الفصل الخامس

1.6K 91 14
                                    

الفصل الخامس

رفعت "اروى" رأسها ببطء وهي مازالت تحت تأثير الصدمة، هل دفعتها هذه الحقيرة؟، ابعدت خصلات شعرها بعنف وهي ترفع بصرها لتسلطه على "شهد" التي كانت مصدومة من فِعلتها.. كيف دفعتها؟ لقد تملكها الغضب واعماها.
- اروى!!
هتفت بها "سلوى" بذعر من خلف "شهد" ومعها اثنان من زملائهم.. هرعت اليها وهي تسأل بقلق
- انتِ كويسة؟؟
استيقظت "شهد" من صدمتها وتملكها التوتر، اسرعت معهم لتساعد "اروى" في النهوض فدفعتها الاخيرة بعنف وهي تصرخ بها بثورة
- ابعدي عني.. لأقتلك
كانت صادقة، بداخلها غضب قد يجعلها تندفع وتقتلها خنقاً دون اي ذرة ندم، بينما "شهد" تراجعت للخلف بخوف حقيقي.. انها مُخيفة.
بعد لحظات تجمّع الباقي ومعهم "يونس" الذي هتف من الأعلى بجمود قبل ان تصل رؤياه للاسفل، فالتجمُّع احجب عنه الرؤية
- متجمعين لية؟
أتاح له الموظفين الطريق ليصطدم بصره بـ "اروى" المُستندة على "سلوى" وزميلة أُخرى.. تصعد السلالم معهم وهي تعرج؛ ارتفعا حاجبيه بقلق مُتسائلاً
- مالِك!
ردت "اروى" بانفعال
- الحقيرة زقتني من على السلم، عايزة تموتني
لم يفهم، من الحقيرة؟
- مين دي؟
صدح صوت "شهد" الكاشفة عن نفسها بحرج
- انا
نقل بصره لـ "شهد" الواقفة خلفهم بصدمة، هل "شهد"! حقاً!، لم ينشغل بصدمته كثيراً..رمقها بخيبة قبل يبعد بصره عنها، نظر لـ "اروى" وجدها تعض شفتها السفلية بألم كلما صعدت درجة واحدة، لذا نزل درجات السلم الفارقة بينه وبينها، طلب من "سلوى" ان تسمح له فأبتعدت عن "اروى" ليأخذ هو مكانها ويحملها بين ذراعيه وينزل بها، لم ينظر لـ "شهد" وهو يتخطاها بينما نظرت "اروى" لها وأخرجت لها لسانها وهي تطّوق رقبة "يونس" بذراعيها.
***
في المستشفى

