٣- خيبة

37 4 0
                                    



سار روكاي في ممرات القصر الملكي في وقتٍ متأخرٍ من هذه الليلة، يجذبه الحارسان دون ترفق.. تثاقلت خطواته وهو يسير ملاحظاً جمعاً من الناس في جوانب الممر يحدقون به.. الخدم، والوصيفات، وحرس الملك.. بعضاً من معاوني الوزير، وعدداً من قادة الجيش.. الكل يحدق به بنظرات اتهام.. وكأنه مذنبٌ بالفعل دون محاكمة.. المعاملة المهينة التي لم يتوقع قط أن يعامل بها جعلت مشاعره أسوأ، وملأت نفسه بمرارةٍ لا يكاد يطيقها..

في سيره البطيء نحو قاعة العرش، دارت الأفكار في ذهنه دون توقف.. وقر في ذهنه أن مرتكب هذه الجريمة لابد أن يكون العراف.. ليس هناك في القصر من هو أكثر خسّةً منه، ومن لا يتورع عن ارتكاب كل ما لا يخطر على بالٍ لتنفيذ مآربه.. إذن، لابد أنه سعى للخلاص من ساب وإلصاق التهمة به للخلاص منه ولإبعاد الشبهات عنه هو.. لكن ما الهدف الذي يسعى إليه بقتل ساب نفسه؟.. مما لاحظه أن العلاقة بين الاثنين وثيقةٌ نوعاً ما، فما الذي جرى بينهما وأدى لهذه النتيجة؟..

فور أن دخل قاعة العرش، بحثت عينا روكاي عن العراف والغضب يحتشد في صدره، والأسئلة لا يكفّ أزيزها في رأسه.. لكن لما وقعت عيناه عليه، غمرته الدهشة وتلاشت قناعاته في لحظةٍ واحدة.. فقد كان العراف يقف جانباً، شاحباً، مضطرباً، مصدوماً أكثر من الآخرين.. بدا مزعزع الثقة وهو يحدق بالآخرين زائغ النظرات.. لم يكن هذا وجه من ارتكب تلك الجريمة.. وروكاي واثقٌ من قدرته على معرفة صدق الآخرين من وجوههم.. والعراف لم يكن يوماً غامضاً بالنسبة له بل كان ككتابٍ مفتوح، بكل دهائه وخبثه وخسّة طبعه..

إذن.. لو لم يكن العراف من قام بهذه الجريمة، فمن يكون؟.. دار ببصره في الآخرين بحثاً عن الفاعل.. بدأت ثقته تتهاوى وهو لا يرى في الوجوه أمامه وجه المجرم.. كان واثقاً أنه سيعرفه لو رآه، سيعرفه من نظرة عينيه أو تصرفاته أو صوته.. لكنه لم يتمكن من ذلك حتى الآن.. بدت له ملامح الحضور في القاعة مبهمة، بلا تعابير واضحة يمكنه قراءتها.. بدأت أنفاسه تتثاقل مع هذا التطور، وبدأ العرق يتفصد على جبينه.. إنه غارقٌ في هذه التهمة لا محالة.......

بدت ملامحه الشاحبة كملامح رجلٍ يقرّ بذنبه بالفعل.. وهذا ما رآه الملك في وجه روكاي وهو يصيح به "أنت.... أجرؤت على المساس بابني غيلةً وغدراً؟.."

بدا وجه الملك محتقناً بشدة، وغضبه عارماً وهو لا يكاد يقدر على الجلوس على عرشه.. أجبر الحرس روكاي على الركوع أرضاً على ركبتيه، بينما تقدم آردوس ليقف أقرب للعرش قائلاً "هدئ من غضبك يا مولاي، فلا نريد أن يصيبك ضررٌ مع هذا الانفعال.. ولنفكر بالحقائق أمامنا.. لا يمكن لروكاي أن يرتكب مثل هذا الجرم دون سببٍ مقنع.."

صاح الملك "وكيف لي أن أهدأ بعد أن قتل ابني غدراً؟.. كيف أهدأ وقد تركته حراً طليقاً رغم شكي به ومما قد يبدر منه؟.."

الغدر في عينيكحيث تعيش القصص. اكتشف الآن