_من أنت.....؟
لم يتزحزح وهو ينظر لعينيها.....ليتكلم بجدية ...
_وما شأنك...؟
أبعدت عينها عنه وكأنها تدرك أنه على صواب لتتخطاه وهي لا تريد الإلتفات لتتكلم وهي تبتعد دون التفات....
_اين هو باب الخروج....أريد أن أذهب....
صوته القوي ورائها يكلم تلك السيدة وكان الأمر لا يعنيها....
_خديها لغرفتها الآن أرجوك....
فعلا أخدتها المرأة للغرفة وكأنها تترجى منها الإمتثال له ....وجدت جيداء نفسها منقادة للغرفة بدون كلمة لتقبع فوق السرير وهي تفكر في كمية الجنون التي أصابت هذا السيد ليحجزها بدون اي صلة تذكر.....
كان قرارا لا رجعة فيه ...إما أن يبعدها ليحفظ سلامتها أو أن يعلنها وتكون مهددة دائما....هو لا يهمه أحد...ولا أحد يجرأ عليه ....ولكنه لا يريد المخاطرة ولا واحد في المائة .....لقد عرف ماهية شعوره....تأكد من التغيرات التي طرأت على قلبه منذ دخولها حياته.....لايريد معرفة قصتها....ولا يريد أن يعيق طريقها.....ولا يريد لها الآذى ....كان يريد إبعادها لينساها وليبعدها عن الآذى .... يتقلب في سريره وهو لايستطيع النوم....يفكر فالدقيقة ألف فكرة....يريد النزول و فتح باب غرفتها ليضمها فقط وينام....لا كلام...لاحوار...لا أسئلة....فقط أن تكون بحانبها......إحساس بالنقص.....هل سيعود كما كان ....قرر النسيان والتصدي لمشاعره لأن في حياته ليس هناك مجال للعاطفة.....
في الصباح الباكر نزل بعد أخده حمام ساخنا وتغير ثيابه لملابس رياضية تبرز جسده الرياضي الطويل....
بدون مقدمات فتح باب غرفتها ليجدها جالسة مكانها تفكر كأنها لم تنم الليل بطوله....مكومة كالطفلة الضائعة وهي فعلا تبدو ضائعة....كان على وجهه نضرة جدية كأنه سيخوض اجتماعا عن العمل....قد قرر أمس أن هذه الطفلة تشكل خطرا عليه وعلى نفسها....فلينهي القصة من أولها لكي لا يتعمق ويتعلق أكثر مما هو متعلق ......شعرت بوجوده لترفع عينيها كالبدر وهي متعبة الوجه .....محاولا التشبث بقناع الجدية وعدم الضعف أمام رقتها وضعفها...تكلم بجدية واضحة ليجفلها بكلماته ....
_ليس هناك داعي أن تبقي هنا....يمكنك الرحيل متى شئتي....
رفعت رأسها بسرعة البرق لتنهظ وتجيب بحماس...
_أحقا يمكنني الذهاب....
أنزل رأسه ليمعن النظر في عينيها ويجيب بثقة...
_نعم يمكنكي الذهاب متى تريدين....
تحمست لتنهظ من مكانها وتركض ناحية باب الغرفة كالطير الذي أطلق سراحه ويشرع في التحليق....لكنها ماإن وصلت لباب الغرفة لتتذكر الطريق والعجوز والغابة....لتدير رأسها وكأنها أحست ببعض الأمان معه......لكن كلماته جعلتها تبعد الفكرة...
_لن أمنعك يمكنك الذهاب....
أنزلت رأسها وهي لا تعرف أين تذهب....ولكنها مع نفسها تشعر بتناقض مشاعرها.....هل تريد البقاء أو الذهاب لإستكشاف نفسها .....ألقت نظرة أخيرة لذاك الشخص العملاق بآخر الغرفة وهي تشعر بالإمتنان وكذالك الغموض المحيط به....وأيضا مدى وسامته ...لأول مرة ستتعمق في تفاصيله لتجده غااااية في الوسامة.....أبعدت أفكارها تلك لتسمع صوته وقد تخلى عن جديته....
