لعنة الخطيئة 7

285 13 0
                                    



الحلقة الثامنة


حتى وصلت لمحل سكني وبمجرد أن فتحت لي المسئولة عن البيت ونظرت إلى ملابسي الممزقة قلت لها:
-إديني بس فرصة لأخر الأسبوع وأنا هاسيب المكان وأمشي
فنظرت إلي بامتعاض وكأني مُذنبة لا مجني عليها، الكل لا يرحمني ولا يصدق أني بريئة مهما أقسمت أو فعلت إنهم يدفعونني دفعا لأن أكون مُنحرفة لأحقق لهم ظنونهم. في اليوم التالي أرسلت استقالتي على الإيميل فوافق عليها رائف وأرسلها لشئون العاملين الذين طلبوا مني الحضور لإستلام أوراقي، ذهبت فوجدت محمد هو من يسلمني ورقي وقال:
-هتمشي ليه؟
-تعبت من الشغل هنا
-بس كلنا كنا متخيلين إنك والأستاذ رائف....
-لأ ما تتخيلوش هو مش هيبص لواحدة زيي أقل منه في كل حاجة، وأنا ما بافكرش في واحد مالوش في الجواز
-أنا أسف ماقصدتش أتدخل في خصوصياتك بس مستغرب
هنا دخلت فتاة سمراء متوسطة القامة وقالت:
-إيه يا محمد لسه ما خلصتش ؟ يالا هنتأخر على ميعادنا
ونظرت إلي وقالت:
-مش إنت برضه هدير اللي الشركة كلها بتتكلم عن حكايتها مع المدير؟ أمال ماشية ليه؟
-عشان أديكم فرصة تتكلموا أكتر وتتخيلوا أحداث أكتر ، حضرتك عاوز مني حاجه تانية يا أستاذ محمد؟
-لأ شكرا اتفضلي ده كل ورقك وباقي مستحاقاتك في الخزينة
تركتهم وخرجت وسمعتها تقول:
-لازم زهق منها
فقال محمد بحدة:
-واضح إني هاغير فكرتي عنك وهافكر في موضوع خطوبتنا ده من تاني
ابتعدت مسرعة فلم أعد أطيق المزيد من سوء الظن وانصرفت بعد أن حصلت على مستحقاتي المالية لأتجنب المزيد من النظرات والهمسات. ذهبت لبيت المغتربات نجلاء لطفي وسددت كل ماعلي من مال وجمعت أشيائي وغادرت للإسكندرية وطوال الطريق وأنا أفكر في مستقبلي كيف سيكون فاكتشفت أني سأٌقابل بسوء الظن في كل مكان فقررت أن أسير في الطريق الذي يدفعونني إليه على الأقل سأحقق المال ولن أشعر بالآسى لأني مظلومة، فمهما بذلت من جهد لأكون شريفة فهم مصممون أني مُذنبة إذا فلأكن كما يظنون.
سافرت للإسكندرية واستأجرت شقة مفروشة وعندما حل الليل ارتديت فستانا أسود يلتصق بجسدي ووضعت الكثير من المساحيق وبحثت على النت عن أفضل ملهى ليلي وتوجهت إليه وبمجرد جلوسي على البار جاء إلي شاب خليجي وتبادلنا معا بضع كلمات ودعاني لأحتسي معه خمرا فوافقت ثم رقصنا معا ويداه تعبث بجسدي ولم أمانع وعندها عرض علي أن أقضي معه السهرة بمقابل مادي فوافقت فاصطحبني لسيارته وفي الطريق أعطاني سيجارة فتناولتها وبعد أول نفس بدأت أسعل بشدة وشعرت بغثيان ولم أتمالك نفسي فقد غلبني القيء فشعر بالاشمئزاز مني وسبني وتوقف وفتح باب سيارته ودفعني منها. وها أنا اليوم أبدأ حياة جديدة في مكان جديد ترى ماذا تُخبئ لي؟ وهل حقا هذا الطبيب يعالجني بلا غرض؟ لا أعتقد لقد علمتني الدنيا أن كل شيء بمقابل، وبمجرد أن يعرف حقيقتي ستظهر أغراضه.

