الفصل السادس عشر
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــدخلت فريدة تنظر إلى وجوههم فلا تجد سوى
التجهم ليستقر نظرها بالنهاية على وجه كوثر
الهانم الذي يبدو عليه بعض السرور ، فهمت أنها قدمت متأخره.
نهضت كوثر مرحبه: اهلا اهلا يا فيري ... تعالي يا حبيبتي اقعدي
فريدة: ميرسي يا طنط
كان آسر على وشك المغادره لكنها تقدمت منه بسرعه لتوقفه قائلة: معلش يا آسر من اتكلم معاك شوية ؟
آسر ببرود: مش عايز اتكلم مع حد دلوقتي
أجابته بإصرار: أنا اللي هاتكلم بس انت لازم تقعد وتسمعني
كرم: خلاص يا آسر اقعد .... يلا بينا يا شروق
فريدة: لا وانتوا كمان خليكوا ... عايزه الكل يسمع
شروق بقلق: قلقتيني .... يا ترى فيه إيه؟
تنهدت فريده محاولة أن تبدأ الحديث: آسر... إيلين ما خانتكش زي ما انت فاكر
رماها آسر بنظرة متمعنه: ايه ؟
تابعت موضحه: مش إيلين اللي أخدت الورق بتاع الصفقة ولا هي اللي سربت المعلومات بتاعتها
كرم بانتباه: اومال مين؟
نظرت فريدة إلى كوثر قبل أن تتابع: كوثر هانم
شهقت شروق واضعة يدها فوق فمها: ايه..؟؟؟؟؟
رمق آسر والدته فوجدها تتصب عرقا وبدا عليها التوتر لكنه تابع الحديث بهدوء: وانتي عرفتي منين؟
سحبت نفسا قويا قبل أن تجيب: من بابا ... أنا هاقولكوا كل اللي اعرفه
بدأت فريدة تقص عليهم ما سمعته من مكالمة والدها والحديث الذي تلاها وانهت الحديث نظرة بخجل إلى كوثر هانم: صدقيني يا كوثر هانم أنا ماكنتش اعرف انه قالك انه بيحبك ... وحتى حضرتك ما جبتليش سيرة... أنا آسفة على اللي بابا عمله معاكي ... ومعاك يا آسر ... أنا اول ما عرفت قولت لازم أجي اقولك
كانت كوثر هانم في دوامة لا تستطيع استيعاب عدم حبه لها أو خداعه لها بتلك الطريقة ، لقد صدقت مجرد مخادع ، وقفت ضد سعادة ابنها ونجاحه بسببه!
بينما كان آسر يشعر بندم لا مثيل له ، تذكر كلماتها الأخيرة له... "هيجي يوم تندم فيه على اللي قولته واللي عملته فيا وتطلب مني أسامحك بس زي ما قلبك بقى حجر عليا دلوقتي ! هتلاقي قلبي حجر بردوا ... وعمري ما هاسامحك عمري يا آسر فاهم؟ ... عمرررري !".... لم يتوقع أن يأتي هذا اليوم ... فكيف أتى بهذه السرعة ، ظل يٌمني نفسه بان يعود جاسر بصحبتها.
شروق بذهول: بقى كل دا يطلع من اونكل مختار ومنك يا عمتو ؟
آسر بشك: بس ايه حكاية الكولييه دا؟
هزت فريده كتفيها مجيبة: مش عارفه ... أنا قولت كل اللي أعرفه
بدأت كوثر هانم تتحدث بضعف: أنا هاقولك حكاية الكولييه دا ... بعد ما اديت مختار الورق فرت ازاي انت ممكن تفكر انها هي اللي خانتك فعلا فضلت افكر لحد ما وصلت للكولييه دا ... استغليت انها بتشتغل فترة الصبح دي في الجنينة وطلعت حطيت الكولييه دا في اوضتها
أمسكت شروق العلبة وألقت نظرة على الكولييه: بس أنا عمري ما شوفتك لابساه ولا عندك
كوثر بحزن: ما دا جالي هديه في آخر عيد ميلاد ليا عملته...انتي كنتي لسه مسافره وما رجعتيش وقتها.. عشان كدا اخترته خصوصا انه آسر وجاسر مش بيركزوا في الحاجات دي
شروق محفزه: طب وبعدين كملي
ضحك آسر ساخرا وهو ينظر للأرض: تكمل ايه بقى؟... تقولك انها بقالهافترة عماله تزرع الشكوك في دماغي وانه إيلين طماعه وانه اهمالي ليها خلاها تقرب من جاسر وتعجب بيه هو ، وانها مش عايزة حاجه تربطني بيها عشان كدا لحد دلوقتي ما حملتش؟
وجه نظراته إلى كوثر هانم متابعا: ولا ايه يا .... ماما !
