٥- نسيان

32 5 0
                                    



وقف آردوس أمام روكاي الذي كان حبيس زنزانته، يرمقه عابساً بينما ظل روكاي جالساً على السرير القاسي في الزنزانة مطرقاً أرضاً بوجوم.. تقدم آردوس خطوتان قائلاً بضيق "ها قد عدت لما فررتَ منه.. أما كان يجدر بك إطاعة ما طلبته منك؟.."

ظل روكاي على صمته ووجومه مدركاً عبثية أي أمرٍ يقوله.. فقال آردوس بحنق "لقد حذرتك من الفرار ورجوتك أن تبقى لتثبت أن تلك التهمة ظالمة.. لكنك رميت بنصيحتي عرض الحائط.. ولم يكن لهربك أي فائدة.."

وضرب الحائط الحجري بقبضته قائلاً بأسى "لو أنك لم تهرب، لما ثبتت التهمة عليك.. لطالما حذرتك.. لو كنا نملك دليلاً واحداً على برائتك، فلن يتخذ الملك قراراً ظالماً بشأنك.. لو أننا نملك دليلاً واحداً فقط......"

زفر أنفاساً حارةً وملامحه تظهر تعاسته لما آلت إليه الأمور.. لكن روكاي لم ينفعل هذه المرة.. نظر ليده، متذكراً أصابع يوري الضعيفة التي تمسكت به قبل أن تفقد وعيها، ثم قطع الصمت الذي خيّم عليهما قائلاً "ماذا لو أن هناك دليل؟.."

نظر له آردوس بدهشة، ثم تساءل منفعلاً "أتملك دليلاً على براءتك؟.. وما هو؟.. أخبرني به دون تأخير.."

استقام روكاي في جلوسه، وقال بحزم "لو كانت تهمتي بسبب رؤيا، ألن يقبل الملك براءتي بسبب رؤيا أخرى كذلك؟.."

علق آردوس بحيرة "ومن أين لنا برؤيا تبرئك؟.. هذا من أشد المستحيلات.. خاصةً أن محاكمتك لم يبقَ عليها إلا أيامٌ معدودة بعد انتهاء الحداد الذي يدوم سبعة أيام.."

ودار في الزنزانة مضيفاً "العراف لا يرى الرؤى في الأوقات التي يحتاجها، بل تأتي عشوائياً.. ولا أظنه سيكون بحماسٍ كبير لتبرئتك بأي صورة.."

نظر له روكاي بصمت دون أن يعلق على الأمر.. لم يكلف نفسه إيضاح حقيقة ادّعاء العراف بتلك الرؤى، وكون يوري هي صاحبة تلك الأحلام التي هي أقرب للنبوءات التي لا تخيب إلا فيما ندر.. في هذه اللحظة، شعر أن العالم كله يعاديه.. ما عاد موقناً من معه ومن ضده.. من يسعى لتبرئته ومن يتمنى ثبوت التهمة عليه.. ورغم أنه يثق بآردوس ثقةً مطلقة، لكنه في هذه اللحظة فضّل الاحتفاظ بكل ما عرفه من يوري لنفسه.. عليه أن يكون حذراً، فربما يتفوه آردوس بما يسمعه منه لشخصٍ يتمنى هلاكه..

كما أنه واثقٌ أن آردوس لو علم بهدفه الجديد، بالسعي لرؤية أم يوري، فهو سيحاول إثناءه عن هذا الأمر.. لذا التزم الصمت تاركاً لآردوس تأويل ما عناه.. زفر آردوس وهو يدور في الزنزانة مغمغماً "الملك مصرٌّ على إلصاق التهمة بك حتى لو لم يملك أدلةً كافيةً على ذلك.. فما الذي يمكننا فعله في هذه الحالة؟.."

رفع روكاي بصره إليه مجيباً "يمكنك أن تطلق سراحي، وتترك لي تقرير الوسيلة الملائمة لتبرئة نفسي.."

الغدر في عينيكحيث تعيش القصص. اكتشف الآن