مواقف في شجاعته

398 34 2
                                    


خامسا : مواقفه يوم الطف

لقد كانت لأبي الفضل العباس مواقف بطولية عديدة يوم الطف تبرهن على شجاعته وقوته، ومن هذه المواقف ما وراه أهل السير
عن الضحاك بن قيس المشرقي قال:

إن الحسين جمع تلك الليلة ليلة عاشورا أهل بيته وأصحابه فخطبهم بخطبته التي قال فيها:

اما بعد فاني لا أعلم أهل بيت...
فقام العباس فقال: لم نفعل ذلك لنبقى بعدك، لا أرانا الله ذلك ابد...

هذا هو الموقف الأول، والموقف الثاني ما رواه الطبري أنه لما نشبت الحرب بين الفريقين تقدم من أصحاب الحسين عمر بن خالد الصيداوي ومولاه سعد و مجمع بن عبد الله العائذي وجنادة بن الحرث فشدوا مقدمين بأسيافهم على الناس، فلما وغلوا فيهم عطف عليهم الناس، فاخذوا يحوزونهم وقطعوهم من أصحابهم، فندب الحسين للسلام لهم أخاه العباس، فحمل على القوم وحده، فضرب فيهم بسيفه حتى فرقهم عن أصحابه وخلص إليهم فسلموا عليه فأتي بهم ولكنهم كانوا جرحى، فأبوا عليه أن يستنقذهم سالمين، فعادوا القتال وهو يدفع عنهم حتى قتلوا في مكان واحد، فعاد العباس إلى أخيه أخبره بخبرهم

والموقف الثالث سقاية أبي الفضل العباس التي تكررت ثلاث مرات لعطاشی کربلاء وذلك لما طلب منه الإمام الحسين إحضار الماء ليلة العاشر من محرم، وضم إليه ثلاثين فارسا وعشرين راجلاً، وبعث معهم عشرين قربة، حتى دنوا من الماء ليلا، وتقدم أمامهم نافع بن هلال الجملي باللواء، وصاح به عمرو بن الحجاج:
من الرجل؟ وما جاء بك؟
فقال نافع : ابن عمك جئنا نشرب من هذا الماء الذي حلاتمونا عنه .
فقال له: أشرب هنيئا.

قال نافع: لا والله لا أشرب منه قطرة والحسين ومن ترى من آله وصحبه عطاشا.

فقال: لا سبيل إلى سقي هؤلاء، وإنما وضعنا هاهنا لنمنعهم الماء،

ثم صاح نافع بأصحابه: إملأوا قربكم، وشد عليهم أصحاب ابن الحجاج، فكان بعض القوم يملا القرب وبعض يقاتل، وحمل عليهم العباس ، ونافع بن هلال، فكفوهم ، وجاؤوا بالماء وليس في القوم المناوئين من تحدثه نفسه بالدنو منهم، خوفا من العباس البطل المغوار، فبلت شفاه العطاشى من ذلك الماء، وابتهجت به النفوس، ولكن هذه الكمية القليلة من الماء ما عسى أن تجدي أولئك الجمع الذي هو أكثر من مائة وخمسين رجالا ونساء وأطفالا، مع الخيول والجمال، أو أنهم ينيفون على المائتين على بعض الروايات، ومن المقطوع به أنه لم ترو أكبادهم إلا مرة واحدة، أو أنها كمصة الوشل، فسرعان أن عاد إليهم الظمأ.

فهذه السقاية الأولى، والسقاية الثانية لما سمع العباس  نداء الحسين : أما من ذاب یذب عن حرم رسول الله؟

خرج إليه وقبل ما بين عينيه، وودعه وسار حتى أتى الشريعة، ونزل في الفرات حتى ملا القربة، ولما رآهم العباس  تسارعوا إليه حط القربة على عاتقه، واستقبل القوم يضربهم بسيفه، وهو يقول:
انا الذي أعرف عند الزمجرة
بابن علي المسمی حیدرة
أن اثبتوا اليوم لنا يا كفرة

ثم حمل عليهم وهو يقتل فيهم حتى قتل من أبطالهم مائة، ثم قرب من أخيه الحسين السلام، ودخل إلى خيمة الحرم بالسقاء الذي معه، فتواسوا به الأطفال ولم يرووا..

والسقاية الثالثة عندما استشهد أصحاب الحسين ولم يبق إلا الحسين و العباس
، فسمع الأطفال يتصارخون من العطش، فنهضت بساقي العطاشی غیرته الشماء، وأخذ القربة، وركب فرسه، وقصد الفرات، فلم يرعه الجمع المتكاثر، وكشفهم عن الماء، واغترف غرفة من الماء و أدناها من فمه ثم رماها حين تذكر عطش الحسين وقال:

یا نفس  من بعد الحسين هوني
وبعده لاني أن تكوني
هذا الحسين وارد المنوني
وتشربين بارد المعين
تالله ماهذافعال ديني
ولا فعال صادق اليقين

وأسرع بالقربة يريد المعسكر، فتكاثروا عليه وقطعوا طريقه، فلم يبالي بهم، وجعل يضرب فيهم بسيفه ويقول:

لا أرهب الموت إذا الموت زقا
و حتى أواري في المصاليت لقا
ولا أهاب الموت يوم الملتقى
إني أنا العباس أغو بالسقا.

فكمن له زید بن الرقاد الجهني، وعاونه حکیم بن الطفيل السنبسي، فضربه على يمينه فقطعها، فأخذ السيف بشماله وجعل يضرب فيهم ويقول:

إنتي أحامي أبدا عن ديني
والله إن قطعتموا يميني
نجل النبي الطاهر الأمين
وعن إمام صادق اليقين.

فكمن له حکیم بن الطفيل من وراء نخلة، فضربه على شماله فبراها، فضم اللواء إلى صدره، فعند ذلك أمنوا سطوته، وتكاثروا عليه، وأتته السهام المطر، فأصاب القربة سهم وأريق ماؤها، وسهم أصاب صدره، وسهم أصاب عينه، وحمل عليه رجل بعمود من حديد
وضربه على رأسه، ونادى بصوت عال:

عليك مني السلام يا أبا عبد الله💔

فأتاه الحسين  وقال:
"الآن انكسر ظهري، وقلت حيلتي، وشمت بي عدوي".💔

والموقف الرابع ابتسامته لما فارق الحياة، فبرغم كل الآلام والجراح التي لاقاها في ميدان الطف كان العباس  ضاحكا لا يرهب الموت ساخرا من تلك الجموع الغفيرة التي أحاطت به مما أثار الرعب والفزع في قلوب أعدائه، وبقت هذه الابتسامة حتى دخول الرؤوس والسبايا إلى الشام كما جاء في كتاب
الكامل في السقيفة؛ قال سهيل :

أول رأس رأيته من الرؤوس رأس العباس بن علي، فخل أنه يضحك.

فهذا دليل على شدة بأسه وکمال شجاعته بهذه الصفة التي اكتسبها من أبيه أمير المؤمنين الذي وصفه بعض الشعراء بقوله:
هو البكاء في المحراب ليلا
هو الضحاك إن آن الضراب»

فصفة الضحك وقت اشتداد القتال وتطاير القلوب من الخوف هي صفة علوية ورثها العباس الاسلام من أبيه أمير المؤمنين بالسلام ...

العباس قمر بني هاشم (عليه السلام)حيث تعيش القصص. اكتشف الآن