انهمرت الدموع من عينيها قائلة بتوسل: صدقني أنا عملت كل دا عشانك أنت
نهض متوجها إليه وهو يصرخ بوجهها: عشاني؟... لا ما توهميش نفسك اوي كدا كل دا عشانك انتي ، عشان خوفك انه ارفض جوازك بعد بابا الله يرحمه ، كنتي فاكراني زيك هأقف في طريق سعادتك مع الشخص اللي حبتيه عشان أنانيتي مش هو دا السبب اللي خلاكي تقفي في وش سعادتي أنا وإيلين وإننا نعيش سوا مرتاحين ؟... يا ريت بقى ما تقوليش عشانك وتبيني نفسك الام الضحية ! ... لا أنا ولا انتي ضحية يا كوثر هانم ... الضحية هي إيلين !.... عجبتني نظرتها للدنيا على طول بتضحك وتهزر مش حاطه في دماغها هموم ولا مشاكل ، مش بتقلق من مشكلة احتمال تحصل بكره غير لما تيجي فعلا ، حبيتها قولت هأجيبها معايا هنا اهو تعمل روح هنا كمان عشان هي بتنقل الراحه والفرحه من غير ما تحس زي ما نقلتهملي لما كنت هناك عندها ، ما كنتش اعرف انه الكره والانانية اللي هنا أقوى منها لدرجه انها عايزه تدمرها ، دلوقتي بس لاحظت قد إيه هي كانت عايشة هنا ومستحمله ، بدل ما تأثر هي فيهم اثروا هما فيها ، دلوقتي بس لاحظت قد ايه موتوا فيها حاجات ، بقتهنا حزينة وحيدة ملل وبس واستحملت كل دا عشاني ، كانت بتحاول تثبت لنفسها انها لسه في مكانها في بيئتها عند جدها بالجنينة اللي بره، هي عاملة زي السمك ما تقدرش تعيش بره المايه ولو اخدتي سمكة وحطتيها في حوض عندك بتفضل تحاول تقنع نفسها انها لسه في البحر والمايه بتاعتها ومش لوحدها لحد ما تيأس وتموت من القهر، كل ما أفكر في كمية الشر والكره اللي جواكي ليها ، باقول لنفسي هي استحملتك كدا ازاي؟ ما هربتش ليه ؟ .... عشان واحد زيي ما يستاهلش.
توجهت إليه والدته تمسك وجهه بين كفيها مستعطفه بضعف: أسفة أسفة يا ابني انا كنت انانيه فعلا يا ريت تسامحني
أبعد يديها عنه: اسفه؟ وهتعمل ايه اسفه؟.... عمر ما إيلين هتسامحني على اللي عملته فيها .. واللي زاد وغطى انه عملت كدا قدامكوا
كوثر هانم بإصرار: وهاعتذر منها هي كمان بس انت سامحني
في تلك اللحظه فٌتح باب الفيلا ليدلف منه جاسر ، اتجه آسر إليه بأمل سائلا: إيلين معاك ؟ ... واقفه بره ؟
نظر إليه جاسر باشمئزاز: انت فاكرها ايه عشان ترجع معايا بعد كل اللي عملته فيها دا ؟
كرم مهدئا: ما خلاص يا جاسر مش ناقصه شعلله هي
جاسر بحنق: انت مش شايف يعني؟... انا خرجت ما لاقتهاش بره وبعدين دورت عليها لانها اكيد مش هتلحق تبعد لاقيتها بس كنت هاخبطها بالعربية لكن ربنا ستر وسألتها تحب تروح فين فقالتلي اي موقف تركب منه يوصلها المنصورة وهي هتتصرف من هناك حاولت اقنعها تبات الليلة في فندق وتسافر بكره ما قبلتش فوصلتها وركبتها ولما اطمنت انه معاها فلوس كفاية رجعت... وبعدين مش لسه طاردها بقدرة قادر دلوقتي نفسه انها ترجع ؟
أشارت شروق إلى فريده: أصل فيه مستجدات
نظر جاسر في الاتجاه الذي أشارت إليه شقيقته ، لاحظ وجود فريده لأول مرة بينما كانت تحاول إخراج هاتفها من الحقيبة ، فقد تعالى صوتها لأقصى درجه مصرا عليها للإجابة.