- متقلقش، رجليها أتجزعت بس.. اسبوع وهتهدى بس المهم انها ترّيحها
اومأ "يونس" برأسه وشكر الطبيب
- حاضر، شكراً لحضرتك
تركهم الطبيب، زفرت "اروى" براحة وهي تتمتم
- ربنا سترها عليا
نهضت وساندها واضعاً ذراعه حول خصرها، قال بصبر
- ها، مستني اسمع اللي حصل
- ما انت شوفت، شهد وقعتني.. بس الحمدالله وقعتني من نص السلم
مدت ذراعها لتنظر لها بحنق
- شوف ايدي شوف، متجرَّحة ازاي؟، هتزرّق اكيد
تخطى قولها وهدر بجدية
- عايز اسمع حصل اية من الاول، مش الجزء الاخير
فتح باب السيارة الامامي لتجلس ثم استدار حولها ليأخذ مكانه خلف المقود، انتظر لثواني ثم قال
- ها، مستني إجابتِك
ظلت صامتة، مُحرجة من قول ما حدث.. قصدها بحرجها هو الإفصاح عن كلمة "شهد" لها، نظرت امامها بجمود وهي تُجيبه بإقتضاب
- ضربتها بالقلم، وليا أسبابي
طبق ذراعيه امام صدره وهو يسألها
- واية هي اسبابِك؟!
لم ترد ولا تنوي ان تفعل، هز رأسه
- انا عارف اسبابِك كويس
- والله!، اية هي أسبابي؟
ادار المقوّد دون ان يرد عليها.. يفعل مثلها.
اوقف السيارة امام العقار الذي يسكن فيه والديه، قال بجمود قبل ان تستدير "اروى" لتترَّجل
- يبقى انتِ اللي غلطانة
استدارت له بعنف وهتفت
- انا الغلطانة!!
- طب قولي السبب وأكديلي انك مش غلطانة
تنفست بخشونة، ورمقته بغيظ وقهر.. انه يراها المُخطأة دائماً، هتفت بجنون
- صدَّقها، هي الغلبانة وانا الشريرة
والتفتت لتترجل، تأفف بضيق واسرع ليترجل ويستدير حول السيارة.. كاد ان يمسك ذراعها ليساندها لكنها دفعته رامقة اياه بـ شر، تمتمت بخشونة
- هعرف اطلع لوحدي، مش محتاجة مساعدة من واحد بيسيء الظن فيا دايماً
رد بحنق
- انتِ اللي اديتيني الأنطباع دة.. مش من نفسي
اضافت "اروى" على قوله بحزم
- بس شكلك نسيت ان لو انا اللي بدأت كنت هقول، انا مش هخاف منك وهبُّص في عينك واقولك ان انا السبب وانا اللي بدأت
انهت قولها وابتعدت عنه بخطوات بطيئة حذرة، تابعها وهي تبتعد.. لم يذهب مرة اخرى لعرض مساعدته فهو يعلم انها سترفض، لكنه اسرع لناحيتها ليفتح لها باب المصعد، دلفت للداخل وقالت بإقتضاب
- ملكش جمايل عليا
ثم سحبت الباب بشيء من العنف.. فتركُّه.
ضغطت "اروى" على زر الجرس، انتظرت للحظات حتى فتحت لها "خديجة" التي فور رؤيتها لها ابتسمت بحبور.
- بنتي.. وحشـ...
اختفت حروفها تدريجياً حين انتبهت لقدم "اروى" والتي كانت مُلتفة بضمادة مرنة دون حذاءها، سألتها بقلق حين رأتها تتقدم منها وهي تعرج
- حصل لرجلك اية؟
اتسعت مقلتيها اكثر حين لمحت جرح طفيف مخفي خلف خصلات شعرها المتناثرة على وجهها، مدت يدها لتبعده وتسألها بريبة
- عملتي حادثة ولا اية؟
مزحت "اروى" وهي تدلف
- لو حادثة كنت هطلع سليمة كدة!
ثم اخبرتها
- وقعت من على السلم
ضربت "خديجة" على صدرها بفزع
- يخرابي!
ثم تفحصت ذراع "اروى".. فوجدت جروح بسيطة لا تُذكر.
- وقعتي ازاي؟
لم تقُل "اروى" الحقيقة
- اتشنكلت، كنت نازلة ومشوفتش السِّلمة فأتشنكلت ووقعت، بس الحمدالله ربنا سترها
تمتمت "خديجة" براحة ثم سألتها
- الحمدالله، بس روحتي للدكتور وكشفتي؟
- ايوة، يونس وداني للطوارئ، وقال لي الدكتور انها اتجزعت قوي بس الحمدالله ملحوقة، فأسبوع وتخف ان شاء الله
هزت "خديجة" رأسها بفهم ثم نهضت قائلة بتعجل
- هجيبلك الكحول عشان نطهر الجروح دي
سألتها "اروى" قبل ان تبتعد
- عمو اسماعيل فين؟
- نزل يتمشى وجاي
انتظرت "اروى" حتى تعود "خديجة" لتطرح سؤال اخر  بخفوت
- زعلان مني؟
ابتسمت "خديجة" وهي تهلل
- هو يقدر يزعل منِّك! دة انتِ قلبه
