سارت لآليا في جناحها المظلم إلا من مصباحٍ جانبي، ومرت بالنافذة التي تتوسطه تنظر للحديقة خارجاً بصمت.. استقرت في ششتال منذ بضعة أسابيع، ورغم محاولات رئيس هذه المدينة ونبلاؤها مقابلتها، لكن أوامر الملك الصارمة قد منعتهم من الاقتراب من قصرها.. ظلت في عزلةٍ تامة، لا تعرف أحداً إلا وصيفةً عجوز قبلت مرافقتها متخليةً عن عملها في هوماي.. لا تكاد تجد من يحادثها غيرها في هذا القصر رغم كثرة حرسه وخدمه.. وبعد أسبوعٍ من وصولها، وجدت عدة عرباتٍ تصل حاملةً كل ما تركته خلفها في قصر أبيها، مرسلةٌ من آردوس.. لكنها أصرّت على إعادتها كلها دون أن تلمس شيئاً منها..
إنها لا تريد شفقته.. ولا رعايته.. في الحقيقة لا تريد أن تذكره أو تتذكر أنها حملت له أي مشاعر سابقاً إلا الكره الذي تشعر به نحوه الآن..
نظرت للسماء السوداء بعينين خاليتين من أي انفعال.. لقد اعتادت عزلتها، رغم كرهها لها.. اعتادت الصمت، والهدوء الغريبين عليها من بعد هوماي.. ششتال مدينةٌ صغيرة، لا يكاد يمر بها زوارٌ من نبلاء هوماي، فهي تقع وسط صحراء قاسية، وطبيعتها الحارة أغلب أشهر السنة لا تجعلها مطمحاً لأي شخصٍ في المملكة.. لذا كانت دهشة سكان المدينة بوجودها بينهم كبيرة، ورغبتهم بالتواصل معها شديدة..
لكنها لم تعبأ بمحاولاتهم، ولم تحاول قط أن تخرج من القصر، بل وفي بعض الأحيان لا تكاد تغادر جناحها طوال النهار.. أهي تستعذب الشعور بأنها ضحية؟.. أم أنها مع عزلتها كرهت البشر وارتأت أن تبتعد عنهم ما استطاعت؟..
ومن يمكنه لومها بعد كل ما رأته، ومن أقرب الناس إليها؟..
تذكرت وداع آردوس لها قبل رحيلها.. لكم ودت لو أنها استطاعت أن تراه يلاقي الجزاء الذي يستحقه لما فعله.. لكن هذا مستحيلٌ مع الحماية التي يسبغها الملك عليه، وبعده سيصبح هو الملك وسيوطّد أواصر ملكه في القارة كاملةً دون أن يوجد من ينافسه على ذلك.. فكيف تكون هذه الحياة عادلة؟..
شعرت برغبةٍ عميقةٍ في كسر ثقته بنفسه.. في رؤية القلق في عينيه، والهمّ على ملامحه.. كانت رغبةً بغيضةً لم تعهدها في نفسها، لكنها لم تقاومها تلك اللحظة.. ولما رأته يقترب منها برفقة ابنه نيار، قبل صعودها العربة التي سترحل بها من هوماي، داعبت الطفل الصغير وقبلته للمرة الأخيرة، ثم رفعت بصرها لآردوس قائلة "أتمنى، يا شقيقي العزيز، أن ترزق بصبيٍ آخر.. أتمنى أن ترى يوماً البغض في عيني أحد ابنيك لشقيقه.. وأن تصارع نفسك بين حبك لابنيك، وبين رغبتك في الاقتصاص من الظالم بينهما.. عندها، تذكر ما جرى هذه الأيام.. وتذكر أنك رضيت لنفسك ما قد لا ترضاه لأبنائك.."
زالت الابتسامة من شفتي آردوس واكفهر وجهه وهو يقول "سيكون هذا انتقاماً طال انتظاره.. فهل سيسعدك رؤية ابني شقيقك يتصارعان؟.."
أنت تقرأ
الغدر في عينيك
Fantasy"أرى الغدر في عينيك" أقضّت هذه الجملة مضجع روكاي وأسهدته.. ما معناها؟.. ولمَ قيلت له هو بالذات؟.. ومن القائل؟ من الذي تسلل لأحلامه ليخبره بأمرٍ لا يراه هو في نفسه؟ أكان ذلك حلماً، أم كابوساً، أم مجرد رؤيا؟