فريده: ايوه يا داده ... اييييه؟.... بابا؟.... مستشفى ايه؟...طيب طيب أنا جايه دلوقتي حاالا...ماشي مسافة السكه
شروق بقلق: حصل ايه؟
فريده والدموع تتساقط من عينيها: بابا ... بابا بعد ما سبته وخرجت جاتله أزمة قلبية ونقلوه على المستشفى... أنا لازم أروح دلوقتي
شروق: بس ما ينفعش تسوقي وانتي في الحالة دي ... كدا هتروحي ترقدي جنبه مش تقفي معاه
انطلق جاسربرفقة فريدة إلى المستشفى ، واتجه آسر صاعدا الدرج وعندما حاولت شروق اللحاق به ، أمسك كرم يدها قائلا بتعقل: خليه لوحده شوية يراجع نفسه ويفكر في حل لمشكلته
أومأت موافقة وتابعوا بنظراتهم صعوده ، ولأول مرة يبدو عليه الكسرة والهزيمة بتلك الطريقة....
--------------------------
انفرد آسر بنفسه ، يفكر في كل لحظه قضاها معها منذ أن تعرف عليها ، مزاحها ضحكها ، كم اشتاق إليها ولم يمضي على مغادرتها سوى ساعة أو أكثر ، نهض وفتح الخزانه الخاصة بها ويتناول أحد شالاتها متلمسا رائحتها العالقة به ، انهار أرضا كلما فكر في أنه لن يراها مرة أخرى ، لن تسامحه أبدا ، لقد اخطأ بحقها كثيرا ، اهملها لم يقدر صبرها وتحملها لجفاءه ، كانت الدموع تنهمر بغزارة ،لم يبكي أبدا منذ سنوات حتى قبل أن يتعرف على زوجته الأولى كان يظن الدموع ضعف ، الآن هي التي تخرج ما يعتمر بداخله من مشاعر وأحاسيس ، حدث نفسه قائلا بعزم شديد: لازم لازم اعمل حاجه اخليها تسامحني !... سافرت عند جدها أكيد دا اكتر مكان بتحبه واكتر شخص بتحس معاه بالراحه
بقى على حاله يفكر في حل وطريقة ليرضيها ، حتى حانت صلاة الفجر فنهض يقيم الصلاة ويدعو ربه أن يهديه لوسيلة ترضيها وأن تصفح عنه وتسامحه ، من ثم تناول أحد المصاحف التي كان يراها تحب القراءة فيه ، وبدأ يتلو آيات القرآن العطرة ....
أشرقت الشمس فتطلع من النافذه إليها وبعدها وقع نظره على الحديقة حيث كل زاوية تحمل بصمة يدها واهتمامها بها.... وأتت فكره على ذهنه فجأة فيعيد إليه الحماس مرة أخرى والابتسامة إلى ثغره قائلا: هاعرف ارجعك ليا تاني يا إيلين!
أنت تقرأ
كوخ في آخر المدينه
Romanceالروايه للكاتبة ساره محمد سيف مش بتاعتي المقـــــــدمه ليست السعادة بالثروة ولا بالخدم هكذا علمها جدها ، إيلين فتاة بسيطة لم تكمل تعليمها كما تمنت ولكنها رضيت بحالها ، لم تتوقع أن تكون بساطتها وعلمها سببا في الوقوف في طريق سعادتها ، فهي لم تتوقع أن...