بعد أن أفقت من ذكرياتي المؤلمة سمعت طرقات على الباب فاعتدلت في جلستي فوجدت الطبيب يدخل فقلت له:
-متشكرة على اللي عملته معايا بس أنا لازم أمشي
-هتروحي فين؟
-شقتي
-إنت إسكندرانية؟
-لأ
-وطبعا عايشة لوحدك لأن محدش إتصل ولا سأل عليكي
-فعلا
-وبتشتغلي إيه؟
-ولا حاجة بادور لسه على شغل
-الحالة اللي لقيتك عليها وطريقة لبسك والخمرة اللي كانت ريحتها مالية لبسك بتقول إن حياتك مش مظبوطة
-ما تخلينا نتكلم بصراحة وتقولي عاوز مني إيه؟ أو تسيبني أمشي
نظر إلي بغضب وقال:
-ولا حاجة أنا بس كنت با حاول أساعدك لكن واضح إنك مبسوطة بحياتك لو عاوزه تمشي اتفضلي مش هامنعك
- هتساعدني مقابل إيه؟
-بدون مقابل
-الدنيا علمتني إن كل حاجة ولها تمن
-واضح إن الدنيا قسيت عليكي كتير
-أوي وعلمتني كتير
-عموما امشي ولو احتجتي أي حاجة أنا موجود واعتبريني صديق مش أكتر
-شكرا لكل اللي عملته
انصرفت وقابلتني هدى وقالت:
-رايحة فين؟
-راجعة على شقتي
-إنتي ساكنة فين؟
-في شقة أجرتها في ميامي
-ودي هتسددي أجرتها منين؟
-لما أشتغل
-اسمعي عندي واحدة قريبتي بتأجر أوضة في شقتها وسعرها معقول تحبي أكلمهالك؟
-ياريت أهو لحد ما ألاقي شغل تبقى فلوسها حنينة
-طب ليه ما قولتيش لدكتور رامي إنك عاوزة شغل؟ ده بيدور على مساعدة له
-بس أنا دراستي إدارة أعمال يعني ما أفهمش حاجة في الطب
-هو عاوز واحدة تنظم مواعيد العيادة وترد على التليفونات تستقبل الناس أهي حاجه مؤقتة لحد ما تلاقي شغل كويس تحبي أكلمه؟
-مش عارفة سيبيني أدور لأخر الأسبوع ول ما لقيتش إبقي كلميه، خدي رقمي معاكي
وأمليتها رقمي وأخذت رقمها وودعتها. بحثت عن عمل كثيرا ولم أجد فاتصلت بها في نهاية الأسبوع بحجة الإنتقال عند قريبتها لأوفر إيجار الشقة فسألتني عن حالي فأخبرتها أني لم أجد عملا بعد فقالت لي أنها تحدثت مع دكتور رامي ووافق وأنها ستمر علي بعد إنتهاء عملها لتصطحبني لأرى شقة قريبتها فإن أعجبتني أنتقل إليها غدا. ذهبت معها ووجدت الشقة متواضعة نجلاء لطفي في كليوباترا ولكنها قريبة من الترام ، وهي مكونة من غرفيتين وصالة وحمام ومطبخ وأثاث الغرفة لا بأس به وإيجارها بسيط لكن أكثر ما أعجبني هي شخصية منى صاحبة الشقة فهي إمرأة بشوش تجاوزت الثلاثين بعدة سنوات ولم تتزوج وتعمل أخصائية اجتماعية وتؤجر شقتها لأنها تبحث عن الونس قبل المال. وافقت على السكن معها وأحضرت أشيائي في اليوم التالي وذهبت لعيادة دكتور رامي في الموعد الذي حدده فقلت له:
-أنا بادرس تجارة وعندي فكرة كويسة جدا عن استخدام الكمبيوتر وفكرتي عن الطب لا تتجاوز إني أطهر جرح سطحي
-أنا محتاج مساعدة أو سكرتيرة تنظم المواعيد للناس وليه لأني باحضر محاضرات ومؤتمرات وأوقات كتير المواعيد بتدخل في بعضها ولأني بانسى فمحتاج حد يساعدني يعني شغلك مالوش أي علاقة بالطب
-كده اتفقنا
-مواعيد الشغل هتكون من 3- 10 مساءا والمرتب عاوزه كام؟
-اللي تشوفه مناسب
-أوك مش هنختلف
بدأت العمل معه وكان أول اقتراحاتي تحويل ملفات المرضى الورقية لملفات على الكمبيوتر لسهولة التعامل فوافق وبالفعل عملت على كل الملفات ووضعت له على جهازه نسخة منها مما سهل عليه متابعة حالة كل مريض لديه. وجدت في رامي رجلا مختلفا عن الأخرين وعرفت من هدى أنه على مشارف تجاوز الخامسة والثلاثين وأنه أرمل ولديه ولد واحد مروان الذي تُربيه جدته لأمه لأن رامي رفض الزواج بعد زوجته التي كان يعشقها. ورغم أنه أرمل منذ سنوات إلا أنه معروف عنه أنه رجل مُحترم جدا ويخاف الله في كل تصرفاته كما أنه طبيب عظام ماهر والكل يشهد بكفاءته. عملت معه لمدة عام وفي كل يوم أرى فيه رجولة وأخلاق لم أرها في حياتي، ولمست في قلبه طيبة وتواضع في تعامله مع الجميع كذلك كان يُعفي الكثيرين من دفع ثمن الكشف وخاصة ممن يعملون معه في المستشفى أو في العيادات الأخرى بالعمارة، تعلمت منه الكثير وأكثر ما تعلمته منه قربه من الله فلم يكن يترك الصلاة أبدا ولم يكن تدينه في عباداته فقط بل كان يترجم ذلك لسلوك فحرصت أنا أيضا على صلاتي وقررت أن أعود لحجابي فشجعني على ذلك.




لعنة الخطيئةحيث تعيش القصص. اكتشف الآن