سوء فهم

4 4 0
                                    

أطلقت  تلك الخمسينية تزفيرةً طويلةً فور اختفاء كل من زوجها و ابنتها ثم رفعت عيناها صوب ذلك الشاب الجالس أمامها و الذي من المفترض أن يكون صهرها
"حسناً حسناً ...الآن قد زال الإزعاج صحيح!... "
قالت تلك الكلمات و ابتسامة مهنية مرسومة على جهها

بادلها ذلك الشاب الابتسام فقد فهم ما تحاول الوصول إليه
"يمكنك أن تسأليني عما تشائين و أعدك أنني سأجيب عن أسئلتك بكل صدق و أمانة... أصلاً أنا لا أمتلك أي شيء لأخفيه"

ارتسمت ملامح الرضا على وجه تلك المرأة
"بما أنني أم العروس أريد أن أتعرف على كل شيء يخص الرجل الذي ستمضي ابنتي حياتها كلها برفقته"
قالت تلك الكلمات و ابتسامة غريبة مرسومة على وجهها
و كلها سرعان ما اختفت لترتسم بدالها ملامح البرود و الجدية
لتردف قائلةً بصوت ينافس الصقيع في برودته
"مالذي تعمله؟  و أين تعيش؟ كم هم أفراد عائلتك و أين يعيشون ؟ و لماذا اخترت ماري بالتحديد؟.فهي ليست أجمل امرأة عرفتها... أنا متأكدة من ذلك.... كما أنها لا تمتلك السخصية اللطيفة بل هي أشبه بالثور الهائج و الخارج عن السيطرة.... أقرب احتمال هو أنك تزوجتها من اجل الحصول على الجنسية الألمانية.... "
ارتسمت ابتسامة لطيفة على وجهها فجأة لتتغير نبرة صوتها إلى اللطف مرة أخرى
"أعلم أنني أطلت عليك... أتمنى أن تجيب عن أسئلتي و بعدها سأقرر إن كنت مناسباً لتكون ابناً لي في القانون أم لا"

حافض ذلك الأسمر على هدوئه... و لم يبد أية ردة فعل على أسئلة تلك المرأة مما ساهم في زيادة اعجابها به
حك شعره الأسود بهدوء ثم رسم ابتسامة مائلة على وجهه
"لديك الكثير من الأسئلة سيدتي... و لكنني سعيد أن مريم تمتلك عائلةً تحبها كثيراً"
قال تلك الكلمات الأخيرة بصوت حاول بكل جهده أن يخفي نبرة البرود منه
"أنا لا أمتلك وظيفة دائمة كما ترين سيدتي فأنا لا أزال طالباً أدرس الطب و لكنني أقوم بالعديد من الأعمال الجزئية لتغطية مصاريف معيشتي..... بالنسبة للعائلة فاعذريني سيدتي أنا لا أحبد الكلام عنها... لقد توفيت والدتي و أنا لا أزال طفلاً في الثامنة من عمره لذا تكفل بتربيتي إمام القرية و زوجته..... بالنسبة لمريم فوصفها بالثور الهائج لا يوفيها قدرها بل هي أشبه بقطيع من الجواميس البرية و التي تدمر كل شيء أمامها و سبب اختياري لها هو شخصيتها فهي مختلفة تماماً عن والدتي رحمها الله"

رمقته تلك المرأة بعدم فهم
"تقصد أنك تزوجتها فقط لأنها تمتلك شخصية معاكسة لشخصية والدتك المتوفاة؟ عفواً و لكن هل أنت و بأي حال من الأحوال تكره أمك؟ "

قطب ذلك الشاب بعدم فهم
يكره والدته؟
هو لا يستطيع فهم سبب استنتاج تلك الكهلة لمثل هذا الأمر المستحيل
بدل أن نقول يكرهها هو يحبها
بل هو يعشقها
تلك المرأة اللطيفة التي دائماً ما كانت تبتسم له و تدفنه في أحضانها من المستحيل له أن يكرهها
حتى أن معاملتها السئية له و محاولتها قتله خنقاً لأكثر من مرة في أواخر عمرها لم تزده سوى حباً لها و شفقةً عليها
"بدل أن أقول أنني أكرهها أفضل أن أقول أنني لا أريد من زوجتي أن تعيش نفس ما عاشته والدتي بسبب شخصيتها الضعيفة.... لا أظن أن هناك شخص في العالم يستطيع أن يكره أمه... و حتماً لن يكون ذلك الشخص أنا"

