الفصل السابع عشر

370 21 0
                                    

الفصل السابع عشر
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

كان آسر في طريقه إلى الخارج عندما مر بجوار غرفة إبنته وقد سمع صوت نحيبها الخافت ، تقدم من حجرتها ودلف إليها وقد شعر بالشفقة على حالها ، جالس بجانبها وحدثها بهدوء: بتعيطي ليه يا نادين؟
نظرت له بضيق: مالكش دعوة! .. وأنت من امتى بتهتم أصلا بحالي ... حتى الانسانه الوحيده اللي حسيت انها بتحبني فعلا ومهتمه بيا بجد حرمتني منها ... انا نفسي أعرف أنت بتكرهني كدا ليه؟
علت الدهشه ملامح وجهه: أنا ؟ أنا باكرهك يا نادين؟ مين اللي قالك كدا؟
نظرت إليه بثقة: مش محتاجه حد يقولي تصرفاتك بتدل على كدا ... على طول مسافر مش باشوفك ما تعرفش عيد ميلادي امتى حتى ! ... واخرك تخلي السكيرتيرة تبعتلي هدية عيد ميلادي وخلاص كدا انت عملت اللي عليك ! ... ما تعرفش انه كلمة كل سنة وانتي طيبه منك احلى من شعر الدنيا على كارت والهدايا العالم
تنهد بندم: معلش ... أنا كنت غلطان في حقك سامحيني يا نادين
أجابته بحقد: أسامحك؟... انت عارف انه بالرغم اني زعلانه انه إيلين سابت البيت الا اني فرحانه ... فرحانه عشان انت ما كنتش تستاهلها هي كانت خساره فيك انا كنت ساعات كتير اقعد افكر هي قبلت بيك ليه ... وكنت باقول لنفسي اكيد ما تعرفش حقيقتك ولما تعرفها هتبعد ومش هاشوفها تاني وكنت بادعي ربنا انها ما تشوفهاش ... بس انت ماكنتش بتسيب فرصه غير لما تبينها لها كأنك قاصد تبعدها!
شعر آسر بخنجر يخترق قلبها وقال بانكسار: للدرجه دي بتكرهيني وتتمنيلي الأذى ؟
هزت رأسها نافية بقوة: أنا مش باكرهك ولا عمري هاكرهك انا باقولك اللي في قلبي بس لكن كره ؟ لا ... إيلين علمتني انه ما ينفعش نكره عشان ما نلوثش قلبنا ونبعد عن ربنا ... انا فكرت انه بعد إيلين عنك دا حاجه من ربنا عشان تدوق الالم اللي بيسببه بعد الشخص اللي بتحبه عنك زي ما بعدت عني
أمسك آسر يدها والدموع تهطل بقوة من عينيه لأول مرة تراها نادين فعلت الصدمة وجهها: أنا آسف سامحيني يا نادين أنا غلطان أنا عندي عذري لكل دا بس بردوا مهما كان عذري قوي ماكانش لازم أبعد عنك للدرجه دي وانتي فعلا مالكيش ذنب ... صدقيني هاتغير ومش هابقى بعيد عنك تاني وهنبقى صحاب وهنقضي وقت أكتر مع بعض ولما إيلين ترجع إن شاء الله هاخدكوا وافسحكوا على طول وهنكون عيله احنا التلاته وهاعمل اللي اقدر عليه عشان تبقوا مبسوطين بس سامحيني يا نادين
زادت الدموع في عيني نادين وألقت بنفسها في حضن والدها لتشعر بقربه ودفء قلبه لأول مرة وقالت: أنا بحبك أوي يا بابا ومش زعلانه منك خلاص
آسر بفرحة: وأنا بحبك يا نادين ووعد مني انه هارجع إيلين مرة تانية وهنفضل إحنا التلاته سوا طول العمر
--------------------
