البرئ والجلاد ( ون شوت )

355 19 41
                                    

" بارك الله فيك يا حج مالك "
جملة سمعها كثيرًا ولايزال يسمعها لدرجة الملل ، في كل مرة يقوم بذبح قرابين من أجل التقرب لربه ظاهريًا ثم يوزع لحومها على الحشود الذين تحلقوا حوله ما إن سمعوا كلمة " مجانًا " ..
لا يعلمون ما يوجد خلف وجهه السمح وابتسامته المزيفة ، يكره الوقوف وسط من هم أقل منه لكن عمله يجبره على هذا ، يجب ان يحبه الناس ، يجب ان يشهدوا على عطفه وعطاياه الكثيرة لهم ..
" وزع ما تبقى على دار الأيتام يا يوسف "
ثانية حتى جائه الرد
" حاضر يا حج "
تملص من بينهم فقط وصل به الأشمئزاز لأقصى الحدود ويريد ان يرجع لقصره الفخم ، أمر السائق بعدما صعد للسيارة بالعودة للقصر ، يريد العودة بسرعة لقصره فقد اختنق من الجلباب الأبيض الذي يعيق حركته ومن السبحة التي يمسكها طوال الوقت .

غير ملابسه بسرعة لكن ما هي إلا دقائق حتى جائه خادمه وقال
" الحج متولي والحج جعفر قد وصلوا يا حج "
تبدلت ملامحه الهادئة إلى إبتسامة اقرب لوجوه الشياطين وقال بعدما نهض
" جهز الحجر المعسل والشيشة "
خرج الخادم لينفذ الأوامر بينما تمشى مالك في غرفته الواسعة وما هي إلا دقائق حتى خرج من الغرفة وفي جيبه كيسٌا أبيض .

نزل للدور السفلي حيث يجلس رجُلان احدهما اصلع ومرتديان جلباب واسع بني اللون ، جلسوا في حلقة وقد استقرت طاولة عليها الحجر المعسل و الشيشة ..
بعد كل الأحاديث التي لا تنفع قال مالك بعدما اخرج الكيس الأبيض
" جربا هذا النوع الجديد ، صنف درجة أولى "
أعطى كل منهما القليل حتى يجربوه وفعلا نال اعجابهما فقال الأصلع
" سَيُباع بسرعة البرق في السوق السوداء "
ابتسم مالك بتكبر فهذا يعني أنه سحصل على الكثير من الأموال في وقت قصير .

أما في الأحياء الشعبية ، تجمع الرجال في مقهى يتحدثون عن خير مالك فقال احدهم
" سمعت أنه حج البيت الحرام سبعة مرات و العمرة عشرين مرة "
عارضه البعض بينما يؤيده البعض الآخر ، لكن رجل يبدوا عليه الأختلاف عنهم قال
" من يحج لا يقول انه فعل وإلا هكذا يكون تكبر وغرور ، مثلًا عندما يصلي احدهم في منزله هل يقول للجميع أنه صلى في منزله ؟ "
رد عليه رجل بعدما اخذ نفس طويل من سيجارته
" يا محمد إن الحج مالك لديه أموال كثيرة جدًا وبأمكانه شراء جزيرة له بمفرده لكن هل فعل ؟ لا لم يفعل ذلك "
فقال له محمد
" لا أحد غني سوى الله ، ثم كيف حصل على تلك الأموال ؟ هذا ما لم نعلمه حتى الآن "
فقال له رجل آخر بضحك
" وهل هذا مهم ؟ الأهم هو انه يعطينا كل ما لذ وطاب أليس كذلك يا شباب ؟"
ضحك الجميع بينما ظل محمد يفكر بتعجب من تفكيرهم المحدود فكيف لهم ان يحبوا شخص لا يعرفونه حتى ولا يعرفون إذا كانت امواله حلال أم لا ..
نهض عائدًا لمنزله بعدما سأم من عرضهم للسجائر عليه فمن هو ليحطم رئتيه بنفسه ؟
طرق الباب الخشبي ففتحت له زوجته ، ردد السلام بعدما دخل لتستقبله أنامل صغيرة ما إن سمعت صوته فقال بأبتسامة
"كيف حال رغدتي الصغيرة ؟"
ردت عليه الطفلة بلغة غير مفهومة فضحك ، قالت له زوجته بعدما اغتسل وجلس بجانبها
" ماذا حدث في المقهى لترجع مبكرًا ؟"
رد عليها وهو يلاعب الطفلة الجالسة في حضن والدتها
" من قال أنه عالم فأنه جاهل ، ولو تحدثت مع جاهل لغلبني ولو تحدثت مع عالم لغلبته "
ابتسمت بتفهم فهذه ليست المرة الأولى التي يختلف تفكيره عنهم .

كتاب عادات دفنها الزمن حيث تعيش القصص. اكتشف الآن