لعنة الخطيئة 16

480 21 21
                                    



الحلقة السابعة عشر والأخيرة


ما بتفكريش تتجوزي يا منمون؟
-في السن ده؟
-ماله السن ده؟ لا الجواز مرتبط بسن ولا هو حرام
فقالت يمنى:
-عارفة يا طنط لولا إني عارفة سنك ما كنتش أتخيل أبدا إنك في السن ده، الشباب مش سن بالعكس روح حلوة ومشاعر جميلة وحد بيعيش حياته من غير هموم
-فقالت منى:
-كلامك جميل زيك يا يويو بس مش عارفة لسه أقدر أرتبط بحد وأعيش على نظامه بعد ما اتعودت على نظام معين ولا لأ
فقلت لها:
-ماتقفليش قلبك ولو لقيتي حد كويس ارتبطي أفضل من الوحدة اللي انتي عايشة فيها
بعد عدة أيام طلب فاروق من رامي أن يتحدث مع منى بشأنه فاقترحت عليه أن نذهب كلنا للإسكندرية نقضي اليوم ونجعلهما يلتقيان ويتفاهما، فوافق الجميع وحصل مروان على يوم أجازة ليقضيه مع يمنى هناك. سافرنا للإسكندرية وذهبت لشقة منى حتى يحين الموعد بينما ذهب رامي وفاروق للعيادة لمتابعة أحوال المرضى، أما يمنى ومروان فقد انطلقا يجوبان المدينة ويستمتعان بالبحر. اتصل بي رامي في الثالثة عصرا وطلب منا أن نلتقي في أحد المطاعم على البحر فذهبنا ومنى تعاني من الإرتباك ولكني شجعتها ، وصلنا للمطعم فكانا في انتظارنا فدخلنا وتناولنا الطعام وتحدثنا نجلاء لطفي في عدة موضوعات ثم قلت لرامي:
-تعالى معايا نروح المول القريب عاوزة أشتري شوية حاجات
كانت تلك حجتنا وتركناهما بمفردهما وذهبت أنا ورامي نسير على البحر ونستمتع بنسيمه العليل، وبعد نحو الساعة عدنا إليهما فوجدنا السعادة مرسومة على الوجوه فقال رامي:
-أقول مبروك يا فاروق؟
-اسأل الأستاذة منى هي صاحبة الشأن أنا بالنسبة لي موافق وعاوز أكتب الكتاب بكرة
فقالت منى بذعر:
-لأ بكرة ما ينفعش
فقلت مازحة:
-يعني القبول موجود لكن المشكلة في الميعاد؟
فاحمرت وجنتاها فقال رامي:
-ممكن نديكم فرصة أسبوعين تتواصلوا فيها مع بعض وبعد ما تتفاهموا تبلغونا في زيارتنا الجاية الميعاد اللي يناسبكم إيه رأيكم؟
قال فاروق:
-موافق
وابتسمت منى مما أعاد سنوات عمرها للوراء وجعلتها الابتسامة تبدو شابه في العشرين من عمرها. عدنا للقاهرة وشعرت ببعض التوعك ولكني أخفيت أمري عن رامي حتى لايصيبه التوتر ولكن لما زادت ألام معدتي وشعرت بالدوار حتى أوصلتني زميلتي في العمل للبيت اتصلت بمروان فجاء واصطحبني ومعي يمنى للمستشفى لأن رامي كان يجري عملية لأحد المرضى، وبعد الفحص جاء إلينا رامي ملهوفا وقال:
-مالك يا حبيبتي؟
فقال مروان مازحا:
-ماتخافش يا دكتور الليدي كويسة لكنها مصرة تدخلني الجيش
-مروان مش وقت هزارك اتكلم جد مالها؟
-هتبقى أب تاني يا دكتور وأخيرا هابقى أخ هدير حامل
كنت مرعوبة من رد فعله فقد تجاوزنا العمر الذي يمكننا فيه الحصول على أطفال وتربيتهم، توقعت غضبه أو رغبته أن نتخلص من الطفل لكن أخر ما توقعته هو رد فعله فقد ابتسم وقبلني في وجنتي وقال هامسا:
-مبروك يا ماما
-الله يبارك فيك
اصطحبني أنا ويمنى للبيت بعد أن مررنا على الطبيبة وأعطتنا تعليماتها وبمجرد عودتنا قال ليمنى:
