شهيد

33 3 0
                                    

في وسط ذاك النياح، عشرات الناس يبكون في ساحة، في وسط مملكة العظيم سيرلج، في ساحة جلالته خارج القصر حيث يطل على رعيته، جثث بالمئات منها ما تحمل على نعوش من حديد ونحاس، ومنها ما كفن بالصوف الرخيص، ومنهم من كفن بكفن من رديم، والبعض مثل به وصلب على رايات المبجل العظيم، والقليل من صلب وعلقت رؤسهم فوق القصر.

أطل الملك على الرعية، وأرسل للدفاع عن القصر سرية، وقف أمام الجموع بحلته البهية، تاج وخواتم فضية.. وعلى جسده حُلي ذهبية، وفوق الاسطح أرسل سباعه الوفية، خوفًا من سهم يأتيه وقت التحية،  فيردى جثة ويصبح هكذا ويكون الموت له سجية، ويصبح حاله ميت كالأموات ويدفنون في الأرض كلهم سوية، قال بصوت عالي أمام البرية.

الملك: هذا جزاء من أراد بي شرًا وأذية، إني اقتله وأصلبه وأترك جثمانه فيصير بلية، وأترك البعض وأبقي بقية، وأما البقية فأقتلهم وأعذبهم بروية، أعلموا أني سيرلج ملك على هذه الأراضي حتى حدودها البرية، وأن لي سلطان على البحار يمتد حتى حدودها البحرية، وأني غفرت برحمتي الأهالي من هذه الخطية، الخيانة وأي خطية!!

أكمل الملك ترهاته بكل وقاحة وإهانة للرعية

بين ذاك الحشد شابة بعمر صغير كانت تقف وتبكي بحزن عميق، لقد كانت تنظر وتحدق بضيق، نحو ذاك المصلوب تريده أن يفيق، هو رجل لها عزيز لها وثيق، إنه والدها الكهل الرقيق، الرجل الطيب الرحيم الذي كان لها رفيق، قد مات مصلوبًا لم يَسلم من التمحيق والتمزيق.

وخلفها شاب بمثل عمرها حزين، أمسك بكتفها وقال بصوت فيه أنين

الرجل: إني معك ولن أتركك يا اسران

صمتت اسران ولم تجبه من هول ما تراه فهي تبكي وملامح الصدمة لوجهها عنوان، أن الذي على الصليب قد كان لها أعز انسان، وأصبح الآن في خبر ماضي من الزمان، وأصبح ذكره في الاذهان والألسن مسبوقا بكان، هو الآن قد كان.

صرخ أحد الحضور مطلقًا غضبه للعنان، قائلا والشر يكسوه واضح للعيان

الرجل: أنظرو لي و إسمعوا يا أبناء النفليم والانسان، أنظر نحوي يا من يعيش خلف تلك الاسوار في الجنان، أنظر إليّ يا ملك سيرلج يا شر إنسان، لقد قتلت أخي ورفعته فوق الصليب وحرّمت عليه الاكفان، فبفعلك هذا سأنزل عليك بلاء وزد عليه بلاءان، بلاء على قتله كالحيوان، وبلاء على الصلب وتشويه الابدان، وبلاء على تعريته ومنعه من الاكفان، فأما على قتله فستموت كالخرفان، وأما على صلبه وتشويه الابدان، فستعيش بساحق وماحق ومرض متلاحق طعان، ومع كل ضلع يسحق منك يمحق ركن من أركان ملكك حتى لا يبقى ركن وضلع فتهلكان، وأما عن التعرية فبعد هلاكك سيصبح ذكرك مفضوحًا في كل زمان ومكان، إعرف أن ما قيل حق وحدوثه في بِضْع من الزمان، هذا ما قلته أنا عرفان.

صمت الجموع وأنصتوا لهذه البشارة، صرخ الجموع  اَيْ نعم بحماسة، تقدم الجنود لقتل عرفان ولكن تقدم الجموع للحماية، تقاتل الجمعان فأراد العشرات الموت ليلحقوا بالأحبة، وأراد العشرات الموت للثورة، وأراد البعض الموت من الغبنة.

تقدم عرفان مع الجموع وقد أشار لإسران بالهروب، أستل عرفان السيف ودخل الميدان وقاتل وقتّل فحول الحروب، مات الجمع الغفير وأضطر البعض للهروب.

في تلك الدهاليز عانق الرجل اسران وقال

الرجل: لقد مات أهم إنسان، وأعلم أنني لست مثله أكون، لم يبقى لك أحد في هذا المكان، ولم يبقى لك قريب في كل الزمان، لكنني معك

اسران: لقد مات أبي يا إلياس فما أنت فاعل؟

إلياس: سأعيش معك بعيدًا عند عرفان

اسران: لا، لا أريد أن أرى عرفان مرة أخرى، بسببه مات أبي
قالتها اسران وأصبحت تبكي مرة أخرى

عانقها إلياس مجددًا وقال

إلياس: لقد تزوجتك وتعهدت أن أكون زوجًا صالحًا، لكن عرفان أخ لوالدك، وأخ لجدي ووالدي، لن يضرنا فهو رجل صالح

صرخت اسران وأصبحت تبكي وتصرخ في صدر إلياس

اسران: أين الصلاح فيه، إنه شيطان يا إلياس شيطاان، إن بسببه مات الكثيرون مات أبي !!

الياس: إن أباك وجدي وأبي وعرفان قد كانوا يحملون رسائل مختلفة وساروا بطرق متفرعة، لكنهم دعموا بعضهم، إن ما حدث لوالدك هو مصيره الذي حدده بنفسه، إن والدك شهيد لرسالته.

اسران: تبًا لهذه الرسالة..

أمسك إلياس بقوة بكتف اسران بغضب وقال بصوت هادئ

إلياس: إياك وأن تحتقري رسائل الرجال، ففعلك هذا جرم عظيم، أقسم أنه لو خيّر أن يموت و يعيش مرة أخرى، سيعيش ويموت من أجل نفس الرسالة ، أقسم سيموت آلاف المرات.. فليس هناك أشرف من أن تموت شهيدًا.

لقد وصلت إلى نهاية الفصول المنشورة.

⏰ آخر تحديث: Mar 09, 2021 ⏰

أضِف هذه القصة لمكتبتك كي يصلك إشعار عن فصولها الجديدة!

اعين الياقوتحيث تعيش القصص. اكتشف الآن