3

306 19 10
                                    

في ليلةٍ شهدت دجنة عظيمة انكمشتُ بحيّ نتن ، أنال قليلا من الدفء من مداخن البيُوت والدخان المتصاعد من النوافِذ .

كنت أستمعُ لصياح النّساء وسوط الرّجال يصيب الصّغار ، اكتنفني الرّعب وجيعمًا صرت لانتشار رائحة الأكل ، لكن .. ما من أحد سمع صياح معدتِي أو أنين خوفِي.

اكتنفتُ بدنِي وافترشتُ الأرض القاسيةَ أرجو النّعاس أن يصفعنِي .

وإن سئلت من أكون ، سيخبرهم أنّي الصبي المتلهف لسماع القصص قبل الرقاد ، لستُ سارد تعليمات حفر القبور ومرهق الدّم.

-

صدحت الضحكاتُ وسطعت اللهفةُ لطلّة زكريّا قد أذاع صوت فتح البوابة مجيئه المُتستّر عليه ، فارق الصّغارُ غرفة الأكل وسارعُوا يدفع بعضهم بعضًا للقائِه . متناسين جونغ كوك الذي يتلذّذ بوجبتِه ، يمسكُ الرغيفَ ويعتصره بيدهِ ثمّ يدسّه بثغرهِ مسرورًا .

حينئذٍ وسع عينيه فقد توسّم لتوه خلوّ البقعة ، همهمَ مستفسرًا من يجانبُه ، لعلّه وهمٌ .

" أين ذهب الجميع ؟ هل أخبرُوك ؟ "

قلب حدقتيه حينَ أفشى المجهُول جهله ، فاصطادَ غيره يصيح

" إذا أنت تعلم ! "

هبط كتفاه في احباطٍ حين تعسّر عليه المعرِفة ، أبعد الصحن عن حافة الطاولَة لفورِه ثم استقام يردّد

" أنت دوما لا تعرف "

تسربل محياه بألوان الاستياء ، اعتمد على نفسِه وانكتلَ متتبّعا أصواتهُم ، لمّا بلغَ الباحة الأمامية لمحهُم يسيّجون زكريّا ، قد استقبلهم بالأحضان واحدًا واحدًا كعادتِه لا يطمر حنيته عن أحد .

تمادَى بالتبصر ، قبل أن يجذب نباهته البوابة المشرعة على مصرعيها ، تمشّى لعربتِه -زكريا- جوارها يستيقن انعدام الأنظار علَيه ، يجدل أنامله فينوحُ فعله تردّده . طالع ذاك الحصان الفحميّ يخفض رأسه فترة راحتِه ولازال متصلا بالعربة المتوسّطة الحجم ، قد اكدرت إلا أطرافهُا ذهبية اللون.

" يا للعجب ! لدينا نفس لون الشعر ! حتى كاليستاي شعره هكذا " أسرّ للحيوان المنهك في شيء من الحماس والبراءَة ، ثمّ دنا يدوس برك الماء واشتهى تمطيط يدِه كي يلمس خصلاته المموّجة المنسدلة لكن الخوف غلّفه.

علق يده بالمنتصف كما تدلّى بدنه بين الوعي واللاوعي ، الحقيقة والتزوير .

" سوف ألمسك ، لن أؤذيك حسنا ؟ "

مال رأسه فيما يُطمئن الساكت ، وجاهد لدفع رغبتِه مسرح التجربة ، حطّها برفق ليمسح على عنقه كون قامته ما عاونت أن يصل لمبتغاه ثم بالغ الدنو ضاحكا.

بيت يطلّ على البحر | TKحيث تعيش القصص. اكتشف الآن