°°دُمية مُطرزة بالحُب°° —الجُـزء الثـانـي—
"الفـصل الثاني والسبعون""كأنه كُتب علينا العيش هكذا، معلقين في منتصف الأشياء كلها.. لا نحب ما يحدث، ولا يحدث ما نحب."
_______________________________________
ما يحدث الآن بين أروقة الغرف من تبادل الأطباء للأدوار والأماكن، كان مستثيرًا لمخاوف "يزيد" التي تضاعفت بشدة، خاصة بعدما رفض الجميع الإدلاء بأي معلومة قد تُفيد عن حالتيهما.
راقب الطبيب المساعد شاشة عرض المؤشرات الحيوية لـ "ملك"، بعينان يفيضان بالخوف والترقب في آنٍ، فرك أصابعه بشئ من التوتر، وانتقلت عيناه القلقة نحو رئيس الأطباء الذي لم تقل حالتهِ عنه، وقال إنذاك :
- الوضع مش مبشر خالص يادكتور، هنعمل إيه ؟.
فرك رئيس الأطباء صدغهِ بتحيرٍ تجلى على ملامحهِ، وبرر سكون حالة "ملك" وإضطراب ضغط دمها بـ :
- الجسم بياخد وقت عشان يتكيف مع أي عضو جديد دخل للجسم، اللي فعلًا مش طبيعي هي حالة المُتبرع، اللي المفروض يكون فاق بقاله ساعة!
قبض الطبيب على أصابعهِ شاعرًا بمزيج من القلق والتردد، ثم أردف بلهجة آمره :
- شوف بسرعة وضع الدكاتره هناك إيه، خلينا نعرف الآشعة أظهرت إيه.
- حالًا.
وهمّ الطبيب المساعد موفضًا للخارج، منتقلًا لغرفة الحالة الثانية، ولكنهُ دُهم أثناء ذلك، حيث استوقفه "يزيد" وتعابير وجهه المتجهم قد أسترعت على وجهه، وسأله بحدة ناسبت تمامًا تخوفهِ المفرط :
- في إيه يادكتور ؟ عمالين تتنقلوا من هنا لهنا كأن في حاجه ومخبينها!
فلم يُفضي الطبيب بما يحدث على الفور، مُحبذًا التأكد من استقرار الحالة أولًا، وتوصلها لنقطة جيدة، حينها تتاح الفرصة له للشرح وبإستفاضة:
- مفيش حاجه، لسه الأوضاع مش مستقرة، عن أذنك.
كاد يلحق به لولا تدخل "نغم"، ووقوفها حائلًا مانعًا أمامه وهي تردف :
- مش قالك لسه مفيش حاجه يايزيد؟ رايح وراه فين!؟ خليهم يشوفوا شغلهم.
ما كان منه إلا إنفعالًا طاغيًا منه عليها، بدون عمدٍ، متأثرًا بهواجسه المريبة، حيال حالة شقيقهِ التي بدت متعثرة :
- إنتـي مرتاحة أوي يـعني للي بيحصـل! مش شايفة الهرج اللي كل فيه! ؟.
ونفخ بتذمر وهو يتابع :
- أكيد حصلت حاجه!.
عضت "نغم" على شفتيها، وأطرقت بصرها لأسفل مستدعية ثباتها الكاذب، لتبدو أكثر تماسكًا، على عكس ما تحملهُ نفسها :
- ربنا ما يجيب حاجه وحشه يارب!.نظر الطبيب لآشعة المُخ المقطعية، التي وضحت بشكلٍ تفصيلي مدى تطور حالتهِ الدماغية. ازدرد ريقهِ بتوجس، وغمغم محاولًا تخمين السبب وراء ما يحدث لـ "يونس" :
- في حاجه مش عارفين نوصلها!.
ثم نظر بإهتمام شديد نحو إحدى الصور المقطعية الأخرى مسترعيًا جمّ تركيزه، حتى أثار شيئًا انتباههِ. دقق بصرهِ جيدًا، وانشغل عقلهِ بتحليل ذلك التخثر الذي يراه واضحًا جليًا، اضطربت أنفاسهِ بقلقٍ ملحوظ، وقال بشئ من الوجل :
- مُـصيبة!!. في بروتينات في بلازما الدم اللي واصلة للمخ جالها تجلط.!
وهبّ واقفًا من مكانهِ أمام الشاشة، وقد ارتفعت نبرة صوتهِ المذعور :
- إحـنا كده هنفقد المـريض، ده ممكن يُصاب بسكتة دماغية في أي لحظة.
