يا ابتِ

15 3 0
                                    

عانقت اسران أبنها الوحيد رمكان، إن اسران أطول من إبنها القصير، إنها صامته وتمسح وجنته بهدوء، تلك النظرة.. نعم تلك النظرة التي كانت تنظر بها نحو رمكان، إنها نظرات .. إنها نظرات لم يستطع رمكان فهمها.

اسران: كيف حالك يا وحيدي
قالتها وهي تبتسم وبصوت يتملكه هدوء عظيم، لقد كانت تجلس ضامة ركبتها لبطنها، كالقرفصاء، وما زالت تمسح وجه رمكان وشعره، تجلس هكذا ليستوي طولها مع طول أبنها ليراها وتراه في مستوى واحد.

رمكان: بخير

إسران: رمكان، إنك مرهق جدًا، إنّي أرى التعب يكسو عينيك، لماذا أصبحت وجنتك ذابلة؟، لماذا إختفى بريق عينك؟، لماذا صار لون بشرتك شاحبًا؟، إن بشرتك قوية وجلدك كجلد الدببة سميك هو، لماذا ملامح التعب و الألم تكسوك يا وحيدي، إن لونك قمحي لا يشوبه شائبة، حتى أنك كنت تجلس تحت أشعة الشمس في الصيف ساعات وساعات، لكن لونك لم يحمر ولم يشبه شائبة، فمالي أرى ابني الوحيد لونه يميل للأزرق وكأنه.. كأنه جثة؟

عانق رمكان أمه بصمت

رمكان: إني في أفضل حال يا أمي، وما حل بي من ألم وتعب ليس سوى قشة

اسران: وإني أخاف أن تكون هذه القشة هي التي ستقسم ظهر البعير

رمكان: إني قوي كالجبال يا أمي، لا.. إني أقوى من جبال الشرق، إني أنا رمكان ابن الانسان أقوى من كل مخلوقات الارض

نظرت اسران نحو إبنها بخوف وقالت

اسران: لا تتكلم هكذا يا رمكان، لا يليق ببنِ الإنسان أن يدعي القوة وهو ضعيف، الإنسان مجرد مخلوق ضعيف كمخلوقات الرب..

رمكان: إني رمكان أقوى من مخلوقات الرب، لأني أنا مختار الرب، أنا ابن الإنسان أنا، أنا رمكان أنا

أصبحت اسران تحدق بصدمة بإبنها، أصبح رمكان يحدق بالزمردة الخضراء التي قد كانت متشكلة في عيني أمه، إن في عين الأم جمالًا لا يعرفه إلا الابناء.

ناحت اسران وقالت بصوت جهور

اسران: اهه يا ابتِ، اهه يا ابتِ، اهه يا ابتِ اهه، إن إبني أصبح مثل عرفان، إن إبني أصبح مثل عرفان، لماذا طلبته ليعالج إبني، اهه إن الخوف جعلني أرتكب خطيئة عظيمة.

نظرت اسران نحو ليلث التي قد كانت خلف رمكان، نظرت نحوها بنظرات حزينة وقالت

اسران: أنتِ إبنته؟، هل انتِ حفيدة عرفان؟

أومأت برأسها أيْ نعم، إني حفيدته

مدت يدها اسران لتعانق ليلث، لقد كانت ليلث تنظر نحوها بستغراب، وقالت في نفسها

ليلث: " ماذا تريد، إنها تهزأ بي.. "

إسران: "إقتربي يا ليلث، إنني أعلم ما تمرين به، إنني أعلم أن الشيطان عرفان يعذبك ويجعلك تعيشين في جحيم مستمر، إن عرفان لا يعرف إبن ولا زوجة، إنه دون ذمة وشرف، إنه يستنزف الناس ويتغذى على أرواحهم، هو يعيش فوق كل الناس، إن الناس يموتون وعرفان يعيش، لقد شهد عرفان مولد الأجداد، وقد أشرف بنفسه على حفر قبور الاحفاد، جنبا بجنب مع أحفاد الأحفاد"

قالت اسران ما سبق في داخلها وهي تنظر نحو ليلث، أن ليلث لو تتذكرون تستطيع أن تقرأ أفكار الناس الموجهة لها.. أو التي تتعلق بها، أن ذاك الفيض العظيم من الرسائل الحزينة، أن ذاك الفيض من الألم والحسرة قد جعل ليلث تتيقن أن إسران عانت من ظلم عرفان.

أطلقت ليلث العنان لصرخاتها الحزينة لقد كانت تبكي بحرقة إنها تبكي بعيدًا عن ذاك الحضن، لماذا؟، إقتربي يا ليلث إن هناك أذرعًا أعدت لك انتِ فقط، إنها تحتويك أنتِ فقط، إنها أذرع أمٍ وليست ذراع غول كعرفان، وليست ذراع غول وحشي كعرفان، وليست ذراع غول وحشي شرير ظالم قاسي كعرفان.

إنطلقت ليلث وأصبحت تبكي وهي وتبكي ثم صارت تبكي وتبكي، إن كل بكاء وبكاء وبكاء قد ذكرته يختلف في جوهره، إن البكاء ليس بالدموع، إن البكاء هي تلك الجروح، تلك الجروح التي قد كانت تكسر الضلوع وتستنزف الروح، إن البكاء زاد في الحد حتى أنه قد تشابه علينا، فنحن لم نعش ولم نقاسي ما قاسوه، إن عرفان رجل ظالم نعم.

كل ما كان يفكر فيه رمكان في هذا المنظر هو لماذا عرفان؟، هل حقا أمي تفهم عرفان؟، تعمد رمكان عدم التفكير بليلث لأنها ستشعر به، لقد فكر رمكان وفكر، هل يعرف أحد ما قاساه عرفان؟.

لماذا أمي تظلم عرفان وتقول أنه شرير وأنه ظالم، مع أنه لم يؤذيها؟، إن رمكان لا يعلم أن أمه عانت من عرفان، فالكلام الذي قالته كان بينها وبين نفسها.

اعين الياقوتحيث تعيش القصص. اكتشف الآن