مرت ستة أشهر كاملة ،وقد تناسى اهل الحى ما حدث ،ولم يعد أحدهم يذكر ذلك الزواج الذى لم يتم .كرس صابر كل وقته لعمله ،لم يعد يفكر في الزواج...يكفيه ما حدث ..لقد خدعته براءتها الظاهرة وجمالها الأخاذ...ورغم صدمته إلا أنه يحمد الله على عدم إتمام الزواج.
بينما صابر يرقد اسفل إحدى السيارات عاملا على إصلاحها. سمع صوت صديقه سالم يسأل مساعده عنه فيخرج مسرعا وقد تهلل وجهه : اقبل سالم انا هنا
يسرع سالم يمد ذراعه ليتمسك صابر بكفه ويهب واقفا وهو يتساءل: اى ريح طيبة اتت بك اليوم سالم ؟ لم اقابلك من اسبوع مضى .
يربت سالم على ذراعه بإنهاك: عذرا منك صابر انت تعلم اعمل ورديتين بالمصنع لاجمع المال لزواجى
تتسع ابتسامة صابر بينما يقول: اعلم صديقى اعانك الله وتمم زواجك بفضله
يجذب صابر مقعدين يقدم أحدهما ل سالم الذى يتناوله بصمت ويجلس ليسأله صابر : هل انت بخير سالم؟؟
يهز سالم رأسه متمتما :انا بخير ..جئتك لاطمئن انك انت بخير ..
علت الدهشة وجه صابر وعاد يتساءل: ولما لا اكون بخير !!!
تنحنح سالم بحرج شديد وهو يقول: علمت أن فاتن ستتزوج..وانا اعلم انك كنت ...
قاطعه صابر بصوت هادئ: كنت..انت قلتها سالم ...
نظر له سالم متفرسا بملامحه بينما ربت صابر على ذراعه مطمئنا: لا تقلق لقد تجاوزت الأمر تماما ،واتمنى لها كل الخير
هنا جاء مساعد صابر ويدعى حوده حاملا ثلاثة أكواب من الشاي الساخن الذى يتناوله سالم كلما زار صابر بورشته يحمل كل منهما كوبا ويحصل الفتى على الكوب الثالث فهكذا يعامله صابر دائما ..
غادر سالم بعد مدة قصيرة ليعود صابر للعمل وهو يفكر في سؤال سالم : لما لا تبحث لك عن زوجه تسكن إليها؟؟
لقد أجابه بمرح لكنه حقا لايعلم الإجابة الحقيقة لهذا السؤال لما لم يفكر في الارتباط مرة أخرى؟؟
هل كره النساء؟؟
ولما يكرهن إن لم يكره فاتن نفسها !!!
نفض الفكرة عن رأسه وهو يركز على عمله فهذه السيارة لطبيب مرموق يدعا يزيد إن أعجبه عمله سيكون هذا بابا لرزق وفير
********************
جلس صابر فى المساء يتناول طعامه الذى أعده لنفسه وقد قرر مكافأة نفسه على إنجازه بالعمل هذا اليوم فقد أنهى العمل على السيارة وهاتف صاحبها سيتسلمها فى الغد ،لذا فقد اشترى فى طريق العودة نصف كيلو من اللحم سيتناول الليلة عشاء فاخرا.
جلس إلى طاولته المتواضعة يهم بتناول طعامه ليوقفه طرقات على الباب يبتسم صابر مرحبا بالزائر الذى سيشاركه طعامه وسيغفر الله له اكراما وفضلا.هكذا قال الإمام فى خطبة الجمعة التى يواظب عليها صابر ليتعلم أمور دينه فهو لم يكن من السعداء الذين ارتادوا المدارس.
فتح الباب بإبتسامته المعتادة ليجد الطارق عفاف لتزداد ابتسامته اتساعا ويرحب بها بشدة فهى فى مقام والدته اعتنت به كثيرا فى صباه: مرحبا خالة ...اكرمتنى بزيارتك .
يصافحها وهو يجذبها برفق للداخل : تفضلى خالتى ..تفضلى لقد آنست وحشتى بهذه الزيارة
تبتسم عفاف براحة فهو كما توقعت تماما يرحب بها دون النظر لما حدث بينه وبين ابنتها لكن هل سيكون مرحبا بها حين تخبره سبب الزيارة؟
أشار إلى الطعام على الطاولة وهو يجذب مقعدا إضافيا يقدمه لها بحب : تفضلى خالة شاركينى العشاء .
تتعذر له عفاف بود: عذرا بنى لا احب تناول الطعام فى الليل يصيبنى بآلام المعدة
يسرع صابر متمنيا لها الصحة : لا بأس عليك خالة ...ادام الله علينا وجودك بيننا ،تناولى اليسير لأجلى .من أكل طعام أخيه ليسره لن يضره.هكذا قال أمام المسجد
تربت على كتفه بحب: كم انت ودود صابر !!
يبتسم صابر ويقدم لها الكرسى لتجلس ويحضر المزيد من الطعام يضعه أمامها وهو يحمد الله أن طعامه الليلة يحتوى على اللحم فهو لا يدرى اتتمكن هذه السيدة الوقورة من شراء اللحم ام لا فمنذ توفى زوجها وهى تعانى فقرا شديدا لكنها عزيزة النفس لا تشتكى ولا تقبل الصدقات،تكتفى بالمال القليل الذى تقبضه كمعاش لزوجها.
