الفصل الثالث

701 13 1
                                    

رحلت قبل أن أسمع جوابه ، لم أكن غاضبة هذه المرة بقدر ما كنت حزينة ، مكسورة و متألمة ، لطالما كنت انسانة سلبية ، أتشبث بالأشياء بقوة ، و لا سيما بالأشخاص ايضا ، لهذا لا أملك الكثير من الأصدقاء سوى صديقتي مرام ، التي تحسدني على علاقتي القوية بزين ، كانت تظن أننا أشقاء ، كنت أخاف التعلق ، أخاف الغرباء ، لم أعرف في حياتي غير زين تربينا معا لانه لم يكن لدينا أخوة ، أتذكر انه كان لا يطيقني ، كان يتمنى لو كنت ولدا حتى أشاركه اللعب و الجنون ، و أنا لم أتهاون في تحقيق امنيته ، كنت له الأخ القريب الذي يسانده و ينصحه و في نفس الوقت كنت الأخت الحنونة التي تختار ملابسه و تبدي رأيها في كل شيء يخصه و الصديقة الوفية التي تحفظ بئر أسراره ، وجدت نفسي أتعلق به أكثر من اللازم ، لم تكن مجرد علاقة أخوية تربطنا ، بل كانت أقوى من ذلك بكثير ، و استهوت هذه العلاقة امي و خالتي حتى لا تكسرنا الوحدة و غدر الاصحاب و اغتنموا الفرصة لتوثيق علاقتنا اكثر عندما انتقلوا إلى المنزل المجاور لنا و من يومها لم نفترق أنا و زين
و اليوم ، صحيح اننا لم نفترق لكن شيء ما به تغير ، افترقنا روحيا ، أصبح يتعمد الهروب مني ، أراه مشتت ضائع ثم ما يلبث أن يصدر وجه البرود و اللا مبالاة ، وراء كل يوم يمر اتاكد اكثر من قبل انني خسرت رفيق دربي و صديق طفولتي و مراهقتي ، خسرت اخي او بالاحرى ابن خالتي

- كل عام و أنت بخير زين
- شكرا لك يا صغيرة ، كعكة البرتقال لذيذة جدا ، هي من صنعك أليس كذلك
- طبعا و من غيري ، المهم انها أعجبتك ، هيا ألن تفتح هديتك
كنت سعيدة لرؤية سعادته بهديتي المتواضعة ، كانت سمكة صغيرة باللون الذهبي في حوض بلاستيكي مزخرف ، رأيت في ملامحه المنبسطة صورة زين الطفل الصغير الذي يتحمس لأي شيء بسيط ، ابتسم لي شاكرا ، كان عيد ميلاد زين مختلف هذه السنة ، لم نمضي اليوم معا كما تعودنا ، كما وصلته كمية هائلة من الهدايا من طرف زملائه في العمل ، لاسيما زميلته الشقراء حسناء ، كانت هديتها ساعة فخمة في صندوق اسود أنيق ، تأكدت يومها مدى سذاجتي ، لم يخطئ لمناداتي صغيرة ، فانا فعلا طفلة ساذجة و صغيرة ، اهديه سمكة كانه طفل صغير و هي تهديه ساعة تليق بعمله و مسؤلياته الجديدة لن أكون في مستوى تلك الشقراء ، لست مناسبة له ، و لا لمكانته الجديدة ، كل يوم أدرك هذه الحقيقة اكثر من ذي قبل

- مبارك عليك يا صغيرة ، خالفت توقعاتي و اخذتي المرتبة الأولى كالعادة
- هل عندك شك أني أذكى امرأة في الدنيا هل عندك شك
- ههه الصراحة أشك ، فلو كنتي ذكية لم تكوني لتختاري جامعة ادارة الاعمال بدل الطب او الهندسة بنتائجك المبهرة هذه
- و ما دخلك أنت ، أنا أختار الجامعة التي أريدها و أدرس الاختصاص الذي أرتاح له
- حسنا هوني على نفسك ، طالما تريدين هذا فأنا أحترم قرارك بل أشجعك حتما و أعدك فور أن تتمي عامك الجامعي الأول بثلاث شهور تربص في الشركة التي أعمل بها طوال اجازتك الصيفية
- حقا زين
هتفت بحماس زائد تعجب هو له ، فهو حقق رغبتي قبل أن أفكر فيها اصلا ، لقد اخترت هذا المجال فقط لأنه مجال زين ، سأدرس نفس اختصاصه و اقرأ نفس كتبه ، سأتبع مشواره بالتحديد ، كنت سعيدة رغم أن نتائجي تخول لي الدخول لأي جامعة أعلى تقديرا ، لكن كنت في كامل غبطتي لاني سأتبع مسار زين
و رغم كل هذه القرارات الغريبة و المشاعر المتناقضة و الأحاسيس المختلفة لم أعترف لنفسي و لحد اللحظة بمكانة زين الجديدة في قلبي ، اخاف التفكير اصلا ، زين هو أول رجل في حياتي و طبيعي جدا أن اختصر فيه رجال العالم ، لا يجب أن اتهور بسبب مشاعر زائفة و وهم زائل ، لا يجب أن اتسرع و اهدم العلاقة الجميلة التي تجمعنا ، القناعة جيدا ، أفضل أن نكون أخوة و اصدقاء على أن يبتعد عني و يتركني ، لكن كل ما اعرفه انني لا استطيع الابتعاد عنه سأدرس و سأشتغل في نفس الشركة التي يشتغل بها ، و ساحتل مكان تلك الشقراء الحمقاء و سأجعلها تتمنى أن تلمح ضله فقط ، و عندها سأراه كل يوم و أراقبه و أشاركه كل أعماله و مسؤولياته و لن يجد حججا واهية للابتعاد عني مجددا ، سأرافقه في كل مشاريعه و سأسترجع دفئ علاقتنا قريبا ، قريبا جدا
يتبع .........

نوفيلا انا وصغيرتي تحت البرتقالةOù les histoires vivent. Découvrez maintenant