( الفصل الاول )
فتاة ذات العشرين عاما ، تسير بمرح في طرقات مدينة صغيرة تعلو الإبتسامة وجهها بشكل دائم...تلك الإبتسامة الفاتنة التي لطالما فتنت شباب مدينتها بروعتها ورقتها وتلك العيون الواسعة عسلية اللون ذات البريق اللامع الواقعة في وجه أبيض جميل ملائكي لم تعرف طريقه أيا من تلك المساحيق ، التي يدعي البعض أنها تزيد الانثى جمالا فوق جمالها. كانت بيضاء البشرة على الرغم من وجودها بمدينة صغيره تشبه قرية ريفية ، وبالرغم من مساعدتها لجدها في الحقل. قد يكون ما حافظ على بياض جلدها هو ملابسها الواسعة الطويلة الكاسية والحجاب الذي يزين رأسها ، فهي تراه تاج وليس مجرد قطعة قماش. كانت تلقي التحية في طريق عودتها إلى المنزل على كل من تراه ، حتى بدأت تقترب من المنزل في ذلك الطريق الذي لا يوجد به سوى بضع شجرات على جانبيه لترسم لها طريقها الى المنزل حتى اتضح أمامها منزل..لا انه ليس بمنزل بل انه.... كوخ!.. فهي تسكن بكوخ بآخر المدينة ، ولكنها تحبه بشدة فهو ليس كالأكواخ العادية بل هو أكبر بقليل ، يتكون من طابقين أحدهما سفلي والاخر في مستوى الأرض ، له أكثر من باب في أكثر من جهه دقت الباب بمرح لتدخل فتجد جدها يجلس على الطاولة يطالع كتابا لحين نضوج الطعام ، اتجهت إليه لتقبله على وجنته قائله بسعاده: إزيك يا جدو؟
لم يجيبها جدها فجلست بجواره قائله بأسى: يا جدو ما تزعلش مني بقى! أنا بحبك اوي اوي اوي ومش بأقدر على زعلك مني
الجد وقد رق قلبه فهو يعشقها لدرجه لا توصف: اما انتي بتخافي على زعلي يا إيلين للدرجه دي، كنتي بتكسري كلمتي ليه وتروحي تساعدي الست اللي اسمها صفية دي ؟
إيلين موضحه: يا جدو الست دي وقفت معانا كتير اوي وكانت بتيجي تسأل عننا على طول وعمرها ما استنت من حد فينا كلمة شكر او مقابل يبقى لما تطلب مني خدمة صغيرة واقدر اعملها أقولها لا ؟ بقى جدو اللي الناس كلها بتقول عليه ابو الواجب كله يقول لا ؟
جدها وقد شاعرا الزهو فهي تعرف جيدا كيف تُراضيه: طب خلاص مش مشكله المرة دي بس ما تتكررش تاني!
نهضت إيلين لتطبع قبلة صغيرة على خده قائلة بابتسامه واسعه: انت عارف انها اول واخر مرة ، انا روحت احط معاها البضاعة اللي جات في المحل وارصها عشان ابنها مسافر زي ما انت عارف مش اكتر وهي مش هتقدر تعمل دا لوحدها
تنهد الجد قائلا: خلاص ماشي .... المهم انتي وحشتيني اوي
ضحكت إيلين ضحكة رنانه زرعت الفرحه في قلب جدها الذي يبلغ الستين من العمر فقد تزوج في سن مبكره كابنه والد إيلين: وانت اكتر يا أحلى جدو في الدنيا كلهااااا
ألقت إيلين نفسها بشدة على جدها الذي تعالت ضحكاته بسعادة وفجأة استقامت إيلين لتقول بجدية: أنا شامة ريحة غريبة
تشمم الجد جيدا قبل أن يصرخ قائلا: الاكل ! الاكل اتحرق!
ليركض كلا منهما إلى المطبخ بسرعه في محاولة لانقاذ الطعام لكن هيهات !