اتسعت ابتسامة "اروى" بسعادة وراحة، ردت بحماس
- وهو قلبي
***
عاد "يونس" للشركة، طلب من "شهد" أن تلحق به لمكتبه؛ توقفت الاخيرة امامه وهي تضم كفيها بتوتر وقلق من رد فعله، هل سيطردها؟.
- قولي الحصل بظبط، ولية وصلت الأمور لنقطة انك تزقيها من السلم!
ردت سريعاً وهي تقسم بصدق
- بالغلط زقيتها، والله
شبك اصابعه ببعضهم وهو يسألها بقوة
- اية الحصل يا شهد؟
التقطت انفاسها بقوة لعل قلبها المُضطرب يهدأ، اخبرته عما حدث بتلعثم وحرج شديد، اخبرته بالحقيقة كاملة؛ تغيرت ملامحه وأصبحت قاسية.. ذكّرتها بمقابلتها له للمرة الاولى.. بل كانت اكثر قساوة ومقتاً.
- ازاي تنطقي بكلمة زي دي؟
كان هادئاً مُتحكَّماً بغضبه رغم انقلاب ملامح وجهه وظُّلمتها، ضمت "شهد" كفيها اكثر وازدردت ريقها قبل ان تخرج حروفها بإرتباك.. تحاول ان توضح له صدقها
- خرجت مني في لحظة انفعال وغضب..
قاطعها بهجوم وهو يهز رأسه بخيبة
- دايماً كنت بقف في صفِّك، بس المرة دي انتِ غلطانة.. وغلطانة اوي كمان
اسرعت لتقول مُتنازلة
- انا ممكن اتأسفلها..
قاطعها مرة اخرى لكن بكبت
- بسببِك مُضطر اعتذر لها، عشان حطيت اللوم عليها وفي الأصل انتِ السبب
- انا..
- ارجعي على شغلك
همست بعجز وحزن..
- يونس..
هتف بنبرة اعلى قليلاً واكثر صرامة
- ارجعي على شغلك
اخفضت حدقتيها بإستسلام، لن تحاول اكثر معه.. ستتركه حتى يهدأ ويسمعها، سيفهم صدقها وعدم سوء نيتها ناحية "اروى"، تعلم انها تطاولت على الاخيرة اكثر من اللازم لكنها تشعر بالظلم، لماذا يجب ان تُعاقب بينما تعرضت لذلك واكثر من "اروى" ولم ترى الاخيرة اي عقاب! لا تعتقد انه انزعج من "اروى" وعاتبها كما فعل معها.
جلست على كُرسي مكتبها وهي تتنهد بثُّقل، تفكر حول امر الاعتذار، تذكرت في البداية حين دفعتها "اروى" على الارض.. هل اتت بعدها واعتذرت؟ لا، فـ لماذا يجب ان تصبح اكثر كرماً منها؟لماذا تتعامل معها بأخلاق وهي تعلم انها لن تتغير ناحيتها ابداً!.
فكرت بغضب تملكها مُجدداً، ألا يصلح لها ان تصبح اكثر قسوة مع من يعاملها بتلك الطريقة؟!؛ رفعت رأسها بثبات، ستُصمت صوت ضميرها، ان "اروى" تستحق ذلك، انه اضعف رد منها لِم فعلته هي بها.. لذا لن تشعر بالذنب.
نتائج ذلك ظهرت في ثوان.. ازداد شعور الظلم بداخلها، فمنذ دخولها للشركة تخلت عن مبادئها.. أصبحت تترك حقها يذهب لان عدم تركه كان سيُّحتم تركها للعمل بسبب كثرة المشاكل لذا تخطت.. لكن "اروى" لم تتركها تعمل بسلام.. ولن تفعل.
***
نهضت "خديجة" لتفتح الباب لـلطارق، قالت بتنبؤ لـ "اروى"
- دة اكيد عمِّك اسماعيل
تسارعت ضربات قلب "اروى" بتوتر، رغم ذلك سلَّطت حدقتيها على الباب؛ تمتم "اسماعيل اثناء دخوله
- السلام عليكـ..ـم
تقطعت حروفه حين وقع بصره على "اروى"، رمش عدة مرات قبل ان ينقل حدقتيه لـ زوجته ويسألها بخفوت
- مقلتيش انها هنا لية؟
- يونس جابها فجأة، اصلها وقعت من على السلم
اتسعت مقلتيه واسرع للتقدم من "اروى" دون ان يخلع نعليه، سألها بقلق
- وانتِ كويسة؟
ظهرت ابتسامتها واتسعت وهي تُجيب
- رجلي اتجزعت، بس انا كويسة
زفر براحة وهو يحمد الله
- الحمدالله
اتى ان يدعس على السجادة ليتقدم من "اروى" ويجلس بجوارها لكن صريخ "خديجة" التحذيري أوقفه
- السجادة والجزمة يا ابو يونس
تذكر انه لم يخلعها، فأبتسم مُعتذراً ثم خلعها وذهب ليجلس بجوار " اروى" ليتحدث معها ويطمئن عليها، وقد نسى ما حدث منذ ايام؛ وكم كانت هي سعيدة بذلك.
***
مساءً

نوفيلا "بين شِباكها"حيث تعيش القصص. اكتشف الآن