أطلقت تلك المرأة تزفيرةً طويلةً
"الحقيقة أنني حقاً قد أحببت شخصيتك ....كما أن إجاباتك على أسئلتي قد زادت من حبي و احترامي لك.... و لكن هناك أمر يزعجني..... إذا منت لا تمتلك أي عمل بدوام كلي... كما أنك لا تزال مجرد طالب جامعي..... من أين لك المال لكي تسافر كل تلك المسافة إلى هنا ؟أنا أعلم أن تكاليف السفر جد غالية في بلادكم"

ارتسمت ملامح الانزعاج أخيراً على وجهه فهو كان يفضل أن يبقي الأمر سراً و لكنه  و مع الأسف قد وعدها بأنه سيجيب على جميع أسئلتها بكل صدق و أمانة
"كنت أريد إبقاء الأمر لنفسي و لكن.... "
حك شعره بانزعاج ثم أردف قائلاً
"أرجوك سيدتي أبقي الأمر سراً عن مريم فأنا متأكد من ان ضميرها سيؤنبها... و قد يجرحها الأمر"

أحست تلك المرأة بالفضول ينهش عظامها
"واو لقد شوقتني لمعرفة سرك أيها الماكر الصغير... حسناً لك كلمتي... أعدك أنني لن أخبر ابنتي الحمقاء بأي مما ستخبره بي الآن"

أخد ذلك الشاب نفساً عميقاًً لكي يدفع نفسه لسرد حكاية كفاحه من أجل لقمة عيشه
"حسنا أظن أنني أخبرتك بالفعل أنني أدرس في كلية الطب..... حسناً الحقيقة أنني أمتلك حلماً و هو أن أفتتح لنفسي عيادةً خاصةً لذا أخدت أعمل ليلاً و نهاراً.... و تزاحمت دراستي مع عملي من أجل جمع المال الكافي لبناء عيادة أحلامي و كما ترين فإن المال الذي صرفته على سفري إلى هنا قد قمت باقتطاعه من المال الذي قمت بجمعه من أجل تحقيق حلمي"

ارتسمت ملامح الصدمة على وجه تلك المرأة
هي حقاً لم تتوقع أنه يوجد شاب في العالم سيفضل أن يقوم بإرضاء إمرأة غريبة على أن يحقق حلمه

لقد كان باستطاعته أن يتزوج بتلك الحمقاء بدون أن يكلف نفسه عناء السفر و تحمل نفقات عالية من أجل إرضاء ضمير زوجته الحمقاء
هي متأكد بل تكاد تقسم على أن ابنتها لم تكن لتمانع إن رفض عدم المجيء إلى هنا
كما أنها متأكدة من أن ابنتها الغبية  لن تلومه أبداً إذا أخبرها بظروفه و بحلمه
بل بالعكس هي ستقف معه و ستسانده من أجل تحقيق حلمه
يبدو أن ابنتها قد استطاعت الفوز بورقة اليناصيب الرابحة
"يسعدني أنك صارحتني بكل شيء.... و لقد حان دوري ...يمكنك أن  تسألني عن أي شيء يخص تلك الحمقاء..  علاقاتها الغرامية.. أصدقائها... أو حتى عاداتها السيئة"

ارتسمت ابتسامة لطيفة على وجه ذلك الشاب
"أشكرك على مبادرتك الطيبة يا سيدتي... و لكنني لا أهتم أبداً بماضي مريم.... فحاضرها أهم عندي من ماضيها... فما فات لن يعود.... و أفضل أن أسمع قصص ماضيها من فمها هي... سأحاول كسب ثقتها بنفسي مما سيدفعها إلى البوح لي بكل أسرارها ..و حتى إن لم تفعل أنا لن أهتم.... لأنني أعجبت بمريم الواقفة أمامي الآنة ليس لدي أدنئ اهتمام بما كانت عليه قبل أن ألتقي بها"

