الفصل| 33

5.6K 598 630
                                    

النِّسيان جبلٌ باسِق، التسلُّق إلى صهوتِه بلا مُعدَّات عسير، لاسيَما وإن اعتَرضَ ودقُ الماضي على الفَلاح، وكُلَّما كادَت الأيادِي تتمرَّغ على ثَراه، لفَظها إلى أسفل سافلين، دون رحمَة

اوووه! هذه الصورة لا تتبع إرشادات المحتوى الخاصة بنا. لمتابعة النشر، يرجى إزالتها أو تحميل صورة أخرى.

النِّسيان جبلٌ باسِق، التسلُّق إلى صهوتِه بلا مُعدَّات عسير، لاسيَما وإن اعتَرضَ ودقُ الماضي على الفَلاح، وكُلَّما كادَت الأيادِي تتمرَّغ على ثَراه، لفَظها إلى أسفل سافلين، دون رحمَة. ولأنَّه غايةٌ لا تُدركُ أحيانًا، نتبنَّى التَّناسِي، وبدَل التَّفانِي، نحيدُ نحوَ التَّوانِي، سائِمين مِن السَّقطات الَّتي هشَّمت المآقي فتناثَرت في الألباب لُؤلُؤًا.

أنا الَّذي خِلتُني مُنزَّهًا عن انكِسارات الآدميِّين، كما لو أنِّي مُنزَّل بفُؤادٍ صلد لا يئِنُّ مَهما طرقَته الويلات. بيني وبينَ العَواطِف هاوِيات، ما مِن جُسورٍ تصِل ضفافَها ببعضِها البَعض، وكُلُّ ما يذرُّ مِن ذكريات ينهار إلى قاعِها اللَّامُتناهي. أدركتُ مُؤخَّرًا أنَّها مُجرَّد مُعتَقداتٍ باطِلة، أشعلتُها حينَما اشتدَّ زمهرير الألَم بداخِلي، لأتدفَّأ في موسِم الخَيبَة الَّذي لم يرحَمني، موسمٌ خمَدت فيه قنادِيلي فجأة، ورغمَ أنِّي مُعتادٌ على الدُّجى، فالخُمود مِن بعدِ توقُّد، أعسَر مِن الميلادِ بينَ أحضان البَرْد ودَندَنة البَرَد، أو تذوُّق علقَم الفقد!

تهرَّبتُ مِن ضرائِب النِّسيان لأنَّها باهظة، حتَّى وإن سدَّدتُها على أقساط، لقضيتُ الدَّهر رهنًا للماضي المَوبوء؛ لا أقسى مِن ذِكرى كانَت في زمنِ الرَّخاء حُلوة، تشوَّهت ملامِحها حينَما صلَتها الخيبَة، وذاعَ مِنها كيرُ النَّدم الخانِق. ما أزالُ فوضى صامِتة، مِثلَ سماءٍ تعرَّضت لغزوِ سحائِب رماديَّة، زحَفت فيها دونَ غوغاءٍ تُنبِّئها عنها، لتقمعها قبلَ أن تسود، وتحتَ كُتلٍ مِن الكِبرياءِ رُدمت، إلى أن بَعثَت لي إمداداتٍ عاطِفيَّة، أسعَفتني ريثَما أقيمُ عُمرانِي مِن جديد، واختَزلت خسائِري، رغمَ أنِّي شيَّعتُ مُهجَتي إلى العَدم مِن قبلِها!

أحيانًا يُعمِّر ضبابُ الحيرةِ لأمد، ثم ينقشِع مِن تِلقاءِ نفسِه، فنرتكِن إلى رصيفِ الانتِظار، حتَّى يصفَى الجوّ، كي لَا نقعَ فريسةً للمُنعَطفاتِ الفِكريَّة الحادَّة، وأحيانًا يُعمِّر للأبَد، إن لم ننزَح عن نِطاقِه طواعِية، فسَنبقى أبَد الدَّهر أسرى لذاتِ اللَّحظَة الآسِنة. كذلِك علِقت في محطَّة صامِتة، مِثلَ البَرزخ، لا أنا حيٌّ فيها ولا أنا ميِّت، بالِي ينضَحُ بالصَّدى، صدًى أبيتُ الإصغاءَ إليه، وبينَ تمديد اعتِقالِها وإعتاقِها، تُهت غيرَ قادرٍ على حَسم قَراري، ما اختَمرت الرَّاحَة بجوف أضلُعي البتَّة، طوالَ الفَترة المنصرِمة، وما عاقَرتُ مِنها كأسًا.

جسَد || Bodyحيث تعيش القصص. اكتشف الآن