قبيل الإنتهاء من الرواية التي تمسكها بين يديها بتملك، نظرت إلى السماء الصافية المتلألأة بها النجوم التي جذبها منظرها فغاصت في بحور جمالها، وجعلت تتأمل في قدرة الله عز وجل، لكن عندما ابتلعت السماء القمر داخل كبدها، نظرت للرواية وأردفت آخر جملة، سردها الكاتب بمهارة تمس القلوب، "أن أبواب الله مفتوحة، لا يغلقها في وجه تائب، ولو كانت ذنوبه مثل زبد البحر".
" والأمل بالله في المغفرة والتوبة، سيظلا داخلنا؛ حتى اخر زفر لأنفاسنا".فقد كانت الرواية تناقش قضية مهمة، وختمها الراوي بالعلاج الصحيح، والنهاية السعيدة.
أغلقت عينيها بعد أن أدت فريضتها وانتهت باستغفار الله ذو الجلال والإكرام، ثم توجهت لفراشها الخالي، استنشقت عطر زوجها الذي يستحوذ على الوسادة؛ فحضنتها تفكر، وتفكر حتى أخذها إلى مدينة الأحلام التي فيها كل شئ مباح.مر الوقت حتى أتى نور النهار المليء بالحيوية، وبعد أن أصبحت شمس الظهيرة حامية وحارقة، صعد زين منزله هربا من لهيب الشمس، فتح باب الشقة بغضب، ومشط البيت بعين حمراء، بحثاً عنها، فلم يرها، توجه إلى غرفتها فيقول بضجر:
- فيه واحدة تنام لحد دلوقتي، النوم ده كله حرام.
فتحت عينها بفزع وهلع ترد عليه:
- و هو اللي يصحى حد كده مش حرام.
- ده أسلوبي مش عاجبك كل واحد يشوف طريقه.
ردت عليه بنبره هادئة :
- ادخل خد دش وفوق، وبعدين نتكلم.
رمقها بتحقق وهو يدخل الحمام، أراد أن يأخذ وقت يفكر جيدا، ماذا يجب أن يقوله لها؛ حتى يدمر علاقتهما.
تدخل هي الغرفة الصغيرة تخرج له منشفة، وعيناها تقع على باقي الروايات؛ التي أخذت من ثلاثتهم رواية من قبل، تسحب واحده أخرى بدون أن تقرأ اسمها ، لكنها قرأت أول سطور بها، أصابها الدهشه والغليان من وصف الكاتب الجبار، أغمضت عينها وافتتحتها بوهن تقول:
- احنا لازم نطهر البلد من الإرهاب والخونة، مصر هتفضل صامدة وقوية لحد يوم الدين.
وتغلق الكتاب وتحتفظ به، وتذهب لزوجها تعطيه المنشفة، أخذها يضعها حول خصره ويخرج ينظر على التلفزيون ويردف:
- التلفزيون ده حرام.
نظرته بنظرات حماسية وقالت بصوت مرتفع:
- الله ينور عليك أنت صح.
رفع حاجبه الأيسر بذهول، وأمسك ما قابلته يده يقول:
- والكوبايه دي كمان حرام.
تناولت من قبضة يده الكوب، نظرت اسفلها؛ وجدتها تصنع خارج مصر فانكمش وجهها بغضب قائلة:
- الله عليك يا زين، إحنا لازم نقاطع أي منتج مش مصنوع في بلدنا، بلدنا هتفضل فخر.
- والأكل ده كله تبذير وحرام.
أشار إلى الطعام الذي لم يأكل منه شئ بعد، فتوجهت تلم كل ما يفترش السفرة وهي تصفق وتصفر وتخبره:
- صح كل البذخ ده حرام، ده فيه ناس مش عارفة تاكل حتى اللقمة.
نظر إلى الطعام وهي ترفعه شزراً ووضع يده على عينه ويقول بنبرة هامسة:
- وإن واحدة تربنتينة زيك تفضل على ذمة واحد زيي حرام.
كاد أن يبكي، فكل شئ يقوله تأيده عليه وبشدة، طرق بين جدران عقله فكره، لم تتقبلها أنثى عاقلة إطلاقا مطلقا وأبلغها بثقه وغرور:
- أنا هتجوز.
- صح إحنا لازم نؤمن ونروج لتعدد الزيجات، إيه رأيك نعمل ثورة للمطالبة بتعدد الزوجات، عشان نسبة العنوسة اللي في مصر تقل، وكمان تبدأ أنت بجواز تلاتة غيري.