ارتسمت ابتسامة كبيرة على وجه تلك المرأة
شاب مثل هذا يظهر كل ألف سنة
هي حقاً قد أحبته
بل هي من المستحيل أن تجد شاب يناسب ابنتها أكثر من هذا
لقد بدأ الفضول ينتابها حول هذا الشاب و تنشئته
"أريد أن أسألك سؤالاً بسيطاً....هل أخلاقك نابعة من تربية أهلك لك.؟...أم انها نابعة من تدينك "

ارتسمت ابتسامة كبيرة على وجه ذلك الشاب لتظهر غمازاته العميقة التي كانت مختبئة باحتشام في خده الأيسر
يبدو أن مهمة استمالة هذه السيدة إلى دين الحق ستكون أسهل مما كان يتوقع
"سيدتي سؤالك خاطئ تماماً...لقد أخبرتكِ قبلاً أنني تربيت على يدي إمام قريتنا... بمعنى آخر أن شخصيتي هي نتيجة تربيتي المتدينة"

تجمعت الدموع في عيون تلك المرأة
"إذن... هل يمكنك أن تخبرني عن الدين الذي قام بتخريج شاب مثلك؟ "

...................

كانت تسير بخطوات متثاقلة متجهة نحو الاقامة الجامعة
كان الحزن يطغى على ملامحها بينما تجمعت الدموع في عيونها العسلية
دائماً ما كان الأمر مشابهاً لما يحدث الآن عندما تلتقي بذلك الأحمق المدعو بسامر
هو دائماً ما يعمل على تحطيم ثقتها بنفسها و نسف جميع أحلامها
هي تكرهه
بل هي تمقته أشد المقت
لقد كان حب طفولتها
كان مثالها الأعلى و الشخص الذي تتمنى أن تصبح مثله
كان فتىً قوي الشخصية لا يخاف من أي أحد و دائماً ما يدخل في العراك و الشجار مع الناس دفاعاً على معتقداته
كان أشبه ببطل العدالة بالنسبة لها
هو الشخص الذي قام بتعليمها مختلف فنون القتال منذ أن كانت صغيرة
كما أنه دربها على الرماية و المبارزة
شهادات تفوقه الرياضية قد ملأت المكان
فاز بالعديد من البطولات و اتقن أكثر من فن قتالي
و أعطاها خلاصة خبراته
كان كل شيء يسير على ما يرام بينهما فقد كان يمضي أكثر الوقت في منزلهم فقد كان والداه جد مشغولين في عملهما
إلا أن كل شيء بدأ يتغير منذ وصول تلك الرسالة التي كانت تعلن عن وفاة والدها
ليتدمر كل شيء أمام أعينها
ذلك الشاب الذي كان طموحه هو أن يصبح محامياً لكي يستطيع أن يخرج والدها من السجن و يثبت براءته قد أصبح رجلاً منطوياً على نفسه حتى أن تلك الابتسامة. الكبيرة التي دائماً ما كان يرسمها على وجهه  أثناء تدريبه لها قد تغيرت
و أصبح شديداً معها في التدريب سريع الغضب كثير الشجار
و عندما اكمل الخامسة عشرة من عمره قام بالتسجيل في مدرسة أشبال الأمة التي تتميز بتخريجها لإطارات في الجيش
قلت زيارته لهم و مع هذا استمر في تدريبه لها
و عندما أكملت السادسة عشرة من عمرها تقدم لخطبتها
في الأول أعجبت بالأمر و سرت به سروراً شديداً فهي ستتزوج عاجلا أم آجلاً بحبيب طفولتها
إلا أن اتصالاً من فتاة غريبة قام بإيقادها من أحلامها الوردية و قررت استرجاع حق والدها بنفسها و هذا ما تسبب إفساد علاقتها بذلك المزعج و تدميرها نهائياً
قاطع أفكارها صوت أذان الظهر
ارتسمت ابتسامة متألمة على وجهها و قامت برفع عيونها للسماء
"اللهم أنت القوي و أنا الضعيفة إليك فارحمني و يسر لي ما تراه خيراً لي"
مسحت تلك الدموع بكم قميصها ثم زادت في سرعة خطواتها من أجل أن تلحق على مطعم الاقامة قبل اغلاقه