نظر إليها جدها بشفقة فهي تنظر إلى نقطة محدده طوال الوقت بشرود ، هذه الفتاة التي عادت منذ شهر ليست هي نفسها الفتاة التي سافرت منذ سنة مليئة بالحياة والحب .... يا ترى ماذا فعل لكي ذلك الأسر حتى تصلي إلى هذه الحالة. إذا وقع في يدي أقسم أن أجعله يدفع الثمن ، لقد أخذ جوهرتي الثمينة ليعيدها هكذا؟
قاطع شرودها قائلا: ايه يا إيلي هتفضلي سرحانه كدا على طول ؟
أجابته بضعف: وعايزني اعمل ايه يعني يا جدو ؟
الجد حازما: تفوقي لنفسك وتنسيه خاالص ... مهما كان اللي عمله أنا مش عايز اعرفه لاني متأكد انك مش هتسيبي بيتك غير لو حاجه كبيرة اوي ولو عرفتها هاقلب عليه الدنيا وهادفعه تمن زعلك دا كتير اوووي
ضمته بقوة قائلة: ربنا يخليك ليا يا جدو
الجد مشجعا: يبقى لازم تنسيه ... اتفقنا ؟
تنهدت بحزن: هاحاول
حول مصطفى محور الحديث قائلا: شوفتي الارض اللي بينا وبين إسراء؟... مش فيه واحد اشتراها وبنى عليها بيت ؟
استغربت وسألت جدها: بجد؟ .. ومين دا؟
هز كتفيه قبل أن يجيبها: والله ما اعرف ماحدش شافه هنا خالص حتى العمال كمان بيقولوا انهم ما شافهوش ... هو بعتهم يجهزوا البيت وهو هيجي عالسكن على طول
إيلين بلا مبالاة: طيب ... ان شاء الله يكونوا جيران كويسين
الجد محفزا: ما تروحي لإسراء واهو تغيري جو شوية
نهضت إيلين: اه ... حتى أشوف أحمد الصغير
ضحك الجد: اه وسلميلي على الواد الشقي دا كل ما اشيله يغرقني ههههههه
إيلين مبتسمة بسعادة: ربنا يخليهلهم يا رب
قال الجد بلهجة ذات مغذى: عقبال ما اشيل عيالك يا إيلي
توترت بشدة فنهضت مسرعة: انا هاروح عشان ما اتأخرش
سارت مبتعدة عن كوخ جدها متجهه إلى منزل صديقتها التي أسست عائلة سعيدة ورزقت بطفل صغير من الرجل الذي تحب ؛ انه أحمد الذي يناهز من العمر شهرين ، لقد أعاد لها روحها مرة أخرى ، عندما تنظر إلى وجهه تجده يشع براءة محببة إلى قلبها ، وضعت يدها على بطنها متذكره ذلك الجنين الذي ينمو باحشاءها ، لقد علمت بحملها بالامس فقط ولم تخبر أحد حتى جدها ، اتهمها آسر بأنها لا تريد أن تنجب منه حتى لا ترتبط به والمفارقة أنها تكتشف حملها الآن بعد أن قرر كلا منهما عدم رؤية الآخر ، لماذا أسرع باتهامها والتشكيك بها ألم يفكر بأن أمر مثل الإنجاب ليس بيدها ولا بيده ؟ انه أمر من الله فهو من يقول للشئ كن فيكون ، مرت بجوار البيت الذي انتهى العمال من بناءه وقد جذبها بجماله ن كم تمنت أن تعيش هنا مع آسر ، آسر الذي سقطت طائرته بأرض جدها الذي أحبته لم يكن يتعالى أو يتكبر ، كانت ترى بعيونه الحب الذي لم ينطقه بلسانه ليس ذلك الوحش الذي عيونه تمتلئ بالبرود ومعاملته شديدة الجفاء ، تابعت طريقها وهي تنفض تلك الافكار عن رأسها ، حتى وصلت إلى منزل إسراء الجالسة بمفرده في هذا الوقت حيث يعمل محمد بالحقل الذي يملكه جدها .