- نعم.! ، هو أنا كنت قادر عليكى عشان أتجوز غيرك..!
قالها بصدمة، وهي تمشي تهرول من أمامه، تنشئ صفحة على موقع تواصل إجتماعي للمطالبة ب "تعدد الزوجات" وتناشد كل شاب على أن يعدد وتطلب من كل أب لبنت بالإستجابة و الموافقة ليرحموا هؤلاء الشباب، وتدعوا البنات بالرضا والقبول؛ حتى تصبح مصر في أحسن حال.
في خلال ساعات أصبح الكثير والكثير من الشباب يأيدون الفكرة، لكن خرجت مظاهرات من الزوجات ضد الفكرة، ومظاهرات من الرجال يأيدون الفكرة، وتجمع النساء تحت بيتها وظللن يقذفن شرفتها بالحجارة ويهتفون بقول:
- ياللي ما تتسمي اقعدي واتبطي.
ياللي شايفه في نفسك عيب، هتضيعي مصروف الجيب
إنتي يا اللي عندك غل، إحنا جمال وزي الفل
يا حرباية يا مربعة الواحدة منا بأربعة
كان زين ينهار بمعنى الكلمة، وأصبح سجين داخل المنزل؛ بسبب ما فعلته زوجته البلهاء، كانت كل يوم تعود إلى المنزل بثياب ممزقة، وملامح بها آثار تعدي، وحين يتحدث إليها لا تعطي لكلامه قيمة مطلقاً، وغيرت نشاطها، وتوغلت بعمق، وتحدثت عن قضايا الفساد؛ التي تستحوذ على بلدنا الحبيبة، ودعت لندوة كبيرة مع كل فئات الشباب، حيث ارتدت قميص رجالي "كاروهات"، وبنطال جينز وعلى كتفيها وشاح فلسطيني، وأصبحت هيئتها كالمناضلة، صعدت على المنصة في وسط تصفيق وصفير حار، وبدأت حديثها بالهتاف في حب الرئيس والوطن، ثم قالت بنبرة حماس مرتفعة :
- الدولة لن تنهض؛ حتى يتم القبض على كل فاسد، علينا نقف في وجه الفساد.
قام شاب يتسأل:
- وازاي نقف قدام الفساد يا أستاذه، والبلد مليانه.
أردفت بروح ثورية تتميز بالنشاط والخفة:
- إحنا لو وقفنا كل فاسد عند حده؛ مصر هتبقى أحسن بلد في العالم كله، لأنها غنية بالثروات والخير، لكن يختلسها بعض الفاسدين فيها، لازم
نقول لأي مرتشي لأ، نحارب الأرهاب، منخربش بلدنا، ومنرميش زبالة في أي مكان، وتقول عادي ده شارع وكل بيرمي هي جت عليا، ما لو كل واحد قال هي جت عليا هتصبح البلد خراب، لازم نحافظ على بلدنا حتى تنهض، وتحترمنا كل الدول.
أيدها كل الشباب، وظلت الندوات، والمظاهرات في حب الوطن تتكاثر؛ حتى فاض الكيل بـ زين من تصرفاتها، دخل إحدى القاعات حملها على كتفه بدون نقاش، وانصرف في وسط هرج ومرج سيطر على الجميع.
حينما وصلا المنزل يخبرها بعنف هادر:
- بقولك إيه يا بنت الناس، اللي بيحصل ده إسمه وجع قلب.
- أنا فدائية وروحي ودمي ملك الوطن.
- وأنا جوزك وليا حقوق شرعية يا هانم.
- روح دور على حقوق بلدك الأول و غير من تفكيرك العقيم.
عقيم!! لما أدور على حقوقي يبقى تفكيري عقيم؟!، وهو إنتى ليه كل حاجة والعكس، منين بتتكلمي عن حقوق وبتدافعي عن حاجة، وانتى سايبة جوزك وبيتك على البحري.
- لأن البلد لو اتحلت كل مشاكلها، أنت وأسرتك هتعيشوا عيشه عمرك ما كنت تحلم بيها.
- عليكى نور، مش ممكن لما أشوف أسرتي وعيالي بتتنطط قدام عيني، ساعتها بقى أحول نشاطي وأرجع للبلد حقوقها.
- طول ما في ناس شبهك بتفكر في نفسها وأنانيين عمر البلد ما هتتقدم.
