كَفتات الخبز

41 10 5
                                    

استطاع شراء كل ما يحلم به .. إلا قلبها الذي اتخذه اسيرًا فأستسم من رقة النظرات .

****************************
ليس كل ما يلمع ذهبًا .

****************************

من سيارته الفارهة ألقى نظرات كسولة على المارين بالجوار ، كَحال كل يومٍ مملٍ بالنسبة له فماذا سيفعل وكل أوامره مُجابة ؟ يتجاهل المتسولين بدون شفقة وكأنهم لا شيء ..
غادر المنطقة فقد مَل من المراقبة واتجه للمكان الوحيد الذي يتجمع فيه من يدعوهم بأصدقائه .

" عادل نحن هنا "
سمع صوت صديقه فالتفت له بأبتسامة وجلس بجانبهم ، يسمعهم تارة ويتحدث تارة أخرى وفي كلتا الحالتين حديثهم لا ينفع ، يتحدثون عن الغير متجاهلين ذنب  " النميمة " وانهم هكذا كَمن يأكل لحم اخيه .

يوم جديد ونفس الروتين لا يتغير ، لكن اثناء مراقبته المارين لمح فتاة تمشي بتعجل وبيدها حقيبة كبيرة يبدوا عليها الثقل ، تتبعها بعينيه حتى اختفت بين الحشود فَتسائل عن سبب استعجالها فتعجب من سؤاله بسؤال آخر ..
لماذا يهتم ؟ ما شئنه بها ؟
غادر بسيارته المكان لكنه ظل يعود مجددًا كل يوم لذلك المكان تحديدًا فقط ليراها ،ستة أشهر كانت كافية ليعلم أنها تأتي كل يوم بنفس الملابس وأنها تعمل في مكتب البريد ، زادت التساؤلات يومًا بعد يوم حتى هو لا يعلم كيف يستطيع ان يميزها بين كل هؤلاء البشر ؟
كيف له ان يتغير من الداخل بسبب عيناها ؟ بل كيف يشعر بتلك السعادة الغريبة كلما بدأ يومه برؤيتها ؟
يتجاهل نداء اصدقائه ليراقبها تسير بسرعة كَحال كل يوم لها ..
يشعر بغضبٍ عارم كلما وبخها مديرها بسبب تأخرها لكنه في كل مرة يتراجع بخوف فيغادر المكان بيأسٍ وهو لا يعلم إذا كان بأمكانه اخبارها بما يفعله أم لا ، وهو من تتساقط عليه الفتيات كَفُتات الخبز كيف له ان يخاف من فتاة واحدة ؟ تشجع بغرور وقد تذكر كل مدح تلقاه من أقربائه واصدقائه فمشى بكبرياء الطاووس بعدما ارتدى افخم الملابس واحدث السيارات وقرر التقدم لها في منزلها .

" انظروا .. من هذا ؟ "
ارتفعت اصوات من حوله فأزداد غرورًا ، صعد السلم بدرجاته المكسورة وبيديه باقة زهور جميلة ، طرق الباب ففتحت هي بأبتسامة تلاشت ما إن رأته ثم اقفلت الباب بسرعة ، تعجب هو وكاد أن يطرق مرة أخرى لكنها فتحت مجددًا وقد تزين رأسها بحجاب اسود وقالت
" كيف اساعدك ؟ "
رتب الكلمات في رأسه ثم قال
" اتيت لأطلب يد فتاة تعيش هنا "
ظهرت عقدة بين حاجبيها فقالت
" لكن .. لا يوجد فتاة أخرى هنا سواي ، لقد أخطأت في العنوان يا سيد "
رد عليها سريعًا
" لا لا انا لم اخطئ ، انتِ هي تلك الفتاة "
صُدمت فتوترت ، طلب الدخول فرفضت قائلة
" لا يمكنك الدخول فأنا وحدي "
لم يرد عليها لأنه لا يعلم اين الخطأ فنظر لها بتساؤل ففهمت وقالت موضحة 
" لأنني فتاة وانت رجل غريب "
زادت حيرته فقال لها بأستغراب
" وأين الخطأ في ان يجلس رجل وفتاة وحدهما ؟"
ردت بعفوية
" لا يمكن لأنها من عادات الإسلام ، ألا تعلم ذلك ؟ "
قبل ان يرد سمعا احدًا يقول من خلفه
" منة .. من هذا ؟" 
قالت منة بأبتسامة للمرأة التي ظهرت
" إنه .. شخص يريد التعلم يا امي ، هاتِ عنكِ "
حملت ما جلبته والدتها للداخل بدون ان ترد على تساؤلاتها الواضحة على ملامحها لكنها همست لها قائلة
" سأخبركِ بكل شيء لاحقًا يا امي صدقيني "
ارتاحت معالم الأم وقالت
" اصدقك "
عادت منه لعادل الذي لايزال ينتظرها وقالت
" إن كنت تريد تعلم العادات فتعالى غدًا للساحة العامة عند الظهيرة .. أهذه لي ؟"
سألت عندما رأت الزهور فأعطاها له وغادر بدون أي كلمة .