تبادلا حديثا وديا أثناء العشاء اطمئن به صابر على أحوالها، فمن غير اللائق زيارتها بالمنزل بعد فسخ الخطبة ليلة القران ،فهى وابنتها تعيشان وحيدتان ولا يجوز تردده كرجل عليهما لذا فقد اكتفى بالتعرف على اخبارها حين يلاقيها خارجا مرة واحدة اول كل شهر حين تتوجه لصرف معاشها .
رفع صابر الأطباق وحضر كوبين من الشاي الساخن ليقدم لها أحدهما ويلتقط الآخر ويجلس أمامها فتقول بخجل : بنى جئتك اليوم اطلب منك خدمة تقدمها لأجلى
اعتدل بجلسته وقال بإهتمام : لك ما تريدين خالة ..ما الخدمة التى اقدمها لك؟؟
تصمت لحظة ثم تتابع: لقد خطبت فاتن لأحد الرجال ،هو رجل طيب ،وسيعقد القران الجمعة القادمة
يبتسم صابر لها رغم توغر صدره بالضيق : فليكتب الله لها الهناء .وماذا تريدين منى خالة؟
تتنهد عفاف وهى تقول: انت تعلم أن فاتن ابنتى الوحيدة وقد رفض عمها حضور عقد القران فهو غير متقبل للعريس لانه يكبرها بأعوام كثر
تصمت لحظة تستشف رد فعله من ملامحه لكن لم تهتد لتتابع: لا اخفيك خبرا انا ايضا اعترض عليه لكن ماذا افعل وقد اتخذت قرارها ؟؟ لقد وضحت لها خطورة هذا الفارق الكبير بينهما لكنها أصرت فهل أخطأت بنى ؟؟
يهز رأسه نفيا بثقة: لا خالة احسنت صنعا إن رفضتها انت ايضا فلمن تلجأ ؟ فاتن ناضجة ويمكنها اتخاذ القرار المناسب لها .
شعرت عفاف بالراحة لتأييد صابر لها فقالت: اريدك ان تحضر عقد القران فليس من اللائق أن يأتى عريسها فلا يجد رجلا يقابله .
ابتسم صابر ليرفع عنها الحرج الذى تشعر به وهو يقول: افعل خالة بأمر الله..الجمعة يوم اجازتى وسأكون رهن اشارتك منذ الصباح
ابتسمت اخيرا وهى تتساءل بلهفة: حقا بنى !!!
ربت على كفها بحنان: حقا خالة انت بمقام والدتى اطال الله عمرك.
تربت هى على كفه لقد كان أملها الأخير بعد رفض شقيق زوجها الحضور وكذلك فعل باقى رجال العائلة احتذاء به .فالرجل الذى ستتزوجه فاتن قد تجاوز الخمسين من عمره بينما هى بمطلع العقد الثاني من عمرها يكبرها بحوالى ثلاثين عاماً أو يزيد وتصر على الزواج منه فهو رجل ثرى لم يسبق له الزواج ابهرته بجمالها وتمكنت من إيقاعه بسهولة ليهرع طالبا الزواج من هذه الفاتنة .
*****************
حفظ صابر المال الذى قبضه فى اليوم التالى وقد قدم له الطبيب بطاقة تحوى أرقامه الشخصية ليحتفظ به صابر برحابة كما أنه وعده بإرسال من يحتاج إلي خدماته من أصدقائه إليه فورا من شدة إعجابه بالعمل الذى قام به صابر وقد أتاه بالفعل في الأيام القليلة التالية عدد لا بأس به من الزبائن بفضل هذا الطبيب .
**********
يوم عقد القران
استعد صابر بالمال الذى حفظه واستأجر المقاعد والفراشة والأضواء الملونة وقام من الصباح الباكر ليتوجه لمنزل عفاف فيقابل سالم أثناء عودته من عمله المتأخر .
يقترب سالم من صابر متعجبا : صابر لما انت بالشارع ؟ اليوم جمعة وهو إجازتك ..هل انت بخير؟؟
يضحك صابر على لهفة صديقه التى تثبت وفاءه وحبه : اهدأ سالم انا بخير...اليوم عقد قران فاتن وانا اساندهما ليس إلا.
يتعجب سالم : انت يا صابر !!! انت تساندها بعد ما غدرت بك!!!!
يسرع صابر مجيبا: لا تنس يا سالم افضال الخالة عفاف .هى بمقام امى .كما أن النصيب لم يكتب لى هذا الزواج وانا واثق أن هذا لصالحى فالله لا يكتب لنا إلا خيرا ألا تخبرنى بهذا دائما
يتنهد سالم لطيبة صابر ويتمنى أن يراه الجميع كما يراه هو فيقول: حسنا ماذا ستفعل الان؟؟هيا فلنتعاون ..
أنت تقرأ
براثن الخطيئة بقلم قسمة الشبينى
Romanceالنوڤيلا سبق نشرها وحذفت ، لذا هذه النسخة إعادة نشر