحرك احد حين اذن المؤذن من الاساس ؛ وقد كان اذان الظهر.

وحياتهم لا تشبه حياتنا فكيف لا تخجل هذه النسوه من الخروج بزينتها ! وكيف يُدخن الرجال هكذا بلا ان يحاسبهم احد !

اخبرتني الطبيبه إنني نمتُ ليومٍ كامل هذا يعني إنني الان ١١ عاماً الا يومين !

ويبدو إن هذا اليوم في اوله ؛ وسأفهم اكثر عن هؤلاء القوم فيه !

كل ما افكر به الان هو اختي وابن اخي !

وايضاً السؤال الجوهري (ماذا يريدون منا وماذا تحتوي حقيبة اياد ؟!)

.
.
.
يتبع

ما بَعْدَ القَصفْحيث تعيش القصص. اكتشف الآن