إيلين بحسرة: الاكل اتحرق ! هنتغدى ايه بقى دلوقتي؟
الجد بحزن: ما انتي اللي شغلتيني بشقاوتك دي خليتيني انسى نفسي مش الاكل بس ياختي
اتجهت إليه إيلين ضاحكه: خلاص ولا يهمك يا درش أنا هاعملك حتة غدوه انما ايه هتاكل صوابعك وراها من غير ما تحس
ضحك الجد: هههههه درش؟ فيه بنت تقول لجدها درش؟
أجابت مصطنعة الدهشه: الله ! انت مش كان اسمك مصطفى على حسب أخر معلوماتي ولا ايه يا درش؟
الجد مقهقها: ههههههههههه اه ياختي درش درش المهم هتأكليني
إيلين: بقى همك على غداك بقى ! ماشي ماشي اتفضل بقى روح شوف شغلك عقبال ما اظبط المطبخ المحروق دا واحضر الغدا يا سي جدو
غادر الجد ضاحكا بينما انصرفت إيلين إلى غرفتها لتبدل ملابسها قبل أن تبدأ معركتها في تنظيف المطبخ والبدء بإعداد الطعام ....
-------------------------------
في نفس التوقيت على الجانب الآخر... كانت هناك سيارة فارهة الطول والفخامة تقطع شوارع القاهره الكبرى متوجهه إلى إحدى الفيلات الموجوده بمنطقة راقية مطلة على النيل ملفتة نظر كل المارين بالطريق، تاركة نظرة من الحسد في عيون البعض ونظرة أمل في عيون أخرى بامتلاك سيارة مثلها فهذا الانطباع تتركه دائما سيارة الليموزين على كل من يراها ولا يملكها ، وكان يجلس بداخلها شاب وسيم لم يبلغ من العمر سوى 33 عاما ذا شعر أسود فاحم وبشرة برنزية وذقن حاد صارم وشفاه غليظه قاسية وجسد رياضي تخفيه إحدى البذلات ذات الماركة الشهيرة يمسك بيده هاتفه المحمول قائلا بصوت قوي يحمل الكثير من الحزم والقوة : اعمل اللي باقولك عليه ... ايوه... هاسافر بنفسي وجهز الطيارة دلوقتي....ما تقلقش...أنا هاتصرف....أنا اصلا رايح البيت دلوقتي هاخد شنطتي وارجعلك على طول...لا لا مطار ايه؟ مافيش وقت نضيعه...اه خلي الطيارة تستنى على سطح الشركه....اه مش هتأخر عليك ....لوحدي مش هينفع اسيب كل الشغل دا انا وانت مرة واحده!...تمام سلام
أغلق الهاتف بعد أن السيارة مرت عبر البوابة الرئيسية متجهه إلى أفخم فيلا في المنطقه المحيطه فهي فيلا عائلة "الحناوي" وليست لأي عائلة أخرى...هبط منها متجها إلى الفيلا بخطوات واسعة صاعدا إلى غرفته ليسحب حقيبة صغيرة دائما جاهزة لحالات الطوارئ كتلك الحالة التي هو فيها الآن وقبل أن يغادر الفيلا ظهرت أمامه فتاة ذات إثني عشر عاما وخلفها إمرأة في الخمسينات التي صاحت: آسر؟ انت رايح فين بالشنطة دي؟
آسر مكملا طريقه قائلا ببرود: مسافر عندي شغل
الفتاة بحزن: هتسافر تاني يا بابا؟ انت لحقت؟
قال آسر قبل أن يغلق الباب خلفه: شغل يا نادين شغل
رحل آسر بسرعة لينطلق بسيارته مرة اخرى عائدا إلى شركته ليستقل الطائرة الخاصه التي يملكها غير مهتم بالحزن الذي طل من وجه إبنته.