...............
سيارة سوداء اللون كانت مركونة بالقرب من إحدى جامعات مدينة قسنطينة
داخلها كان يجلس شاب ذو عيون شديدة الخضرة ناعسة الشكل و أنف يوناني ضيق
لحية شقراء خفيفة و بشرة تميل إلى البياض
كان صاحب تلك المواصفات يحدق في الجامعة بعيون حادة في انتظار خروج شقيقته
فهو حتى لا يعلم مكان إقامتها
لم يطل انتظاره فقد خرجت فتاة قصيرة القامة نحيلة الجسم ترتدي حجاباً شرعياً و لكن برفقة فتاة ما
لم يهتم صاحبنا للفتاة التي كانت تسير بجانبها فجل انتباهه كان منصباً على شقيقته
تنهد بهدوء ثم قام بتشغيل سيارته من أجل تعقبها
ارتسمت ابتسامة ساخرة على وجهه
فكما توقع تلك الحمقاء لم تنتبه حتى أن هناك شخص ما يتتبعها
و لكن هناك شيء غريب
في الأول لم يهتم لتلك الفتاة التي كانت تسير برفقة شقيقته باعتبارها مجرد صديقة فأخته و منذ نعومة أظافرها كانت دائماً ما تكون  محاطةً بالأصدقاء بسبب شخصيتها المرحة
و لكن الأمر مختلف
فالتفاتات تلك الفتاة و تصرفاتها دليل على أنها قد اكتشفت أمره
و مع هذا هي لم تخف بل أكملت سيرها بكل هدوء
أثار الأمر فضوله و لكنه سرعان ما أبعد تلك الأفكار عن ذهنه فهو هنا لكي يقوم بمراقبة شقيقته و حمايتها إن استلزم الأمر
أدرا مقود سيارته في الاتجاه المعاكس فور اكتشافه لمكان اقامة شقيقته الحمقاء
لقد انتهى وقت العبث و عليه الآن البحث عن شقة رخيصة لكي يستأجرها فهو لا يحبد فكرة أن يعيش داخل المهجع الخاص بمكان عمله بسبب وسواسه القهري و هوسه الشديد بالنظاقة
..................
"يؤسفني أن أخبرك بأن أنفك قد كسر بالفعل و عليك زيارة المشفى في أقرب وقت"

تنهدت سحاب بانزعاج فقد توقعت ذلك و لكن فكرة زيارة المشفى لم ترق لها
"لا بأس سيدتي سأقوم بزيارة المشفى فور عودتي إلى المنزل...أظن أنه لا توجد أية آثار جانبية لقيامي بتأخير زيارتي "

لم تعر تلك المرأة أي اهتمام لتعليق تلك الشابة
"هذه مجموعة من مسكنات الآلام يمكنك تناولها لكي تخفف عليك الألم"
قامة بختم وصفة الدواء و أعطتها إياها
"أتمنئ لك الشفاء العاجل "

تجاهلتها سحاب و غاذرت المكان برفقة زهرة التي ارتسمت على وجهها علامات الاستنكار بسبب موقف تلك الطبيبة
"مالذي تعتقده تلك المرأة؟ كيف لها أن تتصرف بكل ذلك البرود ؟أنا.... "

قاطعتها سحاب
"لا فائدة من الكلام في الأمر الآن فنحن لن نجني سوى الذنوب.... "

زمت زهرة شفتيها بانزعاج فهي حقاً قد كرهت موقف تلك الطبيبة فمهنة الطب مهنة نبيلة لا تحتاج أناساً مثلها ليزاولوها و إلا ستتذمر سمعتها الحسنة بين الناس

.................
وضعت يدها على مقبض الباب ثم قامت بدفع الباب بكل هدوء و لكنها تفاجات من كون الباب مغلقة بالفعل
تنهدت بانزعاج ثم أخرجت المفتاح من جيب سترتها و قامت بفتح الباب
ارتسمت علامات الاستغراب على وجهها فور رؤيتها للشقة مظلمةً و فارغة
حسناً هذا ليس من شأنها فمن حقهم المغاذرة متى ما أرادوا
و لكن إلى أين ذهبتا؟
حسناً بما أن ملكة الجليد قد غاذرت هي الأخرى فلا بد من أن الأمر يتعلق بها و زهرة مجرد مرافقة
نزعت قبعتها و سترتها و رمتهما بإهمال على مكتبها ثم. تسلقت إلى سريرها و أغمضت عيناها بتعب
سترتاح قليلاً و بعدها ستنهض لكي تصلي صلاة الظهر فلقاؤها بذلك المزعج قد استنزف طاقتها كلها
لاحت صورة والدتها أمام عينيها
مدت يدها بطريقة غريبة و كأنها تريد تحسس ذلك الوجه الذي اشتاقت أن تراه و لكن ذلك السراب سرعان ما اختفى
ارتسمت ابتسامة متألمة على وجهها
لا مفر من الأمر... عليها أن تجد عملاً جزئياً و في أقرب وقت ممكن

