لعنة الخطيئة1

1.4K 23 4
                                    



الحلقة الأولى


لم أتصور بعد كل تلك السنوات أن أقابله بعد أن هربت منه وحاولت أن أهرب من حبه لكن كل محاولاتي باءت بالفشل فلم أستطع نسيانه أبدا فعشقه يسري في أوردتي وحبه يسكن روحي، هربت منه لشدة حبي له وتألمت في بعده وفاض بي حنيني و قاومت من أجله لكن يأبى القدر إلا أن يُزيد ألامي ويُعمق جراحي برؤيته مرة ثانية وهاهي عيناه تعاتبني على البُعد،ألا يعلم أني وأدت قلبي بين ضلوعي من أجله؟ ألا يدري أني عشت جسد فارق روحه عندما بعدت عنه؟ رؤيته مرة أخرى نكأت جراح القلب ولكنه لا يعلم أني تعذبت في البعد ربما أكثر منه فكلانا ضحية مجتمع لا يرحم ولا يغفر.
جلست على سرير غرفتي بالفندق وأطفأت الأنوار تركت فقط نور الأباجورة المجاورة لي وأغمضت عيناي وسرحت بأفكاري في يوم أن التقينا أول مرة كنت فتاة ضالة فقدت الأمل في كل شئ فقررت أن تنتحر، كنت أركب سيارة مع شاب ثري بعد أن سهرنا في أحد الملاهي الليلية وتناولنا عدة كئوس من الخمر وسيجارة حشيش لأول مرة في حياتي، وبينما أنا في السيارة شعرت بغثيان رهيب ورعشة تعتري جسدي ولم أستطع منع نفسي من التقيؤ مما جعل رفيقي يشعر بالاشمئزاز مني فتوقف فجأة وفتح باب السيارة ودفعني بكل قوته خارجها وهو يسبني فسقطت واصطدمت بالرصيف وعندها فقدت وعيي ولم أشعر بنفسي إلا وأنا مُمدة على سرير في مكان لا أعرفه وذراعي مُعلق بها محلول وريدي. تأملت المكان وحاولت أن أتذكر أين أنا ففشلت وحاولت النهوض فلم أستطع بسبب وهن جسمي وشعرت بالألام في كل جزء من جسدي،فاستسلمت للنوم مرة أخرى. أفقت من نومي بعد فترة فوجدت على الكرسي بجواري رجلا غريبا لا أعرفه ،ملامحه جادة بل وغاضبة، طويل القامة ، ونحيف ببشرة بيضاء وعيون سوداء ذات أهداب طويلة ، نظراتها حادة جدا، وشعر أسود قصير مجعد تختلط به عدة شعيرات بيضاء، تأملته للحظات ثم قلت:
-انت مين؟ وأنا فين؟
- أنا دكتور رامي وانت في عيادتي
-وإيه اللي جابني هنا؟
-أنا راجع من صلاة الفجر لقيتك مرمية في الأرض وراسك مفتوحة وجسمك كله كدمات، لو كنت وديتك مستشفى ما كنتش هاخلص ويمكن يتهموني أنا بإصابتك وخاصة إن ريحة الخمرة كانت فايحة منك، فقررت أجيبك هنا وأعالجك لأني دكتور عظام.
-ومين اللي غيرلي هدومي يا دكتور؟
عندها دخلت فتاة متوسطة الطول ممتلئة الجسد ، سمراء وكل ملامحها تضحك وقالت بمرح:
-إزيك يا دكتور وإزيك يا مريضة؟
فقال الطبيب بامتعاض:
-هي دي اللي غيرتلك هدومك هاسيبكم مع بعض عشان عندي شغل
خرج وأغلق الباب بعنف فقالت :
-أنا هدى سكرتيرة معمل التحاليل اللي في نفس الدور
-وأنا هدير
-لما الدكتور طلب مني خدمة بصراحة ما اتأخرتش أصله جدع ومحترم وعمره ما اتأخر عن حد مننا ، ولما قالي أنزل أشتريلك لبس وأجي أغيرلك هدومك وأشطفك وافقت ، نجلاء لطفي هو خرج وسابلي العيادة كلها عشان اتحرك براحتي ولما خلصت رنيت عليه، بس إيه رأيك مش ذوقي حلو؟ أصل طول عمري بحب اللبس وأحب أساعد الناس مالك ما بتتكلميش ليه؟
-هو أنتي سايبه لي فرصة؟ ماشاء الله عليك راديو
ضحكت واهتز جسدها الممتلئ وقالت:
-كلهم بيقولوا عني كده برضه..
وقبل أن تكمل كلامها رن هاتفها فقالت وهي تغادر:
-هامشي وأقفل الباب ورايا ولما أخلص هارجعلك مش عاوزة حاجه؟
- لاشكرا
خرجت ونظرت لنفسي وتذكرت كيف وصل بي الحال لهذا الوضع، كنت أعيش مع أبي وإخوتي الذكور الثلاثة في حياة جافة خالية من المشاعر بعد وفاة أمي وأنا في العاشرة وزواج أبي من ابنة عمه - التي لا تنجب – حتى ترعى شئوننا ولكنها كانت ترعى شئون البيت وأبي فقط أما معاملتها معنا فكان يشوبها تجاهل مُغلف بالكُره فقد كانت تحلم بالزواج من أبي قبل أن يتزوج بأمي ولكنه تزوج أمي فكرهتها وكرهتنا معها وعندما ماتت أمي كانت تلك فرصتها- بعد أن طلقها زوجها بسبب عدم إنجابها- لتتزوج بأبي وتُحقق حلمها، لكنها لم تستطع التخلص من بُغضها لنا وفي نفس الوقت تخشى غضب أبي فقررت أن تتجاهلنا بقدر إمكانها وأن يكون تعاملها معنا في حدود، فكان ذلك أفضل لها ولنا.
عشت حياة باردة خالية من كل المشاعر لكني كنت أحلم دائما بفارس الأحلام الذي يغمرني بحبه وحنانه، لكن ذلك غير مسموح به في قريتنا ولا في أسرتنا فالحب في مفهوم أبي ( كلام فارغ وهيافة بنات). شغلت وقتي بقراءة قصص الحب ومشاهدة المسلسلات والأفلام الرومانسية بجانب دراستي. ظلت حياتي مُملة وكئيبة حتى دخلت الجامعة في بنها فاختلفت تماما ورغم أني كنت أرغب في الالتحاق بقسم اللغة الإنجليزية بكلية التجارة إلا أن زوجة أبي وإخوتي حرضوا أبي على الرفض بسبب نفقاتها الكثيرة –رغم ثراء أبي- بحجة أني فتاة ولن أعمل بتلك الشهادة وأن مكاني الطبيعي البيت وقالت زوجة أبي:
-بلا علام بلا وجع قلب حوش الفلوس دي لجهازها أحسن
تحطمت أمالي على صخرة تلك النظرة الدونية ولكني استعدت ثقتي بنفسي وقررت أن أتفوق في دراستي حتى أجد عملا مناسبا وأخرج من تلك القوقعة للعمل في القاهرة حيث المستقبل المشرق أمامي.

