أنهم يأتون ليلاً: الحلقة الثالثة
د/أحمد خالد توفيق
=========كليك.. كليك..
فرغ رجل المختبر الجنائي من التقاط عدد من الصور.. بينما وقف المقدم (هاني) ينظر للجثة الممددة على الفراش.. برغمه لم يستطِع أن ينظر للوجه..
اتجه نحوه صديقه (مصطفى) وناوله لفافة تبغ وأشعل واحدة لنفسه، ثم سأله:
ـ "هل تشكّ في شيء؟"
قال (هاني) وهو ينفث سحابة الدخان الكثيفة:
ـ "لا يوجد ما يحمل على الشك في شيء.. الشقة مغلقة تمامًا من الداخل، لكن ذلك التعبير على وجهه.. هذا الرعب الذي لا يوصف.. هذا الهلع.. ما الذي رآه هذا الرجل؟"
ـ "رأى الموت.. هذا مخيف كما ترى"
ـ "أنا لست طفلاً.. لقد رأيت الكثيرين ممن رأوا الموت، لكن هذا الرعب لم يكن على وجه أحدهم.. رأيي أنه رأى شيئًا أثار هلعه وهكذا أصيب بنوبة قلبية ومات.. إن الطبيب الشرعي سيُؤكد هذا على كل حال أو ينفيه.."
قال (مصطفى) في سخرية:
ـ "التليفزيون كان مفتوحًا.. هل تعتقد أنهم يذيعون أفلامًا مرعبة لهذا الحد؟"
قال (هاني) وهو يجلس على طرف الفراش:
ـ "هناك كاميرا فيديو في غرفة الجلوس تتصل بهذه الشاشة.. لماذا فعل ذلك؟.. الفيلم المرعب الذي كان يراه كان في قاعة الجلوس.. وهو فيلم حقيقي لكننا لا نعرف ما فيه".
ثم طوح بباقي اللفافة وأردف:
ـ "هناك احتمال آخر.. هناك سلك عارٍ في هذا الجهاز يمكن أن يكون قد لمسه.. نفس ما يحدث للحمقى الذين يستعملون (السيشوار) في الحمام.."
ـ "الجثة غير مكهربة.. لقد لمسناها.."
ـ "إذن كيف مات؟!"
ـ "أنت تضيّع وقتك.. النوبات القلبية تحدث للجميع وفي أية سن.. سمعت من طبيب أن النوبات القلبية تتزايد في ساعات الصباح الأولى.. هذا الرجل كان ساهرًا يُشاهد التليفزيون وفجأة.. الألم يتزايد.. إنه مذعور.. يحاول الصراخ.. ينهض.. ثم يسقط على الفراش ميتًا وعلى وجهه أعتى علامات الرعب.. هكذا نريح ونستريح".
- "هناك مشكلة أخرى.. الآثار في غرفة الجلوس تدل على وجود عدة أشخاص.. هناك من كانوا معه ولعلهم رحلوا وتركوه وحده قبل أن يموت.. أغلق الباب خلفهم وعاد لفراشه.. لكن مَن هم؟.. ولماذا يُراقب غرفة خلت من قاطنيها؟"
ابتسم (مصطفى) وألقى بلفافة تبغه بدوره، ثم تأكد من أن رجال المختبر أنهوا عملهم.. هنا دخل رجال الإسعاف بالمحفة..
ـ "من المحزن أن ترى شخصًا بلا أقارب على الإطلاق.. ليست هناك زوجة باكية أو أم دامعة أو أخ ثائر أو.. أو.. لابد أن الناس تتزوج هروبًا من لحظة كهذه بالذات.."
قالها (هاني) وألقى نظرة أخيرة على الشقة قبل أن يرحل..
*****الجيران في البناية المقابلة هم الذين أخبروا البواب..
إنها الثالثة صباحًا والطقس بارد.. لهذا لفّ البطانية حول عنقه ورأسه، واستغفر الله ثم خرج إلى الإفريز خارج البناية، لينظر لأعلى نحو الشقة.. كان الظلام دامسًا؛ لذا لم يكن من الصعب أن يعرف أن كلامهم صحيح، بالفعل الشقة مضاءة..
لا توجد أخطاء.. هو لم ينسَ إغلاق الأضواء.. الشقة مغلقة تمامًا.. ليس لهذا كله سوى معنى واحد..
لكنه برغم ذلك أحضر العصا الثقيلة (الشومة) وصعد في الدرج إلى الطابق الثالث.. كان المفتاح معه منذ خلت الشقة، لذا أولجه في القفل ودخل..
بالفعل كانت مضاءة تمامًا.. تنحنح ودخل إلى الصالة وهو يزن ثقل الشومة في يده ليتأكد من صلاحيتها للقتل..
دخان السجائر يتصاعد من غرفة الجلوس.. اتجه هناك ونظر بالداخل.. لا يوجد شيء سوى قطع الأثاث التي لم يمسّها أحد منذ شهرين.. كل شيء في الغرفة يوحي بأن أحدهم كان هنا منذ قليل.. لكنه لم يعد...
قرأ المعوذتين، ثم اتّجه ليغلق سكين الكهرباء؛ ليقطع الكهرباء عن الشقة.. وعندما غادرها لم يستطِع إلا أن يفعل ذلك ووجهه نحوها، فلم يعطِها ظهره قط..
لا جدوى من البحث عن تفسير.. لقد صار موقنًا من أن هذه الشقة تُخفي سرًا لا يجب الكلام عنه.
--------------------------
يتبـع ...
أنت تقرأ
احمد خالد توفيق
Short Storyسوف أعرض في هذا الكتاب اقتباسات الدكتور أحمد خالد توفيق بجانب قصاصات من رواياته العراب الذي تربت أجيال على قصصه وانا واحده منهم..