إسراء بسعادة: اهلا يا إيلي ... وحشتيني
إيلين بشك: وحشتك ايه يا بكاشة ما أنا كنت عندك امبارح
إسراء مغيظه: تصدقي اني غلطانه ... خدي أحمد عقبال ما اعملنا كوبيتين شاي
حملت إيلين الصغير ولاعبته وهي تتابع الحديث مع إسراء: دا حبيبي أنا مش كدا يا حماده يا عسل انت
إسراء بتعب: دا مطلع عيني! ... مش بينام
إيلين مدافعه: عادي يا سوسو دا لسه يادوب شهرين ... لما يكبر شوية نوم هينتظم عن كدا
رفعت يديها لأعلى قائلة: ياااارب ... ربنا يسمع منك يا إيلي
ضحكت إيلين: ما دام تاعبك كدا هاتيه عندي وانا هاشيله في عيني
إسراء: ربنا يخليكي يا إيلي ... ما أنا عارفه إنتي هتقوليلي؟
استفسرت منها إيلين عن المنزل الجديد الذي رأته في طريقها فأجابتها إسراء باقتضاب: مش عارفه مين صاحبه ... حتى محمد ما يعرفش... على العموم هو عامل حفلة بليل عشان هيسكن هنا خلاص وعازم كل الجيران يعني مش بعيد اول ما ترجعي البيت جدو مصطفى يقولك انه عازمكوا ؟
إيلين مستغربه: وعزمكوا ازاي مادام أحمد ما شافهوش؟
كادت إسراء توقع الشاي من يدها من فرط توتره : بعت كارت دعوة مع واحد من العمال
استهجنت إيلين هذا التصرف الذي ينم عن عدم ذوق صاحبه: دا قليل الذوق اووي
كتمت إسراء ضحكتها قائلة: يا رب ما تندمي على الكلمه دي
أجابتها متعجبه: واندم ليه؟... انتي مش شايفاه كدا ولا ايه؟
غمزتها إسراء: فكك يا بنتي .... قوليلي انتي عامله ايه وجدو مصطفى ازيه؟
ودار الحديث بشكل طبيعي حتى حان موعد رحيل إيلين فودعتها إسراء على وعد أن تلتقيا في الحفلة التي ستقام في منزل جارهما الجديد.
استعدت إيلين وارتدت ثوب في غاية البساطه تصل أطرافه إلى الأرض لونه أزرق سماوي تزينه زهور صغيرة ملونة وارتدت عليه بوليرو يصل إلى خصره باللون الأبيض ، كانت شديدة التأنق بنظر فلاحة كما كانت تدعوها كوثر هانم ، هنا لا يوجد من يهتم بالمظهر فالناس هنا يهتمون بالجوهر قبل المظهر ، انطلقت برفقة جدها الذي جل ما فعله أن بدل قميص وبنطال العمل بأخرين نظيفين.
كانت الاضواء الزاهية تنير المكان، وموسيقى هادئة تزيد المكان ألفه ، اعتلت الدهشه وجه إيلين عند رؤيتها لشروق وبرفقتها كرم يتحدثون مع إسراء ويمزحون سويا كأنهم على معرفة ببعض ، اقتربت منهم بهدوء بينما انصرف جدها ليتكلم مع والد إسراء ، وعندما رأتها شروق اتجهت إليها مسرعة لتضمها قائلة بشوق: وحشتيني يا إيلي ... البيت كان وحش من غيرك اووي
كرم: ازيك يا إيلين؟
إيلين: الحمدلله وانتي اكتر يا شروق ... عاملين ايه؟
أشارت إلى بطنها قائلة بعد أن تبادلت نظرات الخجل مع كرم: كويسه بس كرم الصغير تاعبني اوي يا إيلي
صرخت إيلين بسعادة وهي تضمها بقوة: مبروووك ... فرحتلك اوي يا شوشو
شروق: الله يبارك فيكي .... عقبالك
جاءت نادين هاتفة بسعادة: وحشتيني يا إيلي ... كدا مش تسألي عني ؟ وسبتيني لوحدي كدا
أجابتها بأسف: معلش حقك عليا... وبعدين أنا ماكنتش سيباكي لوحدك انتي كنتي مع جاسر وشروق وكرم ونانا وبابا
تذمرت: بس انا كنت عايزاكي انتي
شروق مسرعة: ما خلاص بقى يا نادو ... ان شاء الله مش هتبعديني عنها تاني
دعت نادين بصدق: يااااارررررب
كانت إيلين تتلف خلسة باحثة بعيونها بين الحضور عن شخص اشتاقت لرؤيته بالرغم من كل ما فعله بها ، شعرت إيلين بيد توضع على كتفها فتسارعت دقات قلبها ، فهل يا ترى يكون هو؟ التفتت لتجد آخر من توقعت أن تراه يبتسم في وجهها.
