١٠- صمت

26 3 0
                                    



مضت عشرة أيامٍ على يوري وهي حبيسة ذلك الجناح لا ترى إلا جدرانه الأربعة، وذلك الجانب من الحديقة عبر النافذة التي تغطيها الزخارف الحديدية فلا يمكن أن تفتحها أو حتى تهشمها بأي صورة.. أيامٌ طويلةٌ لم تشعر بمثل طولها قط في حياتها.. ورغم أنها لم ترَ أي رؤيا خلال تلك الأيام، لكن هذا لم يجعل الملك يحررها من سجنها أو يسمح لشخصٍ برؤيتها، إلا شخصاً واحداً تمنّت لو لم تره قط..

انتبهت من أفكارها على صوت من يسألها "ما بالك سارحة الذهن؟.. ألهذه الدرجة صحبتي تصيبك بالملل؟.."

لم تجرؤ على رفع بصرها أو إجابة السؤال وهي تخفض وجهها بصمت.. تنهد آردوس متعجباً وهو يرى الشحوب البالغ الذي يعتريها كلما حادثها، ثم سألها بلطف "ألهذه الدرجة أخيفك؟.. أنتِ لم تتفوهي بكلمة على الإطلاق.. لا اليوم ولا في أي يومٍ آخر.."

وما الذي يتوقع منها قوله وهي ترتعب من مجرد رؤيته؟.. وكأنها يمكن أن تنسى ما رأته منه تلك الليلة في مواجهته مع العراف..

لقد دأب الأمير على زيارتها عدة مراتٍ خلال الأيام الماضية.. وفي بعض الأحيان تجده يدخل جناحها بشكلٍ شبه يومي.. لا تدري سبب قدومه إليها.. أهو راغبٌ باستغلالها؟.. هل يريد منها أن تفصح عن أي رؤىً تراها؟.. للغرابة، فإنه لم يسألها عن ذلك قط.. يأتي فيجد المكان معدّاً ليتناول معها إفطاره، ويجلس مقابلها على تلك الطاولة فيحدثها عن أشياء كثيرة لا رابط لها.. ويوري مجبرةٌ على مسايرته إنما ملتزمةٌ بالصمت التام دون أن تجرؤ على قول كلمة..

إنه يعاملها برفقٍ تتوجس له.. كلما رأت ابتسامته، تذكرت وجهه الذي استحال شيطاناً مخيفاً في حلمها.. كلما سمعت ضحكته، تذكرت صراخ العراف المتألم تلك الليلة.. فكيف لها أن تطمئن له؟..

لكنه كان الشخص الوحيد الذي يدخل جناحها، بينما منعت لآليا من ذلك منعاً تاماً..

فما هدفه الحقيقي؟..

سمعته يقول لها بنبرةٍ مشجعة "لو أنكِ خرجتِ عن صمتك هذا، وتفاعلتِ معي دون ذعرٍ كالعادة، فيمكنني أن أخرجك من هذا الجناح.."

رفعت بصرها إليه بشيءٍ من التردد يخالط اللهفة في أعماقها.. وسألته بارتباك "هل ستعيدني لعائلتي؟.."

أجاب بمرح "بل أفضل من ذلك.. سنقضي أوقاتاً ممتعةً معاً بعيداً عن هذه الجدران الأربعة.. يمكنني أن أعلمك ركوب الخيل.. بذا يمكن أن نخرج معاً في رحلاتٍ خارج هوماي.. الجو بديعٌ هذا الوقت من السنة، وهو أفضل وقتٍ............."

تلاشى صوته وهي تعود لتنغلق على نفسها لا تكاد تسمع ما يقوله.. إذن لن يطلق سراحها.. حتى لو طلبت منه ذلك، فهو كالملك لا ينوي إطلاقها.. لكن، لو أنها وافقته وخرجت معه خارج هوماي، سيكون الهرب أسهل عليها بتلك الصورة.. أليس هذا أفضل حلٍ أمامها الآن؟..

الغدر في عينيكحيث تعيش القصص. اكتشف الآن