١١ سنه إلا ٣ ايام

63 2 1
                                    

الساعه ٢ بعد منتصف الليل

كنتُ أصلي الوتر وقد اعتاد مسمعي على صوت ازيز الرصاص والقصف والانفجارات ؛ فما عاد ذلك يشغل لي بالاً .

اكملتُ الصلاة واتجهتُ لقراءة القرآن بينما سمعت  ...

اياد قائلا لدنيا : احزمي الاموال والذهب بسرعه!

دُنيا: ماذا يحدث ؟ ... لماذا؟

اياد: نفذي ما اقول ... سنتجه الى بغداد !

دنيا : لن اترك الفلوجه !

ثار اياد غاضبا وهجم على اخته ليضربها : ما اقوله سيُنفذ غصب عنكِ وعن الدواعش الانجاس !

بهتت دنيا وبقت في ذهول ؛ فكيف يقول اخيها ذلك ! وكيف يتجرء على الحديث عن المجاهدين بهذه الطريقه ...

ثم اردفت قائله : والله سأخبر ( عمر ) بما قلتَ !

اياد (ضاحكا) : لا عمر ولا غيره لن تعود داعش وستنتهي ؛ والان سنذهب الى بغداد وسأحصد ما صنعت ... تحركي بسرعه..

دنيا: انا لن اتحرك يا اياد ؛ ولن ابرح هذه الارض الا وانا جثه...

اياد (ضاربا دنيا): ستتحركين وبسرعه ؛ وسنأخذ حياة وفرح لاكمل ما بدأت منذ ان سيطر هذا التنظيم الارهابي والى الان!

دنيا (ببكاء شديد) : سأقتلك والله ان آذيت اخوات زوجي ...

لقد سمع الله تحاورهما ؛ ان الله سميع عليم ؛ وقد ضاقت الارض بما رحبت على دنيا إما انا التي اسماني اهلي حياة ؛ فما عاد لي حياة ان رحلت عن ارض الدوله ؛ وانا في دهشتي وحيرتي وتعجبي من امر اياد رفعتُ يدي الى السماء وشكوت لله ما حدث ؛ ثم ركضت نحو اختي لاحتضنها وكأنني اتخذتُ دورَ امي في حياتها ؛ واصبحت ابنتي التي تصغرني بثلاث سنوات ... ثم دخل علينا اياد بعد ان ضرب دنيا واقفل باب غرفتها عليها !

اياد : سنذهب الى بغداد وإن قلتنَّ انكن تحببن الارهاب فلن يعود لكنَّ انفاس !

حياة (ببكاء): كيف اصبحت هكذا !؟؛ ارجعني الى اخوتي !

اياد: انسي ان لكِ اخوه ... وهيا تحركنَّ امامي!

حياة: وانا لن اتحرك من الفلوجه !

اياد (يُخرج مسدسه من حزامه) : سأقتل اختك واقتل ابن اخيك ان لم تتحركنَّ انتِ ودنيا !!

خرجنا من البيت جميعاً الا الحاج احمد الذي لم يتدخل مطلقا ولا اعلم لماذا بقى ؛ ولا ادري ماذا سينتظرنا في بغداد ؛ التي وددتُ لو دخلوها اخوتي فاتحين .

كان الوضع في الفلوجه حرب داميه مشتعله ملتهبه ؛ وكان الحصار يبدأ بالفتك بالناس ولكن ظل المجاهدون يُغذون العوائل على حساب غذائهم ؛ ويسقون النساء والاطفال على حساب عطشهم ؛ وظلوا كالبلسم على المسلمين وكالنار على المرتدين والكفار ؛ وابتدأت الخيانات تظهر والمنافقون يرمون المسلمين بألسنةٍ حداد اشحه بالخير ؛ علمتُ حينها ان الثبات من اعز النعم وان الجنه غاليه وتذكرت قوله تعالى ( أَحَسِبَ النَّاسُ أَن يُتْرَكُوا أَن يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لَا يُفْتَنُونَ ) ؛ وعرفت ان اياد وامثاله ربما كانوا قبل ذلك مسلمين ولكن غرتهم الحياة الدنيا ؛ ولم يستطيعوا الصبر امام الابتلاء ؛ او ربما اعدوا العده لهذا اليوم وتعاونوا مع العدو منذ البدايه وكانت السنتهم ورصاصاتهم الجبانه ضد المسلم ومع الكافر فجاء على خاطري قوله عز وجل ( أَشِحَّةً عَلَيْكُمْ ۖ فَإِذَا جَاءَ الْخَوْفُ رَأَيْتَهُمْ يَنظُرُونَ إِلَيْكَ تَدُورُ أَعْيُنُهُمْ كَالَّذِي يُغْشَىٰ عَلَيْهِ مِنَ الْمَوْتِ ۖ فَإِذَا ذَهَبَ الْخَوْفُ سَلَقُوكُم بِأَلْسِنَةٍ حِدَادٍ أَشِحَّةً عَلَى الْخَيْرِ ۚ أُولَٰئِكَ لَمْ يُؤْمِنُوا فَأَحْبَطَ اللَّهُ أَعْمَالَهُمْ ۚ وَكَانَ ذَٰلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرًا ).....