...........
بشرة بيضاء مشربة بحمرة خفيفة
شعر بني يميل إلى الحمرة و عيون سوداء عميقة
فك بارز و دقن حليق
كان صاحب تلك المواصفات مستلقياً على فراشه يحدق في هاتفه المحمول بينما ابتسامة حالمة مرسومة على وجهه
ابتسامة غريبة كانت دائماً  ما ترتسم على وجهه فور أن تقابل عيونه تلك الطفلة الجميلة
حب طفولته الذي لم يستطع نسيانه رغم مرور كل تلك. السنوات
كانت شاشة هاتفه المحمول مزينة بصورة طفلة لم تتجاوز الثامنة من عمرها
قصيرة الطول و نحيلة الجسم
ذات عيون ناعسة بريئة تحمل لوناً نادراً أشبه ما يكون بلون أوراق الشجر
كانت تلك الصغيرة ترسم ابتسامة سعيدة على وجهها كاشفة عن سقوط بضعة أسنان لبنية
ارتسمت ابتسامة صغيرة على وجهه ثم تحسس شاشة هاتفه و كأنه يتحسس وجهها الصغير
و لكن سرعان ما اختفت تلك الابتسامة من على وجهه فور تذكره لرفضها إياه
هو لم يستطع فهم سبب رفضها لخطبته
هو يعرفها منذ أن كانت مجرد رضيعة لا تقوى على فعل أي شيء
كان دائماً ما يأتي إلى منزل صديقه بحجة الدراسة معه غير أن نيته الحقيقة كانت بادية على وجهه
لقد شاهدها و هي تكبر
و مع مرور كل يوم كان حبه يزداد لها
كان يعتبر نفسه الشخص الذي يحميها بالرغم من أن شقيقها قام بتلك المهمة على أكمل وجه
أطفأ هاتفه ثم وضعه في جيب سرواله
هذا لا يهم الآن
أولاً سيتكلم مع شقيقها في الأمر و سيحاول فهم سبب رفضها و بعدها سيفكر إن كان سيستسلم عن الأمر أم لا
غاذر تلك الغرفة  فقد انتهت فترة راحته و عليه العودة للعمل
...................
يوم آخر جديد
كانت الساعة تشير إلى أنها الواحدة زوالاً
وسط ذلك الممر الذي تحيطه العديد من نباتات الزينة كانت فتاة ترتدي جلبابا رمادياً فاتح اللون تسير بخطوات متسارعة بينما ابتسامة صغيرة مرسومة على وجهها
لا بد من أن زهرة ستتفاجأ بزيارتها إياها في كليتها
حسناً في العادة هي لم تكن لتمنح ثقتها لأي شخص فقد عانت من الخيانة في العديد من المرات لدرجة أنها لم تعد تهتم لأي شيء يحدث حولها ا لأنها رسمت هدفاً تريد تحقيقه و لن تجعل أي شخص يثنيها عن فعل ذلك
تجاهلت تلك النظرات التي كان يرمقها بها اولئك المارة و الذين أغلبهم كانوا زملاءها

أفواه جعلت منها محور حديثها
الفتاة المتكبرة
المغرورة التي تعتقد نفسها أنها عبقرية العباقرة و هي لا تمتلك أي شيء سوى وجهها
لا بد من أن خلف ذلك المنظر المتدين فتاة أخرى منافقة تستمتع بإيقاع الرجال في شباكها