- بقولك إيه ماتعصبنيش.
- أنت بترفع صوتك عليا.
قالتها وهي تسحب مسدس من خلف ظهرها وتشد أجزاءه، رجع خطوة للخلف وعلى وجهه الخوف:
- لا طبعا مقصدش بس البلد مشاكلها كتيييييير، وأنا مشاكلي بسيطه خالص، أتجوز وأجيب عيل أربيه وأخاف عليه، ها إيه رأيك بقا...؟
قال اخر جملة وهو يسحب المسدس من بين يدها ويكمل حديثه بحدة:
- أوعي تكوني فاكرة نفسك إنك هتحرري البلد لوحدك، لا يا شاطرة فوقي.
لم تجد شئ ترهبه وتجعله يهابها ، فاستخدمت حيلة البعض يستخدمها في أي شجار:
- أنت عميل، وارهابي، وخسيس، أما كل شاب يقول هو أنا اللي هحرر البلد لوحدي، عمر البلد ما هتتقدم خطوة.
انصبغ وجهه من قوة اتهامه وأردف بحزم:
- إيه اللي بتقولي ده يا خديجة.
ردت عليه بصوت مرتفع حين إذ شعرت بأرتباكه وعرفته بنفسها:
- خديجة مين؟ أنا سامية وهفضل سامية في حب وطني.
لوح بيده وهو يقول:
- اه أنتى فعلا شكلك تربنتينة.
- بتقول إيه يا عديم الضمير والوطنية ، أنت لازم تتحبس.
ابتلع ريقه بصعوبه وشرد بعقله ماذا يحدث في أي إرهابي عند إلقاء القبض عليه وقال بتراجع وخوف:
- هو أنا عبيط أتكلم حرف كمان، روحي اعملي اللي أنتى عايزاه، و إنشالله قنبلة كده تطلعلك من تحت الأرض تفجرك ميت حتة يا مفترية.
اقتربت منه كي تأخذ سلاحها من يده وتردف وهي ترفع جانب شفتها العليا:
- أنت بتقول حاجة يا برنس.
- لا أبدا أنا نازل أحرر بلدي، ولا عندك مانع كمان.
قالها وهو ينسحب خارج المنزل، الذي أصبح عكس ما كان يرسم في أحلامه الوردية، وأصبح بالنسبه له غريب، ومصدر وجع رأسه وقلبه.
فتفوهت قبل أن يغلق الباب:
- الله عليك هو ده الكلام.
نزل إلى الشارع يتلفت حوله حتى استقل سيارته، وكان يشعر كأن السيارات تراقبه، بسبب الخوف، الذي يعتريه من كثرة اتهامتها، توجه لملجأه الوحيد صديقه محمد يبلغه :
- صوت ولا جيب لطامة كهربا تولول عليااااا، مراتي اتهبلت خلاص وشكلها هتسلمني تسليم أهالي .
- اهدا كده، وأقعد وفهمني حصل إيه لكل نواحك ده؟
- اهدا! اهدا إيه ده أنا بقيت اتلفت حوالين نفسي، وشكلي صدقت من كلامها إني خاين وعميل.
- يا عم استهدى بالله وفهمني؟!
- مراتي فجأة كده بقت وطنية، وبتهتف باسم البلد، ولما اعترضت، قالت عليا اللي ميتقلش، ووصل بيها الحال تقول عليا إني إرهابي ، بالذمة ده شكل أرهابي.
- أنت لازم تخاف من مراتك.
- من جهة خايف فأنا خايف بضمير.
ثم أكمل وهو يربت على كتف محمد:
بس استريح انت بس.
ثم ازاد بغضب:
- أنت بتستعبط يا محمد ! امال أنا إيه ؟ حرام عليك بقى، مش يبقى أنت وهي عليا.
تنهد واقترب منه، ونزع نظارته الطبية لينظفها، لتوضح الرؤية أمامه، ثم قال موضحاً :
- أقصد تخاف...
قاطعه وقال بحده وضيق :
- تحب أعمل بيبي على نفسي حالا؛ عشان تقتنع إني خايف.
أجابه بهدوء مخيف:
- تؤتؤ، تخاف بمعنى، اظهر ليها مثلا أنك سرسجي ومافيش منك أمل وشاب بايظ؛ وبالتالي هترفض تكون مع شاب بيدهور البلد، وبكده مش هتبقى إرهابي، ولا أقولك .....