تعرفت في الكلية على العديد من الزميلات لكن بقيت سُميه هي صديقتي المُقربة حيث أمضينا كل سنوات تعليمنا في نفس المدارس حيث تجاور قريتها قريتنا، فكنا نقضي أوقاتنا معا ونغادر معا. في أول عام تعرفت على شقيق سمية شادي وصديقه نادر – الذي تحبه سمية بجنون دون أن يعلم أحد- ورغم أنهما في عامهما النهائي ويدرسان في كلية الحقوق نجلاء لطفي إلا أنهما كانا معنا باستمرار بحجة حمايتنا. كان شادي وسيما جدا فهو متوسط الطول بشعر بني ناعم وبشرة بيضاء وعيون عسلية فاتحة وبالطبع يجذب كل الفتيات بوسامته وخفة ظله فوقعت صريعة لهواه وخاصة أنه كان يغمرني بكلامه المعسول الذي طالما تُقت إليه فكان يتغنى بجمال عيوني السود ووسعهما وأنهما كبحر حالك الظلام وشديد الغموض يرغب في خوضه ولكنه يخشى الغرق فيه، وفي بشرتي الخمرية الناعمة كبشرة الأطفال الذي يقضي ليله يحلم بلمسة واحدة لها ولكنه يخشى عليها حتى من أنامله فهي أنعم وأرق من أوراق الورود، أما جسدي فهو لم ير في روعته ولا سحره الطاغي لذا كان يتشاجر معي دائما كلما ارتديت ملابس تلتصق بجسدي بحجة أنه يغار على ممتلكاته –التي هي أنا- بحكم ما سيكون فكل ما يمنعه من الارتباط بي تخرجه من الجامعة، فهو ينتظر انتهاء العام الدراسي بفارغ الصبر حتى يتقدم لخطبتي. عشت معه أجمل قصة حب وحلمت بالحياة السعيدة في بيته ووعدته أن أتحمل ظروفه المالية البسيطة بل وأساعده حتى نتجاوزها معا وننعم بالسعادة معا كزوجين وعاشقين.
أحببته بجنون ولم أعد أتخيل حياتي بدونه وصرت على استعداد أن أدفع حياتي ثمنا لسعادته، أدمنت وجوده في حياتي وصوته ونظراته وكلمات الحب والغرام التي أسمعها منه وتطير بي فوق سحب السعادة، صار شادي حلمي بالحب الذي تحقق. انتهى العام الدراسي ونجحنا كلنا وتخرج شادي وانتظرته لينفذ وعده وخاصة أني لم يعد مسموحا لي بالخروج فلم أعد أراه فصرت كمن انتزعوا منها وليدها وهي ملهوفة عليه تتخيل سماع صوته أو أنها ترى ابتسامته، وتتوهم أنه يناديها أحيانا، كدت أجن من بُعدي عنه لكن لم يكن بيدي حيلة.
أفقت من أحلامي الوردية على عودة كريم أحد أقارب والدي من السفر بعد أن صار غنيا واشترى عدة فدادين زراعية وتركها لأسرته لزراعتها وأعاد بناء بيت عائلته بشكل حديث حتى صار شبه القصور وهو يبحث عن عروس لتملأ حياته بالأولاد فلم يجد خير من أبي ليناسبه وتقدم ليطلب يدي ووعد أبي بمهر ومؤخر كبيرين وشبكة غالية لم ير أهل قريتنا مثلها من قبل، طار أبي فرحا فمن الجنون رفض عريس مثل هذا فتلك- من وجهة نظر أبي- فرصة لا تُعوض. لم يسألني أبي عن رأيي إنما أعلن موافقته وحدد مع العريس موعد الخطبة وعندما حاولت الاعتراض صفعني حتى سالت الدماء من شفتاي وقال أنه أعطى كلمته للرجل وهذا كلام نهائي ووافقه إخوتي في ذلك فالفتاة في عائلتنا ليس لها رأي حتى في أدق شئونها، كما أنها عار يجب التخلص منه بسرعة . بكيت وحدي كثيرا فلم يكن لي من يحبني أو يرفق بي فالكل يراني عبئا ثقيلا ويسعى للخلاص مني، فقط الوحيد الذي يحبني شادي فاتصلت به وحكيت له ماحدث فسكت قليلا ثم قال:
-وطبعا لو جيت اتقدمت لك أبوكي هيرفضني ويطردني
-يعني هتسيبني لغيرك؟ أنا كنت فاكراك بتحبني وماتقدرش تعيش من غيري
-أنا فعلا بحبك وهاموت من غيرك لكن مافيش قدامنا غير حل واحد مش عارف هترضي بيه ولا لأ
-قوله
-تهربي معايا ونتجوز
-إيه؟مستحيل أفضح أهلي في وسط الناس
-يعني عاوزه تتجوزي واحد بتكرهيه وتضحي بحبنا؟
-مش عارفة أنا متلخبطة أوي
-خلاص فكري ومستني ردك بكره وعاوز تفتكر دايما إني باعشقك وهاموت من غيرك




لعنة الخطيئةحيث تعيش القصص. اكتشف الآن