اتجهنا جنوبا في ظلام الليل والحرب مشتعله وكأنها لحظات ينوي التأريخ ان يسجلها بحذافيرها فكانت المشاهد امامي سريعه ومفهومه :

بيتٌ كان آمناً فَقُصِف !

جثة طفل تعثر في سيره وتأخر عن حضن امه!

جثث رجال اشداء يبرق النصر في اعينهم ؛ مُستَهدفون غدرا وخيانه !

جثة امرأه يبدو انها استشهدت وقد لفت نفسها بعبائتها حرصاً على حجابها حتى حين الموت!

مأذنه شامخه صادحه ب الله اكبر ؛ فأستهدفوها ظلما وطغيانا ؛ وحتى وان انهارت المأذنه وقُصِفت؛ فستبقى الله اكبر صادحه في كل ارجاء الكون ؛ وعلمتُ حينها ان الحرب لم ولن تتغير ؛ ( قَدْ كَانَ لَكُمْ آيَةٌ فِي فِئَتَيْنِ الْتَقَتَا ۖ فِئَةٌ تُقَاتِلُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَأُخْرَىٰ كَافِرَةٌ يَرَوْنَهُم مِّثْلَيْهِمْ رَأْيَ الْعَيْنِ ۚ وَاللَّهُ يُؤَيِّدُ بِنَصْرِهِ مَن يَشَاءُ ۗ إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَعِبْرَةً لِّأُولِي الْأَبْصَارِ ) وتبقى هذه الحرب ما دامت السماوات والارض وعرفتُ تفسير قوله تعالى عياناً (وَلَوْلَا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُم بِبَعْضٍ لَّفَسَدَتِ الْأَرْضُ وَلَٰكِنَّ اللَّهَ ذُو فَضْلٍ عَلَى الْعَالَمِينَ )....

وصلنا الى المكان الذي تقف به سياره سوداء ( ٧ راكب) بعد ساعتين من المشي في ظلام الليل والالتصاق بالحائط وكان اياد يسير خلفنا وينبهنا بين تاره واخرى انه يحمل سلاحا وسيقتل فرح او الرضيع إن تكلمت دنيا او انا؛ وكان في السياره ٣ رجال او بمعنى اصح (ذكور) .

وعندما صارت السياره على بعد خطوات ؛ قالت دنيا لاياد : لن اذهب مع هؤلاء ...

اياد : والله سأقتل ابن عمر ان لم تتحركي !

دنيا : إن مقتل ابنه اهون عليه من ضياع دين زوجته فأقتلني واقتل ابني ان شئت ...

اياد: تحركي ولا تضطريني الى فعل ما لا اريد فعله !

دنيا : لن اذهب ..

نزل احد الذكور من السياره (اسمه عبدالزهره) قائلا بلهجته التي تبدو من جنوب العراق : اياد .... لديك دقيقتين للتحرك فالدواعش في كل مكان وهذا الشارع خطير !

عندها همتْ دنيا بالصياح لتُعلم احد الاخوه بوجود  هؤلاء ولكن رصاصة عبد الزهره كانت اسرع ؛ وتكتم صوتها نهائيا ... وكان ابنها بين يديها في موقف تعجز حروفنا عن ذكره ؛ بهت اياد ولكن لا مجال للذهول او التراجع فقد باع الدين والارض وباع نفسه للشيطان واصبح لا شيء ؛ حتى انه لم يستطع ان يودع اخته التي شاركته ايام طفوله وشباب ؛ والتي كانت تملئ البيت بهجه ؛ لم يستطع ان يفعل اي شيء غير ان يكون الخادم المطيع للرافضي ...

بكيتُ وسحبت ابن اخي بحركه لا اراديه ؛ الذي كان يبكي وكأنها يعقل ما حدث ؛ فَهَمَّ الرافضي بقتله لو لا ان اسكته بسرعه بوضع اصبعي في فمه لعل السكوت اليوم يمهله للثأر غدا ...

وجرنا اياد بسرعه نحو السياره وانطلقت السياره جنوبا نحو بغداد ؛ وحدث ما لم يحدث اثناء هذه الطريق !

يتبع .....

ما بَعْدَ القَصفْحيث تعيش القصص. اكتشف الآن