_يمكنكي أن تأخدي حقيبة ستجدينها تحت....بها ملابس لا نحتاجها...
أومأت براسها وهي تنزل الدرج ....وجدت تلك السيدة تعطيها حقيبة متوسطة الكبر....لم تفتحها لتحملها بين ذراعيها وتقودها السيدة للباب....بعد أن خرجت من الباب الخارجي إلتفتت لتجد السيدة تودعها بيدها وكأنها ذاهبة لمشوار قريب وسترجع....تلك اول مرة يودعها أحد أمام بتلك الطريقة....خالجها شعور غريب لتركض بسرعة هي وحقيبتها التقيلة باتجاه المرأة لتقف أمام تلهث ...
_إسمي "جيداء"....
تلعثمت قليلا نضرا لعدم معرفتها بسلوكيات الناس لتردف بطفولية...
_وانتي ...؟
ابتسمت المرأة لتجيب.....
_سميرة....
بادلتها جيداء الإبتسامة لتومئ برأسها وهي تهم بالذهاب.....لتتكلم سميرة مرة أخرى ...
_إن كنتي لا تعرفين فهناك طريق أمامنا....غير الطريق الكبير...يمكنك أخد سيارة أجرة من هناك....
إبتسمت جيداء مرة أخرى وهي ممتنة لتمشي مبتعدة وهي تحمل حقيبتها الجديدة وتوبها الوردي الجديد....
وهي في طريقها تفكر كيف ستتصرف...أين ستذهب...ماذا ستقول....لتتوقف فجأة وكأن فاجعة حصلت لتشهق....
_أحتاج النقود لسيارة الأجرة....أحتاج النقود لكي أستطيع العيش....ياإلاهي.....
وصلت إلى ذلك الطريق وكلها تشائم....كانت تفكر كيف ستواجه الحياة وهي لا تفقه شيئا ولا تملك نقودا.....رأت سيارة أجرة أمامها فكرت في أنها تحتاج لمكان غير هذا المكان الراقي المليئ بالفيلات والمباني الضخمة لكي تشتغل.....لم تعرف كيف تتصرف وهي أمام موقف كهذا....وقفت متسمرة لقرابة الساعتين وهي تفكر في العديد من الاحتمالات التي ستجعلها تتخطى تلك المنطقة لمنطقة اخرى...كانت تفكر فالمشي ولكنها لا تعرف أين ستمشي....فكرت في النوم في مكان ما...لكنها تذكرت العجوز....فكرت في الرجوع للبيت لكنها تريد الرجوع لنقطة الصفر منذ هروبها من بيتها .. لا تريد مساعدة أو سجن آخر .. فجأة شعرت بالبرد وهي واقفة في مكانها لا تحتمي بشئ نضرت لحقيبتها وشعرت بالإمتنان مجددا لذاك الشخص الغامض لتهمس داخل انفاسها..
_شكرا لك...
فتحت الحقيبة لترتدي شيئا من الملابس التي أعطاها لتفاجأ بكمية كبيرة من المال لم ترى في حياتها مثل تلك الكمية من المال....لقد كانت الحقيبة كلها مال.....ليس هناك ملابس أو شئ كلها أوراق نقدية تكمشت مكانها وهي تدير عينيها بين الحقيبة والطريق وسيارات الأجرة....تحركت ناحية سيارة الأجرة لتهمس تانية وهي تركض لسيارة الأجرة.
_أقسم سأعيد لك مالك يوما....هذا ليس مالي...
أخدت سيارة الأجرة لتبتعد السيارة بعيدا ومعها احلامها وأهدافها وحياة بائسة تريد تغيرها وشخصية منعدمة تريد تقويتها و طفلة صغيرة تريد تربيتها .......