لعنة الخطيئة 12

272 12 0
                                    



الحلقة الثالثة عشر


-لسه عاوزه تهربي مني؟
-كان لازم أهرب عشان سمعتك إنت وابنك
-وأهو ابني كبر أهو زي ما انتي شايفة وبقى دكتور والناس نسيت حكايتك هتهربي برضه؟
-إنت اتجوزت؟
-ماقدرتش
نظرت إليه بحب ولم أتكلم فقال:
-رقمي زي ما هو ما اتغيرش ياترى لسه فاكراه
-عمري ما نسيته
-هاستنى منك مكالمة ومش هقولك هاتي رقمك هاسيبك براحتك

أفقت من ذكرياتي على صوت اتصال من يمنى تقول:
-أنا هاجيب أكل وأنا جاية وجايبة لك معايا أوعي تنامي
-بلاش يا موني ماليش نفس
-عشان خاطري ما بحبش أكل لوحدي وسلوى أكلت مع أصحابها
-حاضر يا حبيبتي ها ستناكي وناكل سوا
-حبيبتي يا دودو
فكرت هل يمكنني الزواج من رامي الأن وأنا على مشارف الأربعين؟ وكيف سأترك الفتاتان وقد وعدت حمدي؟ وهل سيقبل رامي أن تعيشا معنا وهما ليستا ابنتيه؟ وكيف تعيشان معنا ورامي رجل غريب كما أن لديه ابن أيضا؟ أسئلة كثيرة حيرتني وكان علي أن أتواصل مع رامي حتى أجد لها أجوبة. جاءت يمنى بالطعام وجلسنا نتحدث ونأكل وحكت لي كعادتها عما حدث في يومها الجامعي وقلت لها:
-عارفة النهاردة قابلت دكتور رامي اللي كنت باشتغل معاه في اسكندرية من زمان قبل ما أشوف حمدي، كنت فاكراه مش هيعرفني لأني كبرت وشكلي اتغير بس اتفاجئت إنه عرفني ووقف يسلم عليه
-على فكرة يا دودو شكلك ما اتغيرش عن أول مرة شفتك فيها يمكن تخنتي كام كيلو بس
ضحكت قذفتها بالوسادة وقلت:
-حد يقول لواحدة إنتي تخنتي؟ ده أنا هاموتك
ضحكت وقالت:
-أنا قصدي بقيتي قمر وشكلك صغير
-أيوه اضحكي عليه
-بجد يا دودو إنت لسه صغيرة فعلا وشكلك صغير
-أنا سني 38 سنة
-وإيه يعني العمر مش بيتحسب بالسنين بيتحسب بأيام السعادة اللي بنعيشها
-أوباااا شكل كتر قراية القصص والكتب خلتك حكيمة يالا كفاية رغي كده وقومي نامي عشان عندك كلية الصبح واعملوا حسابكم بكرة أخر يوم لنا في الفندق وبعد بكرة الصبح هنسلم أوضنا ونروح شقتنا ونبدأ رحلة الأشغال الشاقة في فرش العفش وترتيب الشقة.
-حاضر تصبحي على خير
-وانت من أهله
لم تعرف عيناي طعم النوم فبقيت ساهرة أحلم برامي كمراهقة صغيرة تعشق لأول مرة وتأمل أن تنعم بالسعادة مع من تحب، وفي الصباح أرسلت له رسالة طلبت منه أن نجلاء لطفي يحدد أي موعد يناسبه لنتقابل في مقهي الفندق. اغتسلت وصليت وارتديت ملابسي وأنا أنتظر الرد ،فكل خمس دقائق أتفحص هاتفي لعل الرد جاء لكنه لم يأتِ وبعد أن وصلت للشقة وانشغلت مع العمال حتى يُنهوا عملهم جاءني اتصال من رامي بخفق قلبي بشدة وخرجت للشرفة لأجيبه فقال لي برقة:
-وحشتيني وكنت خايف تهربي كالعادة وما تتصليش
-لا عاد عندي رغبة أهرب ولا بقيت قادرة أبعد أكتر من كده ، لكن محتاجين نقعد ونتكلم سوا
-أنا عندي مؤتمر في الفندق وهيخلص الساعة خمسة يناسبك خمسة ونص نتقابل في الكافيه؟
-تمام هاكون أنا كمان خلصت