لحظة واحدة، شكلت فارقًا في مدى تفهمهم لوضعيتهِ الحرجة. ركض كلا منهم ساعيًا للوصول السريع إلى رئيس الإطباء، لإعلان ضرورة التدخل الفوري لإنقاذ الحالة، وفي هذا الوضع كان وجوب إبلاغ "يزيد" حتميـًا ولا يقبل النقاش أو التفاوض، فقرر الطبيب المسؤول عن التخدير توضيح الصورة كاملة، عن السبب الرئيسي الذي أدى بالحالة إلى ذلك المُنحدر، وبدون اسـتيفاء.
الأمر جلل، مُتعاظم الخطورة، وهذا ما جعل "يزيد" تثور ثائرتهِ، حيث لم يرى بأم عينهِ، سوى حياة شقيقه التي على المحاف.
طرحهُ "يزيد" أرضًا، بعدما دَحرهُ بعنفٍ مفرط، وسدد له ضربة مُبرحة، عقب تفسير الطبيب له، والذي حممّ الدماء في رأسهِ باندفاعٍ أعمى ليتغلب عليه تهورهُ وجنونه إنذاك.
تهدجت أنفاسهِ، وصاح بصوتٍ مكلوم والغضب يتطاير من بين نظراتهِ المتأججة :
- يــعـني إيـه خــطأ في التـخـديـر. !؟.
تدخل رئيس الأطباء ليحول بين "يزيد" الذي تحول لمجنون حرفيًا، وبين طبيب التخدير الذي زحف على الأرض محاولًا النهوض عنها، وأردف برسمية وسطية :
- إهـدا وكل حاجه ليها حل، ده وارد جدًا يحصل في أي عملية جراحية، جرعة المخدر كانت زايدة عليه، وده أدى للتخثر، لكن هنقدر نلحقه بعون الله.
لم ينفد رئيس الأطباء من "يزيد"، بل كان له دورًا هو الآخر، كونهِ أشرف على عملية النقل الجراحية بنفسهِ. فقبض "يزيد" إلى تلابيبهِ بعنفٍ، وصاح بإهتياج في وجهه :
- مـتـقولـيش إهـدا!.. أنت هنا بتكلمني عن حياة أخـويا!.
حاول الطبيب المساعد جاهدًا، التدخل بين "يزيد" ورئيس الأطباء، حتى نجح في التفريق بينهما وهو يحثهم على ضرورة التدخل السريع :
- إحنا كده بنخسر وقت ياأستاذ يزيد، من فضلك تساعدنا، الوضع ممكن ميكونش خطير للدرجة دي، لو أتدخلنا في الوقت المناسب.
فتدخل رئيس الأطباء بدورهِ قائلًا :
- دلوقتي بيتم تجهيز أوضة العمليات، وهيتم حل الوضع حل جذري، وإن شاء الله الباشا يقوم بالسلامة، ميكونش عندك أي قلق.
أشار له "يزيد" مُحذرًا، بلهجة شديدة القوة :
- لو ده محصلش، أنا ههد المستشفى دي على راسكم، هأوريكم يعني إيـه خطـأ بجد.
وطفق ينظر بنظراتٍ ملتهمة لطبيب التخدير، الذي تسبب في تلك النائبة، بينما نكس الطبيب رأسهِ في حرج، غير قادر على مواجهتهِ. الحال إنه المتسبب في ذلك، وإن لم يتحسن وضع "يونس"، حتمًا سيكون مصير ذلك الطبيب مصيرًا مآساويًا.
......................................................................
بقدر تخوفاتها بشأن حدوث ضرر لـ "يونس" ، كانت مخاوفها بشأن أن يتهمها "يزيد" بالتسبب في وضع أخيهِ الراهن، والذي لم تكن إحدى أسبابهِ بأي شكل.
أسبلت "نغم" جفونها عن رؤية "ملك" الغائبة عن الوعي، وأطلقت سراح زفيرًا طويلًا محملًا بالثقل من بين ضلوعها، وهي تغمغم بصوتٍ حزين :
- يارب، عديها على خير.
ثم رفعت بصرها من جديد تنظر لرفيقتها الوحيدة، وتضرعت بصوتٍ هامس :
- نجيهم هما الأتنين يارب، ملك لو فاقت وعرفت هيجرالها حاجه من الزعل.
أنت تقرأ
~دُمية مطرزة بالحُب~
Romance°°ماذا لو كنت دُمية؟.. دُمية حيِّة تتنفس.. بداخلها روح، ولكنها تحترق.. ولديها قلب، لكنه قلب يحمل بداخله مقبرة.°°