لقد اعتادت على تلك الكلمات حتى انها لم تعد تؤثر فيها أبداً
تنهدت بهدوء ثم رسمت ابتسامة جميلة هلئ وجهها فور ملرحظتها لتلك القصيرة التي كانت تجلس محاطةً بالعديد من الفتيات
لقد كان من السهل عليها تمييزها فزهرة دائماً ما كانت تلك الفتاة الاجتماعية
حتى أن جميع الفتيات اللاتي يعشن في نفس الاقامة التي يعيشون فيها يعرفن اسمها  و دائماً ما يقومون بتحيتها
ربما هذا بسبب تلك الابتسامة الكبيرة التي دائماً ما تكون مرسومة على وجهها
أو ربما بسبب ملامحها الطفولية البريئة و تلك الهالة التي تحيط بها و التي تجعلك ترغب في حمايتها
أرادت أن تقوم بماناداتها و لكنها عدلت عن تلك الفكرة و قررت مفاجأتها
تسللت نحوها ببطئ و لكنها توقفت فور انتقال تلك الكلمات إلى أذنها

كان صوت إحدى الفتيات المحيطات بها

"هل سمعتم بآخر الأخبار؟ ملكة الجليد تلك يبدو أنها طفلة غير شرعية لإمرأة ألمانية الجنسية و يبدو أن تلك المرأة قد قامت بإغواء أحد الأطباء فتزوجها... تخيلوا ....هههههههه..... تلك المزعجة مجرد لقيطة و مع هذا تعتبر نفسها و كأنها ملاك يمشي على الأرض"

أكملت فتاة أخرى
" لقد سمعت ذلك هذه الإشاعات منتشرة كثيرا في. مدينة ورڨلة.... لقد أخبرتني بهذا إحدى الفتيات التي درست معها في نفس الثانوية.... لقد كانت هكذا أيضا.... لا بد من أنها قد ورثت مهارات الإغواء من والدتها"

لم تهتم سحاب لتلك الكلمات فقد اعتادت سماعها كثيراً
و لكن ما أزعجها هو صمت زهرة
لقد كانت تنتظر منها أن تغضب من أجلها
أن تقاطعهن و تخبرهن بأنها ليست كذلك و أن تخبرهن بأنها صديقتها المفضلة
أو ربما هي الوحيدة التي كانت تعتقد أنما قد أصبحتا صديقتين
ييدو أن تلك الكلمات التي تلفظت بهاقبل عدة أيام عن الثقة كانت مجرد هراء
ما كان عليها أن تصدقها
لم يكن يجدر بها منحها ثقتها
لأنها لو لم تفعل ذلك لما أحست بمثل هذا الألم الرهيب الذي اخترق قلبها
و كأن خنجراً مسموم قد تم دسه في قلبها
هي متأكدة من أنها لم تكن جاهلةً بهوية الشخص الذي كن يتحدثن عنه
هي متأكدة من أنها كانت تعلم أنهن كن يتحدثن عنها و مع هذا هي لم تدافع عنها
هي لم تقم باسكاتهن بل بقيت تستمع لحديثهن بكل هدوء
قاومت رغبتها في البكاء ثم ركضت بسرعة خارج الحرم الجامعي
و كأنها تحاول الهروب من ذلك الواقع الذي رأته في تلك اللحظة
لقد كان ألم الخيانة ينهش قلبها حتى أنها تمنت في تلك اللحظة لو يتوقف عن النبض و يريحها من ألم الخدلان الذي بقيت تعاني منه منذ أن كانت مجرد طفلة صغيرة
كانت تسير بخطوات متسارعة غير آبهة بتلك الأجساد التي كانت ترتطم بها و لا بتلك الكلمات الشتائم التي كانت تنهال عليها إلى أن اصطدمت بقوة بشخص ما لتقع أرضاً من شدة الصدمة
امتدت يد ذلك الشخص الذي اصطدمت به ليساعدها على الوقوف و لكنها تجاهلته لتقف بمفردها
رفعت عيناها الزرقاوتان لكي تنظر إلى ذلك الشاب الذي ارتطمت به و تعتذر منه  و لكنها تجمدت مكانها عندما التقت عيونها الزرقاء بتلك العيون الخضراء الصافية
لقد كانت ملامح ذلك الشاب تذكرها بطريقة أو بأخرى بزهرة
اعتذرت بصوت مقتضب و أكملت سيرها. نحو وجهتها
كانت تريد في تلك اللحظة أن تخر ساجدة لله لكي تشكي له ألم الخدلان الذي تحس به
فقلبها لن يتخلص من ذلك الألم إلا بالإنابة إليه عز وجل
.........................
في الجهة الأخرى كانت تلك الطفلة جالسة وسط تلك الفتيات لا تعرف أي شيء عما حدث مع صديقتها
أو بالأحرى الفتاة التي كانت صديقتها
كانت تلك الطفلة تستمع باهتمام لكل تعليقات الفتيات و عندما أكملن حديثهن ارتسمت ملامح البرود فجأة على وجه تلك الفتاة
و كأن تلك الطفلة البريئة التي كانت تجلس بينهن قد اختفت و حلت محلها فتاة أخرى
"هل أكملتن حديثكن؟ إذاً لقد حان دوري لأن اتكلم.... قلتن أنها طفلة لقيطة صحيح؟ هل لكم أي دليل؟  أو ربما هذا بسبب ملامحها.... حسناً الفتاة التي كنتن تتحدثن عنها هي صديقتي و شريكتي في الغرفة و هي فتاة طيبة ساعدتني كثيراً عندما أتيت أول مرة إلى هنا"

