لقد لاقى العباس أصعب المواقف الشاقة والعسيرة التي نزلت به وبأهل بيته ومحبيهم، و کابد أقسى الآلام، حتى فاق جميع أصحاب الإمام الحسين بما قدمه من التضحيات العظيمة و الخدمات الجليلة التي تتوج بأروع المواقف البطولية الباسلة الصامدة أمام معسکر ابن زیاد...
إضافة إلى استنهاض عزيمة الفداء والتضحية لدى أنصار الحسينية حتى عانقوا الشهادة بكل فخر واعتزاز ملبين دعوة الإيمان ونصرة الدين، كما حث العباس أشقاؤه على نصرة الإمام الحسين في ميدان کربلاء وفداه بكل ثمين يملكه، وذلك لما رأى وحدة الحسين بعد قتل أصحابه وجملة من أهل بيته...
قال لإخوته عبد الله، وجعفر، وعثمان، وأمهم جميعا أم البنين العامرية ...:
«تقدموا، بنفسي أنتم، فحاموا عن سيدكم حتى تموتوا دونه»(1).
ويلاحظ من قوله هذا أنه لم يقل لهم «فحاموا عن أخيكم» ،بل قال «عن سيدكم»، وهذا يدل على تواضعه وتسليمه وانقياده الإمامه، وإقراره بمنزلة الإمامة والولاية التي هي أعظم من منزلة الأخوة، فالأخ لا تجب طاعته والإمام واجب الطاعة، والأخ لا ولاية له على أخيه غالبا بخلاف الإمام فله الولاية والسلطة الربانية، وطلب العباس الا من أشقائه التفاني والتضحية حتى الموت، وبين لهم سبب تقديمهم، فقال: « تقدموا لأحتسبکم عند الله تعالى فإنه لا ولد لكم»(2).
أي إنكم ستستشهدون لامحالة، فينقطع نسلكم، وبذلك أكون قد قاسیت مرارة ألمين؛ ألم فراقكم، وألم انقطاع نسلكم، فيشتد بذلك بلائي ويعظم أجري، فتقدم أخوته واحدا تلو الآخر واستشهدوا جميعهم .
ولم يبق للعباس شيء ثمين آخر يقدمه لنصرة أخيه سوى نفسه التي جاد بها لنصرة أخيه الحسين فحمل على جيش مدجج بالسلاح غير مكترث بعددهم وعدتهم وكأنه أسد ضاري غير مثقل بالهموم والنكبات، أينما يحمل تفر الكتائب منهزمة متقهقرة يسحق بعضهم بعضا من الفزع والذعر، فكان العباس خير ناصر لأخيه في محنته الكبرى ....
لذا مدحه الإمام الصادق بالزيارة التي رواها جعفر بن محمد بن قولويه في كتاب کامل الزيارات بقوله:
أشهد وأشهد الله أنك مضيت على ما مضى به البدرون والمجاهدون في سبيل الله المناصحون له في جهاد أعدائه البالغون في نضرة أوليائه الأثون عن أحبائه فجزاك الله أفضل الجزاء وأكثر الجزاء وأوفر الجزاء وأوفي جزاء أحد ممن وفي ببيعته واستجاب الله دعوته وأطاع ولاة أمره أشهد أنك قد بالغت في النصيحة وأعطيت غاية المجهود...».
اوووه! هذه الصورة لا تتبع إرشادات المحتوى الخاصة بنا. لمتابعة النشر، يرجى إزالتها أو تحميل صورة أخرى.