كنت أتلهف ليمر الوقت لنتقابل ، كأني عاشقة تذهب لموعدها الأول، وبمجرد أن انتهى كل العمال من أعمالهم أغلقت باب الشقة ونزلت مُسرعة فكنت في الفندق قبل موعدي وقادني فضولي لأسأل عن مكان المؤتمر وتوجهت للقاعة فوجدت رامي يُلقي كلمة عن التطور في طب العظام فجلست أستمع بقلب عاشقة وأتأمل ذلك الحبيب الذي يبدو الأن مُنهمكا فيما يقوله والشيب الذي غزا رأسه زاده وقارا وهيبة والكل يُنصت إليه تماما وفي نهاية كلمته ضجت القاعة بالتصفيق وبمجرد نزوله أحاط به صغار الأطباء يسألونه وهو يجيب في صبر وكذلك وافق على إجراء حوار مع أحد الصحفيين وبعد أن انتهى جاء الشاب الذي كان معه بالأمس وتحدثا ثم سارا سويا للخروج من القاعة فلمحني رامي فتوقف وابتسم وقال :
-هدير إيه اللي جابك هنا؟
-جيت بدري فحبيت أشوف بتعملوا إيه في المؤتمر
-وعجبتك الكلمة اللي قلتها
فرد الشاب مُندفعا وقال:
-طبعا وهو مين ما تعجبوش؟
فقال رامي بهدوءه المعتاد:
-إنت متحيز عشان أنا والدك
فنظرت إليه بدهشة وقلت:
-ماشاء الله ده مروان ؟
فقال رامي:
-دكتور مروان طبيب تخدير
-ماشاء الله الأيام عدت بسرعة
-هو حضرتك تعرفيني؟
-من سنين كتير كنت بالعب معاك لما تيجي العيادة لأني كنت المساعدة بتاعة الدكتور
-مش معقول هدير؟
-لسه فاكرني؟
-طبعا وفاكر الأيس كريم والشيكولاتة اللي كنا بناكلهم سوا من ورا بابا اللي كان مانعهم عني عشان كان خايف على أسناني من التسوس
ضحكنا معا فقال رامي:
-انتم كنتم عصابة وأنا مش عارف؟
فقلت له:
-أبدا بس كان بيصعب عليه وما كنتش باقدر أقاوم محايلته ليه
فقال رامي:
-قوليلي اتغديتي؟
-لأ
-طيب تعالي نتغدى سوا
-معلش مش هقدر لازم استنى يُمنى
فقال مروان:
-مين يُمنى؟
-أنا اتجوزت حمدي وكان عنده بنتين سلوى ويمنى، يمنى الصغيرة متعلقة بيه جدا ما بتاكلش من غيري وان أكلت مع أصحابها لازم تجيب لي من أكلها وما أقدرش أكل من غيرها وإلا تزعل، فكلوا انتم وأنا هاشرب قهوة
فقال مروان:
-قهوة؟ لأ طبعا كلمي يمنى وخليها تيجي تتغدى معانا
فأومأ رامي بالإيجاب فاتصلت بها وأخبرتها أن دكتور رامي الذي قابلته بالأمس دعاني هو وابنه للغداء وأننا في انتظارها في مطعم الفندق فقالت أنها في الطريق. دخلنا المطعم وحكى لي رامي أنه انتقل للقاهرة بسبب مرض جدة مروان ووفاتها ولم يكن هناك من يرعى مروان سوى شقيقة رامي المُقيمة في القاهرة واضطر رامي للإنتقال معه حتى لا يتركه بمفرده ولكنه ظل يحتفظ نجلاء لطفي بشقته في الإسكندرية وبعيادته التي أجرها لزميل ويذهب يومين في الشهر لمتابعة الحالات التي تحتاجه. كنت أنظر إليه وهو يتحدث وأنا مبهورة بذلك الرجل الذي يهب وقته دائما للأخرين ويمنح بلا مقابل. وجاءت يمنى لتُخرجني من هيامي به فعرفتها بهما وجلست وطلبنا الطعام وبعد انتهاء الطعام اتصلت سلوى بيمنى فأخبرتها بمكاننا فأتت ونظراتها تتفحص الجميع لتكتشف مابيننا ولكن رامي امتص غضبها بلطف ودعاها للجلوس وقال:
-وإنت بتدرسي زي يمنى إدارة أعمال؟
-لأ أنا دكتورة
-دكتورة إيه؟
-أسنان
-وبتشتغلي فين؟
-أنا لسه في أخر سنة في الكلية
فقال مروان ساخرا من عجرفتها:
-تبقي مجرد طالبة في نهائي طب أسنان مش دكتورة، لما تتخرجي وتمارسي المهنة ممكن نقول ساعتها دكتورة
فاستشاطت غضبا وقالت:
-وإنت إيش فهمك ؟
-أصلي فضلة خيرك دكتور حقيقي وبامارس المهنة
فانتفضت من مكانها وقالت بعصبية:
-أنا طالعة أوضتي هتيجي يا يمنى؟
فقال مروان مبتسما:
-هتيجي فين والأيس كريم اللي طلبناه؟
فقالت :
-اطلعي يا سلوى وهاحصلك
فانصرفت كإعصار فضحك مروان وقال ليمنى:
-أختك عصبية أوي بس إنت مش زيها
-لأ خالص إحنا مختلفين في طباعنا
بدأ بينهما حديث جانبي فقال لي رامي هامسا:
-واضح إنك قريبة أوي من يمنى
-بتفكرني بنفسي وأنا صغيرة وكان نفسي ألاقي حد يهتم بيه عشان كده حبيت أعوضها اللي اتحرمت منه
-وبيقولوا فاقد الشئ لا يُعطيه؟
-بالعكس بيعطيه أكتر لأنه حاسس بالمحرومين منه، يمكن من أسباب جوازي من حمدي كان السبب الأول بناته والسبب التاني إني هاهرب من المجتمع اللي رفض إنه يرحمني أو يغفر لي خطيئتي.
-كنتي مبسوطة معاه؟
-إنسان محترم بيعاملني كويس وكفاية إنه ما سألش عن الماضي
هنا دق هاتف يمنى حيث أصرت سلوى على صعودها للغرفة ليحزما حقائبهما فصعدت يمنى بعد أن حيتنا جميعا وقالت لرامي:
-شكرا يا دكتور على العزومة والقعدة اللطيفة
-إحنا اللي مبسوطين إننا اتعرفنا على بنت لطيفة زيك ونتمنى نتقابل تاني
-إن شاء الله عن إذنكم
صعدت وعيون مروان تتبعها ثم التفت إلي وقال:
-هي سلوى دي سخيفة كده على طول؟
فقلت:
-دي مسكينة دايما تحب تبان قوية ومُسيطرة وهي من جواها ضعيفة وخايفة تتجرح أو إن اللي معاها يسيبوها
-بس دي بتكره الناس فيها وغالبا محتاجه علاج نفسي
-أنا فعلا حاولت أقنعها بكده بس هي افتكرت إني عاوزة أجننها لأني باكرهها عشان مش أمها
فقال رامي:
-فعلا مسكينة بس محتاجة حسم أكتر من كده لأنها ممكن تضيع أختها من سيطرتها
-و ده اللي بحاول أعمله أفرملها شوية وأكون حنينة شوية والدنيا ماشية
دق هاتف مروان فاستأذن مغادرا فقال رامي :
-تعالي نطلع التراس ونشرب قهوتنا هناك ونتكلم براحتنا
وافقته وخرجنا للتراث وقال لي:
-ليه لسه مُرتبطة بالبنات رغم إنك مش أمهم وواضح إن سلوى بتعاملك وحش؟
-دول عيلتي ماليش غيرهم ومالهمش غيري، كمان وعدت حمدي الله يرحمه أفضل معاهم لحد ما يعتمدوا على نفسهم
-معنى كده هتفضلي رابطة نفسك بيهم لحد ما يتجوزوا؟ العمر مابقاش فيه كتير عشان نضيعه خلينا نتمتع باللي فاضل لنا فيه
-بس على الأقل لما سلوى تتخرج السنة دي وتشتغل
-يعني قدامنا شهرين؟ ماشي ممكن أستحمل لكن تفتكري البنات هيتقبلوا فكرة جوازك ببساطة؟
-سلوى كل اللي يهمها مصلحتها، طول ما مصلحتها معايا أبقى حبيبتها أول ما تخلص مش هتعرفني لكن يمنى هي اللي شايلة همها لا هاقدر اسيبها مع سلوى ولا هينفع تعيش معانا وخاصة في وجود مروان
-يعني برضه فيه عقبة هتعطلنا؟
-طيب إنت أخدت رأي مروان؟ يعني ممكن يقبل فكرة جوازنا عادي؟
-مروان من زمان بيقولي اتجوز حرام تفضل كده من غير جوازكمان هو قدامه سنه أو اتنين بالكتير ويتجوز عنده شقته جاهزة أول ما يلاقي البنت المناسبة هيسيبني
