الفصل| 34

6K 608 981
                                    

أحيانًا يغوينا الاستِسلامُ بالرَّخاء العذبِ الَّذي يغترفه بينَ كفَّيه، ونحنُ ظمأى في بيداء الصَّبر، لا ندري أينَ المفرُّ مِنها، وإلى أيِّ حدبٍ سيؤولُ بِنا المَطاف

اوووه! هذه الصورة لا تتبع إرشادات المحتوى الخاصة بنا. لمتابعة النشر، يرجى إزالتها أو تحميل صورة أخرى.

أحيانًا يغوينا الاستِسلامُ بالرَّخاء العذبِ الَّذي يغترفه بينَ كفَّيه، ونحنُ ظمأى في بيداء الصَّبر، لا ندري أينَ المفرُّ مِنها، وإلى أيِّ حدبٍ سيؤولُ بِنا المَطاف. يُغوينا بالأفرِشَة الوَثيرة المنبسِطَة على أرضِه، توسوس للأجساد الَّذي ضاقَت ذرعًا مِن قِتال المُستَحيل بالهُمود، فنذوِي مِثل الزُّهور في مرجٍ هجرَه ربيعُ الحياة، ونتساقَط على الثَّرى، لأنَّنا ما عُدنا قادِرين على إعالَة الصُّمود فُرادى، لتضمحلَّ الرَّغبةُ فينا رويدًا رويدا، لن تُنعِشنا قطراتُ الأمل، حتَّى وإن صبَّت علينا مِن جديد. يُغوينا بالغِنى الكامِن في الاستِغناء عمَّا يُؤرِّقُنا ليلًا.

الحبُّ هُو نجل الحَرب الأنيق، مِثلُها لا يشترط فيه طرَفين، يكفي طرفٌ واحد، تلوكُ ألسِنة بعضِه بعضَه الآخر بداخِله، وتكتُب على جسدِه الرَّدى شيئًا فشيئا. الحبُّ يُبيح الخِداع إن كانَت الغنيمة تستحِقّ، مِن ثمَّ يأتِي الضَّمير، إلى مَن كانَ ضميرُه حيًّا، ويفرِض عليه غرامةً مِن النَّدم. الحُبُّ يغسِل الأدمِغَة مِن المَنطق، ويفرِش مكانَه الحمق، ففي مُجتمِعه المَنطِق دنس. مهما تربَّص بنا الخُسر في نِهايتِه نخوضُه. وبينما تتلذَّذ الحرب باحتِساء الدِّماء، يهوى الحبُّ تسوُّكَ الخفقات المُرَّة، الَّتي تندلع مِن الأفئِدة المُدنفَة، لفرطِ ما تجشَّمت!

كثيرًا ما فكَّرت في مُصافحَة الحقيقَة الَّتي مدَّت يدَها لي مُنذ أمَد، والإمضاءِ على الاستِسلام بدمعَة، إذ كُنت الطَّرفَ الوحيدَ في حربٍ عاطِفيَّة، استَهلكت كامِل ذخائِري، دونَ أن أُحدِث في صدرِ غريمي ثُلمًا، مِن شأنِه أن يُمرِّرني إليه خِلسَة.

شعَرت بالوَهن، إذ نذرتُ له كياني، وما لقيت مِنه ثوابًا، يروي تعطُّشِي لامتلاكِه. ذلِك ما راوَدني حينَما أنَّبني، لأنِّي فديتُه بحياتِي، بلا توان. تذكَّرت الأمسيَة الماطِرة الَّتي أطَّرت عقدَنا الحُلو، وكيفَ نهرَني لأنِّي لاحَقته في الأرجاء مُطالبةً بمقعدٍ لي فيه، خِلت أنَّنا تقهقرنا في الزَّمن إليها، وما كُنت لأتمكّن مِن تكبُّد العَناء ذاتِه في استِمالتِه مرَّة أخرى، كأنَّ جُلَّ ما عِشناه سلفًا اندَثر.

جسَد || Bodyحيث تعيش القصص. اكتشف الآن