كوثر هانم بابتسامة هادئة: ازيك يا بنتي؟
نظرت لها نظرة خاوية وأجابتها: الحمدلله ... ازي حضرتك يا كوثر هانم ؟
هزت رأسها رفضا: من هنا ورايح تقوليلي يا ماما كوثر
لاحظت كوثر ملامحها المليئة بالتعجب فابتسمت بحزن: أنا آسفة يا بنتي على كل اللي حصل واللي عملته في حقك ... ربنا أخدلك حقك مني ونفسي اتكسرت خلاص كنت أنانية وما فكرتش غير في نفسي ونسيت انه انتي انسانة بردوا زينا ومن حقك تعيشي مبسوطة ...... صدقيني انا مش هاقف في طريقوا تاني.. ومن انهارده انا هابقى أمك انتي قبل ما اكون أمه هو... ممكن تسامحيني؟
ترقرقت الدموع بمقلاتيها واومأت موافقة فجذبتها الأم إلى صدرها لتغرقا معا في حمى من البكاء الشديد ، لم تبتعد أيا منهما عن الأخرى حتى أتى مصطفى وقال مستغربا: في ايه يا إيلين؟ بتعيطي ليه؟ ومين الست دي؟
مسحت إيلين دموعها مقدمة: دي كوثر هانم مامت آسر يا جدو
نهرتها كوثر: وبعدين ؟ احنا قولنا ايه؟
ابتسمت إيلين: ماما كوثر .. دا جدي مصطفى
هز الجد رأسه بابتسامه مرحبه: اهلا ... اتشرفت بحضرتك
تعجبت كوثر قليلا فكيف لفلاح أن يكون على هذه الدرجه من اللباقه؟.. يبدو أنها أخطأت كثيرا وكثيرا جدا أيضا : اهلا بحضرتك
لكزتها شروق قائلة: اومال ما سألتنيش جاسر فين يعني؟
إيلين مستدركه: اه صحيح هو فين؟
شروق: البيه ما قدرش يجي عشان ما يسبش فريده لوحدها
تعجبت قائلة: ومال جاسر بفريده؟
حركت شروق يديها في الهواء: هوهو دا انتي فايتك كتير ... بس المهم يعني انه باباها دخل المستشفى لما جاتله الازمه وهو بقى الواد الجنتل اللي وقف جنبها وخير الله اما اجعله خير شكله كدا حبها ومش بيتحرك من جنبها واتقدملها ووفقت بس لسه ما عملناش حاجه رسمي يعني ... بس يا ستي هو كان جاي معانا انهارده بس باباها تعب فجأة امبارح بليل واتحجز في المستشفى تحت الملاحظه فمش قدر يسيبها
إيلين متعجبه: وانتي مالك مضايقة كدا ؟ مش عجباكي فريده؟
تنهدت مستسلمة: فريده اتغيرت خالص ما بقتش فريده بتاعت زمان ... تخيلي انها اتحجبت ؟... اه والله يا بنتي زي ما باقولك كدا ... قالت انها تعبت من اللي هي فيه ومرض ابوها فوقها انه الدنيا مالهاش كبير الواحد بيبقى بصحته وفجأة هوووب يفلسع ... بس المشكله في ابوها دا مش طيقااااه
تعجبت إيلين فهي لم تعتد على تحيز شروق تجاه شخص هكذا دون سبب: هو كان عملك ايه يا بنتي ؟
استهجنت شروق السؤال فأجابت: لا طبعا هو يقدر يعملي حاجه؟... هو بس قدر على ناس عزيزة عليا
لوت إيلين شفتيها فهي لا تفهم مقصدها وتعلم أنها ما دامت لم تخبرها مباشرة بالموقف الذي تسبب برأيها ذاك فهو لا يعنيها.
بعد فترة تنهدت إيلين بملل ، لم تعد الاحاديث الدائرة حولها تجذب اهتمامها فسارت مبتعده تستنشق الهواء العليل وتفكر في وضعها وكيف ستخبر آسر بحملها ؟... هي لا تريد أي احتكاك به بعد ما حدث ولكن ما ذنب طفلها وما ذنب أب حُرم من رؤية ابنه ؟... مهما أخطأ في حقها يجب ان تبعد طفلها عن تلك الامور الخاصة حتى لا يصبح شخص غير سوي.
-ماشية لوحدك كدا ليه ؟ مش خايفه؟

كوخ في آخر المدينهحيث تعيش القصص. اكتشف الآن