-برضه خد رأيه قبل ما ناخد أي خطوة
-هدير أنا مش هاسمح لأي شخص أو أي حاجة إنها تحرمني منك تاني فاهمة؟
احمرت وجنتاي وخفق قلبي بجنون وقلت بهمس:
-معقول بتحبني الحب ده كله؟
-ماتعرفيش اتعذبت أد إيه في بُعدك ودورت عليكي كتير وكنت على استعداد اتجوزك وطز في أي حاجة تانيه لكن انت اختفيتي وقلبك قدر يبعد ويقسى
-قلبي يقسى إزاي وهو ملكك؟ أنا هربت بجسمي لكن قلبي وروحي كانوا معاك فضلت أسأل عليك هدى لحد ما اتجوزت يومها بس حرمت على نفسي أفكر في أي إنسان غير جوزي، صحيح ما كانش بيننا قصة حب لكن بيننا احترام ، لكن قلبي ما حبش غير واحد بس
-مين؟
نظرت إليه وقالت العيون ما سكتت عنه الألسن ، هربت من نظرات عينيه العاشقة وقلت بارتباك:
-الوقت اتأخر ولازم أطلع أوضتي عشان أجهز شنطي لأننا هننقل شقتنا الجديدة ويمكن انشغل الكام يوم الجايين في فرش الشقة
-هتنشغلي عني؟
-ما أقدرش
-طيب هابقى أكلمك أطمن عليكي وخدي الكارت بتاعي فيه عنوان العيادة وكل أرقامي
-تصبح على خير
- وإنت من أهله.
صعدت غرفتي وبدأت في جمع أشيائي والابتسامة لم تفارق شفتاي كلما تذكرت كلماته ونظراته وكأنه مازال شابا عاشقا في العشرين من عمره. سمعت طرقات على بابي ففتحت ووجدتها يمنى التي قالت:
-لميت حاجتي ومش مستحملة القعدة مع سلوى اللي عماله تاكل في نفسها من ساعة ما طلعت وبتتخانق معايا فسبت لها الأوضه وجيت لك
-تعالي يا حبيبتي حطي ميه في الكاتل وتعالي نشرب شاي ونتكلم براحتنا
فعلت ما قلته لها واحضرت كوبي الشاي وجلست بجواري على السرير وقالت:
-البت سلوى الرخمة بتقول إنك هتتجوزي دكتور رامي وهتسيبينا
ضممتها لحضني وقلت:
-يمكن أتجوز دكتور رامي لكن مستحيل أسيبكم لأن محدش بيسيب عيلته
-هو أنتي كنتي بتكرهي بابا صحيح؟
-ليه؟
-عشان هتتجوزي غيره
-أولا بيني وبين حمدي الله يرحمه عشرة طيبة مستحيل أنساها ودليل ثقته فيه أنه وصاني عليكم وهو تعبان وماوصاش حد من اخواته، تاني حاجه سلوى هتتخرج السنة دي إن شاء الله وهتشتغل وتتجوز، وبعد سنتين هتحصليها، كل واحده فيكم هتنشغل بحياتها يرضيكي أعيش لوحدي من غير ما ألاقي حد معايا؟؟ ده حقي اللي الشرع إداهولي وجوازي بعد حمدي الله يرحمه لا عيب ولا حرام، لكن وعدي له هانفذه ومش هاتخلى عنكم وهتفضل بيننا صلة.
-معاكي حق إنتي من حقك تعيشي حياتك ومش لازم نكون أنانيين ونحرمك من حقك خاصة إنك لسه شباب وكفاية إنك قضيتي سنين شبابك تربي في بنات غيرك ، حتى دكتور رامي باين عليه لطيف وطيب، وهتتجوزوا إمتى؟
-بعد إمتحاناتكم ما تخلص لازم أطمن عليكم الأول
-ربنا يخليكي لنا يا دودو إنتي أجمل حاجة في حياتي بعد بابا الله يرحمه
-ممكن ننام بقى عشان بكرة هتزوغي من الكلية وتساعديني لأن طبعا البرنسيس سلوى مش هتسيب كليتها وتعمل حاجه بس يوم أجازتها مش هارحمها
ضحكنا معا ونامت يمنى معي وتشبثت بي كأنها طفلة صغيرة تخشى أن تتركها أمها وحدها فتضيع في ذلك العالم المجنون.




لعنة الخطيئةحيث تعيش القصص. اكتشف الآن