قاطعتها فتاة أخرى
"و لكن ألم تري ملامحها؟  من المستحيل أن تمتلك هذه الملامح فتاة من ولاية صحراوية مثل ورقلة... كما أنني قد قابلت والدها و هو شخص عادي لذا.... "

قطبت زهرة بانزعاج
"أظن أنكن تحدثتن بما فيه الكفاية عنها و لن أسمح لكن بالحديث أكثر..... أنتن لا تمتلكن أي دليل ملموس عن كلامكن سوى الشائعات و لو كان كما قلتن أن ملامحها لا تشبه والدها و كان بالأحرى أن تملك عيونا و بشرة مثل بشرة والدها فأريد أن أخبركن أن كلاً من أبي و أمي و جدي يمتلكون عيوناً سوداء ...بينما أنا و أخي نمتلك عيوناً خضراء صافية... بل إن أخي يمتلك شعراً أشقر أيضا.... و أزيدكم من الشعر بيتاً ...إن ابي يعمل في إيطاليا في إحدى شركات تركيب السيارات.... هل هذا يعني أننا أيضاً أطفال غير شرعيون و أن أبي أيضاً قد قام بخيانة والدتي مع امرأة إيطالية؟"

أجابت إحدى الفتيات
"لا... هذا مستحيل... نحن لم نقصد ذلك... فلا توجد امرأة في العالم ستقبل تربية أطفالاً غير أطفالها و ستطلب الطلاق عاجلاً أم آجلاً...كما أنه لا توجد أي أم ستتخلى عن أولادها و ستسمح لامرأة أخرى أن تقوم بتربيتهم ...و قد تكون تلك العيون موروثة من أحد أسلافكم"

ارتسمت ابتسامة مائلة على وجه زهرة
"إذن أنتن تنفين الأمر بالنسبة لي  أنا التي لا يمتلك أي من أبي أو أمي عيوناً خضراء بينما تثبتونه على سحاب ....الفتاة االتي والدتها البيولوجية من ألمانيا و التي ورثت جميع ملامحها من أمها.... و هل حقاً تصدقن أن رجلاً من ولاية محافظة مثل ولاية ورقلة سيقوم بالزواج من إمرأة لعوب لا لشيء آخر إلا لأنها أغوته.... هو كان قادراً على أن يفعل ما تريده منه ثم بعدها يتخلص منها... بما أنها ليست إلا إمرأة لعوب"

أرخت كل تلك الفتيات رؤوسهن إلى الأرض و اعتذرن منها

ارتسمت كلامح الانتصار على وجه تلك الطفلة لتختفي ملامح البرود من على وجهها و تعود إليها ملامح البراءة
لتردف بصوت لطيف
"أظن أنكن تعتذرن من الشخص الخطأ... أليس كذلك؟.... أعلم أن النفس أمارة بالسوء... و جميعنا نخطئ... و لكن خير الخطائين هم التوابون... لذا أتمنى منكم تعتذرو من سحاب... و أنا متأكدة من أنها ستقوم بمسامحتكن فهي فتاة لطيفة و لا تهتم لكلام الناس"

ارتسمت ملامح الارتياح على وجوه تلك الفتيات و وعدنها بأنهن سيقمن بالاعتذار منها فور التقائهن بها

................

I Want To Say that I Love Youحيث تعيش القصص. اكتشف الآن