-الشهرين الجايين رعايتها مسئوليتك
-ماتخافش عليها دي فرصتي وجاتلي هاعمل فيها كل اللي كانت بتعمله فينا وإحنا صغيرين هاشربها لبن وأكلها سبانخ وهانتقم
ضحكنا ودخلنا غرفتنا وسألته بجدية:
-صحيح مبسوط يا رامي؟
-طبعا ربنا بعتلي رزق من عنده لازم أكون مبسوط
-أنا كنت خايفة ترفضه وتخليني أنزله
-ده يبقى اسمه كفر بالنعمة، طب أقولك سر؟ ده الطفل اللي كنت باتمناه لأنه منك إنتي
-ربنا ده رحمته واسعة وإداني كل اللي باتمناه وأكتر عمري ما اتمنيت حاجة أد إني أخلف منك طفل يربطنا العمر كله
-المهم اخدي أجازة من شغلك لحد ما الحمل يثبت وماتتعبيش نفسك
-خايف عليه ولا على البيبي؟
-خايف عليكي هو لسه ما اتعرفتش عليه
-ربنا ما يحرمني منك يا حبيبي
مكثت في البيت ويمنى ومروان يتبادلان خدمتي ورامي لا يكف عن تدليلي أحيانا وتوبيخي أحيانا لأني أرهق نفسي في شغل البيت فأنا لم أعتد الكسل. لم أستطع السفر مع رامي للإسكندرية فجاءت منى لزيارتي وأخبرتني أنها اتفقت مع فاروق على أن يتم الزواج في أخر الشهر وأنها ستنتقل للحياة معه في القاهرة ولكن في شقة مستأجرة لأن بنتيه رفضتا أن تسكن منى في شقة والدته ، فوافقت منى واستأجرا شقة صغيرة مجاورة لعيادته وطلب منها أن تأتي لتشاهدها وتقوم بأي تغييرات وكذلك لشراء الأثاث. ذهبت معها أنا ورامي واتفقا على كل شئ وفي اليوم التالي ذهبنا لإختيار الأثاث نجلاء لطفي الذي كان غرفة نوم وأنتريه وسفرة متوسطة ومطبخ صغير، أما فاروق فقد أحضر مكتبه من بيته. بدأنا في فرش الأثاث وكان دوري إشرافي لا أكثر بينما قام مروان ويمنى بمعظم العمل ولما انتهينا بعد نحو الأسبوع اخترنا لها فستانا رقيقا لعقد القران.
تم عقد القران في احتفال بسيط ضم بعض أقاربها وزملاء عملها الذي تركته لتنتقل للقاهرة، وكذلك أقارب وأصدقاء فاروق بينما رفضت ابنته الحضور لأنها ترى أن زواجه في هذا السن مثير للسخرية وكان يجب عليه أن يظل مخلصا لذكرى زوجته وتناست إحتياجه للصحبة والونس في مثل هذا العمر. انتهى الحفل وعدنا لبيتنا ولروتين حياتنا وانشغل مروان بالتحضير للماجستيركما انشغلت يمنى بكورساتها ثم عودة الدراسة فشعرت بالملل من بقائي في البيت فاتصلت بمنى فجاءت إلي وقالت:
-أنا كمان مش متعودة على قعدة البيت وما أعرفش حد هنا
-عارفة بافكر في إيه؟ بس من غير تريقة، إن شاء الله لما ربنا يرزقني بالبيبي هيكون شغلي صعب أول سنتين ومافيش مكان هيستحمل غيابي ففكرت أستقيل وأعمل حضانة منها أبقى باشتغل وفي نفس الوقت باراعي الطفل اللي جاي
-فكرة حلوة وأنا معاكي إنتي عارفة بحب الأطفال أد إيه
-يبقى محتاجين ندور على مكان ونحسب تكلفة تأثيث المكان والعمالة
-أنا أحسب التكلفة أما المكان حاولي تدوري على حاجة قريبة من هنا
-خلاص هاتكلم مع رامي ومروان وأشوف هنوصل لإيه
-وأنا هاكلم فاروق وأعمل حسابي
-قوليلي عامل إيه معاكي؟
-هو كويس بس العقربتين بناته أول ما يكلموه بيقلبوا كيان تحسي إنهم مستخسرين فيه السعادة، واضح إن أمهم دلعتهم فطلعوا أنانيين.
