الحُبّ مُنافقٌ كالذَّاكِرة، يتملَّق الأفئِدَة ساعات الحبور بدقَّاتٍ شاعريَّة، مِثل قصيدة تقرُّ لها الأجفان وتخرُّ رانِية، وساعات الشَّجن ينقلِبُ عدوًا يسلخُ القلوب بجور، كما لو أنَّ الحِقد تربَّى بداخِله في عصرِ الازدِهار وما اقتدر على الثَّوران.
لطالَما تخمَّر الرَّخاءُ في براميلي، فجَرى الزَّمن بطلاقَة، وما إن انتَفى عن دِياري، حتَّى غصَّ بالغُربَة، وما اقتَدر على المضيِّ قُدمًا، وها أنا ذا عالقةٌ في عُبابِ الشَّوق، حولِي عُجاجٌ خانِق مِن الذِّكريات، تزيدُني جوعًا للِّقاء. الذَّاكِرة هِي الجاسوس الَّذي دسَّه الألَم في كُلِّ نفس، على مدرَّجات التَّفاخُر تهتِف لنا، كُلَّما تغلَّبنا على مِحنَة، وتقوِّتنا مِن فاكهةٍ شهيَّة أيَّانَ الوِصال؛ كُلَّما استَلقينا على مرجٍ مِن الهَوى، وحينَما يغزو السَّوادُ أراضِينا، وتدقُّ الهزيمَة أركابَنا بالثَّرى، تلتقِط سياط اللَّحظاتِ البهيجَة سِلاحًا، لتشتقَّ دمعَ القهرِ من مآقينا، لحظاتٌ نعلمُ جيِّدًا أنَّنا لن نَعيشَها مرَّة ثانية، وتُلاحي موطِنها كما لو أنَّها ليسَت مِنَّا!
أمَّا الحبُّ؛ نُدفةُ الثَّلجِ الّتي تهبِط على جِراحَنا ضِمادةً أمينَة، في البُعاد يغدو نارًا مُستعرة، غداؤُها القُلوب الَّتي نضَجت تحتَ شموسِه الحارِقَة، شهيَّةً كاشتِياق، وبلقمةٍ واحِدة تلتهِمها، في عُصورِه الذهبيَّة يجودُ بمحاصيل مِن الأنس، حيثُ تهتِن الوعودُ مِن سحائِبه البيضاء كعَذراء، كثيرًا ما ننسى أنَّ عصُورَه المُظلِمة أقسى مِن تِلك الَّتي تحدَّث عنها التَّاريخ، إذ يلثِّم طاعونُ الصَّبوة كُلَّ خفقةٍ تُنجبِها الألباب، فتتداعى الأجساد محمومةً بالشَّجن، وخلالَ ثوانٍ وجيزةٍ يسودُّ الرَّباب عيونَها، وتذرِف مهلًا يكوِي الوَقت، وأقدامَه الحافِية.
أليسَت الذَّاكِرة والحبُّ شريكين في الغدر، لا يرحَلان بل يتحيَّنان اللَّحظةَ المُناسِبة للهُجوم، وما نحنُ سِوى ضَحايا بُهِروا بثَراءِ الشُّعور، وما أدركوا الثَّمنَ الَّذي قد يُكلِّفه الحُبّ مِن الشَّوق، حينما ينزحُ بعدَ إتمام مهمَّته، وتفيضُ الذِّكريات حامية كالغساق، ففي الغِيابِ عمَّن اجتَباه القلبُ نصيرًا له، تصير كلّ حِرفة حُرقة، وكُلَّ لمعةٍ لوعَة.
أنت تقرأ
جسَد || Body
Fanfictionحقيقةُ ما حَدث ليلتَها مدفونةٌ في جسدٍ لا أدري كيفَ حططتُ عليه، ولا كيفَ أعثُر عليه مُجدَّدًا، الدَّليل الوحيدُ بجيبِ ذاكرتي رائحةٌ باهِتة، خِلتُ لوهلةٍ أنَّها رائحةٌ الجنَّة! ● بيون بيكهيون. ● كانغ سايا. من مواليد: 05-06-2020 Cover by: @DaniaDeLuz5