المرأة واست نادين: معلش يا نادين هو مضطر والا ماكانش سافر فجأة
نادين وهي على وشك البكاء: مش كل مرة كدا يا نانا انا مالحقتش أشوفه خالص
ضمتها المرأة الى صدرها قائلة: والله ما عارفه ايه اللي قلب حاله كدا 180 درجة من ساعة موت مامتك وهو على الحال دا
نادين بعصبيه: وانا ذنبي إيه يا نانا ! مامي ماتت من 12 سنة..انا عايشة من 12 سنة كأني يتيمة الاب والام
نهرتها الجده بهدوء: ما تقوليش كدا يا حبيبتي ربنا يحميه
قاطع كلامها قدوم الخادمة مرتدية زي الخدم الرسمي الذي يرتديه كل من يعمل بتلك الفيلا التي تشبه قصور الملوك: تليفون عشانك يا كوثر هانم...أحلام هانم
كوثر: حاضر جاية
التفتت كوثر إلى نادين مرة أخرى لتجدها تصعد درجها منكسره لتتجه إلى حجرتها التي تغلق فيها على أحزانها وألمها في هذا المكان فتنهدت كوثر متجهه إلى الهاتف راسمة ابتسامة زائفة لتجيب قائلة: أحلام هانم وحشتيني موووت
--------------------------------
بينما تتناول إيلين الطعام مع جدها ويتبادلان الحديث والمزاح سمعا طرقا على الباب فاتجه الجد ليرى من الطارق فسمعته إيلين يقول ببرود: عادل؟ اه اهلا
عادل بتوتر: إزيك يا عم مصطفى؟
مصطفى بنفس البرود: الحمدلله خير فيه حاجه؟
عادل: ابدا انا جيت أشكر إيلين على اللي عملته مع أمي انهارده
ظهرت إيلين من خلف جدها لتقول بابتسامة مشرقة: اهلا يا عادل اتفضل كُل معانا
عادل بخجل: لا شكرا يا إيلين انا جيت اشكرك بس
إيلين بنفس الابتسامة: لا شكر على واجب ما هي غالية عليا زي ما غاليه عليك بالظبط
عادل: طب استأذن انا بقى
إيلين: ما تيجي تأكل الاول طب
عادل منصرفا: معلش مرة تانية ان شاء الله
غادر عادل ليقول الجد بصوت هامس ساخرا: يا حنين
ضحكت إيلين قائلة: هههههه نفسي أعرف مش بتحبه ليه؟
الجد بغل: عشان النحنحه اللي هو فيها دي ياختي
إيلين: هههههههههه ماشي يا ابو النحانيح مش هناكل بقى؟
وبعد أن جلسا مرة أخرى على الطاولة نظر اليها جدها قائلا: مش قولتلك بلاش تروحي تساعديها؟ انا كنت عارف انه هيلاقيها حجه بقى عشان يجي هنا
إيلين مستغربة: ويتحجج يجي هنا ليه؟
الجد بغيظ: عشان يشوفك ويتكلم معاكي
إيلين محاولة إخفاء ضحكتها: طب ما هو ممكن يجي من غير ما يتحجج احنا من امتى بنقفل باب بيتنا في وش حد ؟
الجد بجدية: عشان أنا موجود فمش هيعرف يجي هنا من غير سبب
إيلين غامزة جدها: ايوه طبعا من ساعة أخر مرة قولتله انت جاي من غير سبب هنا ليه انت هتنطلي كل شوية ولا ايه ههههههههه
الجد بحنق: طب ما انتي عارفه اهو اومال بتسألي ليه بقى؟
إيلين ضاحكه: بتغيري عليا يا بطة؟
لم يستطع الجد أن يُبقى على جديته كما هي في مقابل مزاحها فانفجر ضاحكا.
-----------------------------
كان الليل قد حل وبدأت الامطار بالهطول على نحو مفاجئ بينما آسر يجلس في طائرته الخاصه متحدثا بعصبية في هاتفه المحمول: اروح المشوار دا عشان في الاخر اعرف انه سافر!.. مش المفروض كنت تعرف مكانه قبل ما تخليني اروحله؟!...دا تسيب واهمال!...حسابي معاك بعدين لما ارجع هاعرفك شغلك ازاي تعمله صح بعد كدا...لا لكن ولا لو!
واغلق الخط بعصبية شديدة ونظر إلى الخارج ليرى الجو العاصف والامطار الغزيرة فخاطب الطيار قائلا: فاضل قد ايه يا كابتن؟
الكابتن منشغلا بمتابعة الاجهزه امامه: مش عارف انا اصلا مش متأكد اذا كنا هنوصل ولا لأ!
آسر بانتباه: قصدك ايه؟
الكابتن بغضب مكبوت: أنا قولت لحضرتك بلاش نسافر دلوقتي الجو مش أمان للسفر
آسر بغضب: هو أنا يعني بألعب؟ ما أنا ورايا شغل !
قبل أن يجيب الكابتن بأي كلمة اهتزت الطائرة بشدة وحاول الكابتن أن يسيطر على الطائرة مرة أخرى ولكنه فشل وفقد السيطرة عليها تماما لتسقط بسرعة فائقة وسط مجموعة من الاشجار ويغيب كلا منهما في عالم آخر ...
أنت تقرأ
كوخ في آخر المدينه
Romanceالروايه للكاتبة ساره محمد سيف مش بتاعتي المقـــــــدمه ليست السعادة بالثروة ولا بالخدم هكذا علمها جدها ، إيلين فتاة بسيطة لم تكمل تعليمها كما تمنت ولكنها رضيت بحالها ، لم تتوقع أن تكون بساطتها وعلمها سببا في الوقوف في طريق سعادتها ، فهي لم تتوقع أن...