-سيبك منهم وكبري دماغك المهم خلينا في شغلنا
بدأنا بالفعل عمل دراسة جدوى للمشروع وبحثنا عن شقة أوفيلا صغيرة مناسبة بإيجار معقول ولكن كل الإيجارات كانت مرتفعة مما وقف كعقبة في سبيل المشروع حتى اقترحت يمنى أن تدخل معنا كشريك ثالث وأن تعمل معنا في الصيف فوافقنا وبالفعل قمنا بتأجير دور في إحدى الفلل القريبة -التي تعاني صاحبتها من الوحدة بعد زواج الأبناء وانشغالهم- وبدأنا في عمل التغييرات اللازمة واختيار العاملين ثم افتتحنا الحضانة وبعد الإفتتاح بأسبوع اضطرت الطبيبة لتوليدي قيصريا في الشهر السابع لأني أرهقت نفسي أكثر مما تحتمل حالتي، وجاءتنا حنين فتاة صغيرة جميلة أدخلت السعادة على قلوبنا. بمجرد إفاقتي من البنج حمدت الله على أنها سليمة وقلت لمروان ويمنى:
-حنين هتبقى مسئولة منكم تخلوا بالكم منها وتراعوها
فقال مروان:
-هو الواضح إنك هتخلي بالك منا كلنا لأن حنين شكلها هتربينا ، بس تعرفي إنها جميلة وصغنونة أوي
فقالت يمنى:
-أنا هالعب بيها لوحدي ومحدش له دعوة بيها
فقلت:
-هنشوف
كان رامي في قمة سعادته وعندما أصبحنا بمفردنا في بيتنا قال لي:
-أول ما قالوا لي إنك سليمة سجدت لله شكر على نعمته، كنت مرعوب تسيبيني
-ربنا كبير يا رامي ورحيم ورزقنا ببنوتة عشان تلون حياتنا بلون وردي
-ربنا يحفظكم كلكم، بعد ما كنت أنا ومروان لوحدنا ربنا من علينا عيلتنا كل يوم بتكبر
-ولسة لما مروان ويمنى يخلفوا
-تفتكري هاعيش لما أشوف اليوم ده؟
-ربنا يبارك في عمرك
-أنا موصي مروان على حنين لو جرى لي حاجه يكون لها أب وأخ
-سيبك من الكلام ده وقولي ليه اخترت إسم حنين؟
-لأنك وإنت بعيد كنت دايما حاسس بالحنين لك
-يارب ما يحرمناش من بعض تاني
كان أول عام في تربية حنين صعب جدا ولولا وجود يمنى ومنى معي لكنت انهرت لأنها لا تكف عن البكاء وتكاد لا تنام سوى 3 ساعات في اليوم، لكن كل مُر سيأتي له يوم ويمر. تخرجت يمنى وحصل مروان على الماجستير حددنا موعد الفرح وأرسلت لسلوى التي حضرت بعد أن حصلت على الماجستير وعرفتنا بماجد زميلها الأردني الذي تعرفت عليه وأراد أن يتقدم لأهلها وعندما تحدثت مع عمها رفض أن يتدخل كما فعل مع يمنى فجاءت إلينا وقالت بخجل:
-افتكرتك لما كنتي بتقوليلي إحنا عيلتك يا ترى هتقفي معايا ولا هتسيبيني لوحدي؟
-طبعا هقف معاكي ما هو انتي قدري هاعمل إيه
ضحكنا وقالت يمنى:
-قوليلي واد حليوة زي الشوام؟
-بتسألي ليه؟
-عشان نحسن النسل في العيلة يا هبلة
-خليكي في مروان بتاعك
-ميرو ده حبيبي وهيحسن نسل عيلتنا ده كفاية خفة دمه وحنيته
فقلت:
-إيه رأيك نعمل خطوبتك مع فرح يمنى؟
فقالت سلوى :
-بجد؟ وكتور رامي ومروان هيرضوا؟
-خدي شيلي البرنسيس حنين وأنا أقنعهم لك
حملتها وهي تنظر لتلك الصغيرة المشاكسة التي جذبت شعرها وضحكت فقالت لها سلوى:
-يا مجرمة إنتي فرحانة فيه والله لأوريكي
فابتسمت لها الصغيرة فقبلتها سلوى بحنان فابتسمت وأنا أرى أن سنوات عمري لم تذهب هباءا بل أنا أجني ثمار ما زرعته الأن. قابل رامي ماجد واتفق معه على إتمام الخطبة في يوم زفاف يمنى ومروان فأرسل لأهله ليحضروا معه فقلت لهم ونحن نتناول العشاء في بيتنا:
-كده ممكن نحجز الصالة المُغطاة في إستاد القاهرة عشان تقضي المعازيم
فضحك الجميع وأرادت سلوى أن تذهب لشقتهم لتبيت فيها فقال رامي مبتسما:
-إحنا بقينا عيلتك وإنتم بقيتم عيلتي وأعتقد من الطبيعي إنك تعيشي مع عيلتك الكام يوم اللي هتقعديهم هنا قبل ما تسافري تاني لشغلك مع ماجد
-مش عاوزة أضايقكم
فقلت:
-ماتقلقيش إحنا بنستغلك عشان نسيب لك حنين إحنا اللي ضاحكين عليكي
ضحكت ووافقت على أن تظل معنا حتى سفرها، لاحظت أن الغربة غيرتها وأن حدة طباعها خفت خاصة عندما وجدت من يحبها فتمنيت لها السعادة فهي مسكينة كانت تدعي الجمود والقوة حتى تداري كسر قلبها لفقدها والدتها، كانت تقول أنها لا تبالي بأحد وهي تتمزق بداخلها، وتظن أنها ستكتفي بنفسها حتى اكتشفت أن كل إنسان لابد له من عائلة يستند إليها. جاء يوم زفاف يمنى وخطبة سلوى وكنت في منتهى السعادة فالفتاتان الصغيرتان صارتا عروستان ووفيت أخيرا بوعدي لحمدي وقفت أتطلع لهما وأنا أبكي فقالت منى:
-هدير تموت لو ما نكدتش علينا
-مش مصدقة إن الصغيرين كبروا وبقوا عرايس
فقالت منى التي تحمل حنين:
-عقبالك يا صغنونة يا مجننانا كلنا
فضحكت الصغيرة وهي تعبث بحجابها وطرق رامي الباب وقال :
-جاهزين؟
-أه يا حبيبي خلصنا يالا يا بنات
تأبطت الفتاتان ذراعي رامي واصطحبهما معا وأنا ومنى نتلو آيات القرأن لنحصنهما من عيون الناس، سلم رامي كل عروس لعريسها وحمل حنين وقال:
-يا ترى هاحضر فرحك يا جميلة؟
فأمسكت بذراعه وقبلته على وجنته وقلت:
-ربنا يبارك في عمرك وما يحرمناش منك ولا من قلبك الطيب اللي مليان حب للناس كلها
-أنا مهما شكرت ربنا كل يوم مش هأقدر أشكره على نعمة العيلة اللي كل يوم بتكبر وبتملى حياتنا دوشة وبهجة وفرحة، كنت دايما باعاني من الوحدة أنا ومروان وكان وهو صغير يشتكي إنه ماعندوش عيلة ولا إخوات وأقوله ربنا هيعوضنا، وأهو ربنا عوضنا بأجمل عيلة فعلا.
-أنا كمان كنت دايما أشتكي له من قسوة أهلي وأقوله يارب مش عاوزه غير قلب حنين يخاف عليه وبعد طول حرمان بعتك ليه عشان تنسيني كل اللي فات، ربنا ما يحرمني من وجودك في حياتي.
هكذا الحياة فيها الحلو والمُر وقد يُذيقنا الزمن المُر أولا لنحمد الله عندما نتسشعر جمال حلو الأيام، فكل مًر يوما ما سيمر لكن علينا بالصبر.

تمت




🎉 لقد انتهيت من قراءة لعنة الخطيئة 🎉
لعنة الخطيئةحيث تعيش القصص. اكتشف الآن