" آسف لا استطيع البقاء اكثر ،وداعًا يا رفاق "
قالها عادل بأستعجال فأوقفه أحد اصدقائه قائلًا
" عادل هل انت بخير ؟ لم تعد تمضي الوقت معنا كما في السابق ، حتى أنك لم تعد تسهر معنا .. ماذا يحدث ؟"
توتر عادل قليلًا لكنه اختار الصراحة فقال
" انا ذاهب للتعلم "
قالت فتاة بسخرية
" تعلم ؟ ومنذ متى وانت تهتم بهذه الأشياء السخيفة ؟"
اُحرج عادل عندما ضحك الجميع ، فخرج مبتعدًا واتجه للمكان الذي اخبرته عنه ، وعلى عكس ما تعود عليه وجد ان المكان مزدحم ولا يمكنه المرور بسيارته فأضطر للمشي بينهم محاولًا البحث عنها ..
وعندما اصابه اليأس سمع صوتها
" عم من تبحث ؟ لقد تعبت من المشي"
فقال لها بتعجب
" لماذا لم تقولي انكِ خلفي؟ انا ابحث عنكِ "
رآها تمسك بيد طفلة في عمر الثامنة وقبل ان يسأل قالت
" لقد ندهت عليك اكثر من خمس مرات لكنك لم تسمعني وانا لا يمكنني أن لمسك لأنك غريب .. وهذه اختي الصغرى ندى "
جلسوا على طاولة في مقهى وبعدما قال لها كل شيء ،قالت بحماس
" إذًا لنبدأ أول درس وهو العادات والتقاليد المنسية في العالم الأسلامي "
عدل جلسته ثم نظر لها منتظرًا ان تكمل لكنها سرعان ما انزلت عينيها بعيدًا عنه وقالت
" غض بصرك عن النساء يا عادل ، كنت سأغضب منك لأنك كنت تراقبني لكنك لم تكن تعلم .. انا لا اخبرك بهذا لأنك ترتدي هذا ومعك ذاك بل لأني رأيت فيك ما لم أراه في أحد .. ذلك التعطش للمعرفة حتى وإن كان صغيرًا كَحبة الأرز فهو سبب كافي لأنمي ما بداخلك "
ابتسم لكنه سرعان ما انزل عيناه بسرعة فأكملت
" ليس من الآئق ان تلمس الفتاة رجلًا غريب او ان تمعن النظر فيه فهو محرم عليها "
هز رأسه بأستماع فأكملت
" الجمال ليس كل شيء ، فهناك الكثير من الفتيات على مواقع التواصل الاجتماعي لكنهم فارغون من الداخل ومحدودي الذكاء إن نصحت احدهم قالوا أنك تغار منها ، ومن الصفات المكروهة الأنانية والتكبر وهناك آيات تثبت ذلك "
لم تنتهي مقابلاتهم بل اصبحت منتظمة ، كل يوم أحد تعطيه درسًا جديدًا فيتعلم ما عجزت عائلته عن تعليمه ..
كلما عرف شيئًا تسائل أليس من المفترض ان تعلمه والدته هذه الأشياء ؟
وحين حدثته عن فضل الوالدين ،شعر بنغزة مؤلمة في صدره ..
عن اي والدين تتحدث ؟!
الأم التي لا تعلم حتى أين زوجها أم الأب الذي يتغيب لأشهر ؟
أم اخته التي تنام في الصباح وتسهر مع اصدقائها في المساء ؟
عائلته رغم كل ما يملكوه إلا انهم مفككون لقطع متناثرة .

مرت الأيام وحبه لها يزداد ، حتى حدثت المعجزة و طلبت قدومه سريعًا لمنزلها ..
سعادة لا توصف وقد ظن انها هكذا توافق على طلبه ليدها ، تتراقص الفرحة داخل عينيه فها هو حلمه يتحقق بعد عناء طويل ..
طرق الباب كَدقات قلبه المتسارعة ففتحت الأم قائلة بأبتسامة
" تفضل يا استاذ عادل "
دخل فرآها جالسة بجانب رجل لا يعرفه ، لكنه ظن أنه اخاها فقال
" السلام عليكم "
ردت السلام بأبتسامة كبيرة وقالت بعدما جلس بالمقعد المقابل لها
" عادل انا انتظر هذه اللحظة من فترة كبيرة "
زادت ابتسامته فقالت
" اعرفك على خالد زوجي "
تلاشت ابتسامته فجأة وتوقفت الأصوات واختفى الضوء ، ردد كلمة " زوجك " فهزت رأسها بنعم ، نهض سريعًا لكن عندما وصل للباب سمعها تقول
" هذا هو الدرس الأخير ، لا أحد كامل لا أحد مثالي حتى لو وثقت به "
فقال لها بدون ان يلتفت
" ماذا فعلت لكِ حتى تعلقيني بأمل زائف ؟ ماذا فعلت ؟"
ردت عليه قائلة
أيتك مرة وانت تتجاوز امرأة تطلب المساعدة وها انت بحاجة للمساعدة فمن سيساعدك ؟ الآن فقط غفرت لك  " 

****************************

اعلم انكم كنتم في انتظار قصة افضل من هذه لكن اعذروني فالوقت لا يسعفني .

كتاب عادات دفنها الزمن حيث تعيش القصص. اكتشف الآن