جلس روكاي في جانبٍ من صالة ذلك المنزل الصغير، يتأمل المكان الذي تفوح منه رائحة البساطة التي يمكن أن يعتبرها النبلاء وضاعةً وفقراً.. عاد ببصره للمرأة التي جلست على مبعدة تبكي دون انقطاع، بينما وقف زوجها يربت على كتفها قائلاً بإشفاق "كفاكِ بكاءً يا سيماج.. أنتِ تبكين بحرقة كما بكيتِ عندما ظننّا أن يوري قد ماتت بالفعل.."
قالت سيماج بصوتٍ باكٍ "لقد رأيتها في أحلامي يا كورر.. رأيتها مراراً.. كانت تبكي.. تتوسل إليّ لتعود.. لكني ظننت أن تلك الأحلام مجرد هواجس في عقلي تهيئ لي أنها لا تزال حية.. عقلي الذي يتمنى عودتها يعبث بأحلامي بتلك الصورة.. ولم أفطن قط أنها رؤىً حقيقية.. وأنها تخبرني أن ابنتي حيةٌ تستنجد بي.."
وانهمرت دموعها بغزارة وهي تهمس "يا لي من حمقاء!.. لقد تخلّيت عنها سنين طويلة.."
قال كورر بإصرار "لا، لم تتخليْ عنها.. ما أدرانا أن ذلك المخادع قد حاك خدعةً لاختطافها، وأنه المتسبب بذلك الحريق؟.. كفي عن لوم نفسك لما جرى.."
ظل روكاي جالساً في جانب المنزل صامتاً بانتظار أن تهدأ سيماج ليتمكن من الحديث معها، عندما رأى نوري تقف أمامه بنظراتٍ غاضبة، ودمدمت بحنق "انظر ما الذي فعلته.. أمي تكاد تموت كمداً بسببك.."
تساءل "ألستِ سعيدةً أن شقيقتك لا تزال حية؟.."
قالت بحدة "بالطبع سعيدة.. لكن أكان يجب أن تخبر أمي بكل ما جرى ليوري في السنوات الماضية؟.. لقد تسببت بتعاستها، وهي من المفترض أن تكون سعيدةً هذا اليوم لنجاة يوري.."
قال بحزم "ولمَ الكذب؟.. هذا سيجعلها أكثر راحةً بالتأكيد، لكنه سيطمس التعاسة التي عاشتها يوري في السنوات الماضية.. يوري عاشت عيشةً سيئة، ونحن جميعاً مشتركون في ذنبها.. فلمَ نتجاهل ذلك لأننا نخشى من سياط الذنب أن تلسعنا؟.."
رأى سيماج تقف فجأة، تمسح دموعها التي لا تكاد تقف، وتقترب منه قائلةً بصوتٍ مرتجف "ماذا تعني بأننا مسؤولون عن هذا الأمر؟.."
نظر لها مجيباً "أنتم مسؤولون لأنكم لم تبحثوا عنها.. لم تحاولوا معرفة سبب ذلك الحريق الغريب، وسبب موت يوري وحدها بينما نجا بقية أفراد العائلة جميعهم.."
تساءلت رافعةً حاجبيها "وأنت؟.."
خفض رأسه مجيباً "أنا، وكل من رآها في هوماي، قد أدرنا وجوهنا بعيداً عن العذاب البادي في عينيها.. لقد رأيتها مراراً، ولاحظت أنها لم تكن بأفضـل حال.. لكن ظني أنها تعيش مع أبيهـا، كما ادّعى ذلك الرجل، قد جعلني أصمت وأتظاهر بأن الأمر لا يعنيني.. وهذا ذنبٌ لن أسامح نفسي عليه.."
تشنّجت أصابع سيماج التي تمسك بالمنديل بقوة.. تحاول ابتلاع الغصّة التي آلمت حلقها.. تحاول التنفس والضيق يشتدّ فيكتم أنفاسها.. جلست أخيراً على كرسيٍّ أمام روكاي، وقالت له بصوتٍ مرتجف "أخبرني بحكايتك وحكاية يوري كاملة.."
أنت تقرأ
الغدر في عينيك
Fantasy"أرى الغدر في عينيك" أقضّت هذه الجملة مضجع روكاي وأسهدته.. ما معناها؟.. ولمَ قيلت له هو بالذات؟.. ومن القائل؟ من الذي تسلل لأحلامه ليخبره بأمرٍ لا يراه هو في نفسه؟ أكان ذلك حلماً، أم كابوساً، أم مجرد رؤيا؟