أكواريل
- د.أحمد خالد توفيق
قصة قصيرةالجزء الثالث والأخير
خرج إلى الصالة وهو يشعر بإرهاق شديد.. اتجه إلى النافذة وأطلق صيحة "باسيونيه" أخرى على سبيل أداء الواجب، ثم بحث عن الرسم.. لقد تغيرت اللوحة من جديد.. هذا حقيقي.. هذه المرة يرى رجلين يلتحمان وامرأة تصرخ.. رجل قوي ضخم أصلع الرأس له شارب كث، وفتى نحيل ضعيف، لكن الفتى يحمل خنجرا.. ما معنى هذا؟
هذا البيت عبارة عن أسئلة بلا أي أجوبة.. لا شك أنه سيدفعه للجنون
هناك غرفة واحدة باقية.. لا يعرف ما يوجد فيها ..عليه أن يدخل ويفتش وبعد هذا يجد طريقة للفرار، هكذا اتجه ليفتح الباب الأخير، كان الظلام دامسا بالداخل واصطدم بقطعة أثاث.. لما استطاع بلوغ مفتاح النور أدرك أنها أقرب إلى غرفة نوم أخرى.. هناك فراش مغطى، لم يكن يدخل هذه الغرفة لدى زيارته لخالته إلا نادرا جدا، ومن المنطقي أن المدعو حسام كان ينام هنا
أما ما اصطدم به فهو آلة خياطة مغطاة.. آلة عتيقة تدار بدواسة قدمين لقد تحركت قليلا من موضعها فانكشف جزء من خشب الأرضية
لسبب ما اتجه إلى الصالة وبحث عن اللوحة ثم حملها في يده عائدا للغرفة.. لقد تغيّرت الصورة فعلا.. يمكنه أن يرى الرجل الضخم الأصلع يقف والصبي ميت على الأرض والسيدة تمسك برأسها صارخة على الطريقة الباروكية، صورة بليغة جدا يمكن أن تضع عليها بالونات الحوار: لقد قتلته..
لم أقصد ذلك.. أنت قد جلبت علينا الخراب.. منك لله.. إلخ
أدرك أن الرجل الضخم يقف في هذا المكان بالذات ..جوار الفراش نظر إلى خشب الأرضية المهشم رجل أصلع ضخم له شارب كث خاله
خاله الذي ذهب لأوروبا واختفى تماما.. لا أحد يعرف عنه شيئا ولا أحد يذكره والفتى الميت على الأرض.. أليس هو حسام؟
اللوحة المائية تحكي قصة رهيبة إذن.. الخالة التي أصابها الرعب من ربيبها الشيطاني.. تتصل بأخيها ليأتي ويساعدها.. مشادة عنيفة بين الفتى والأخ الغاضب.. تهديد بالسكين.. الخال القوي الغاضب يقتل الفتى
يقتله.. هنا بالذات في هذه الغرفة
وقف محمود في الغرفة التي بدأت الظلال تزحف عليها كان يفّكر في عمق
القصة إذن واضحة جدا واللوحة تحاول أن تخبره بكل شيء.. الفتى لم يفر من البيت ولم يختِف في ظروف غامضة.. الفتى قد قُِتل؛ قتله خال محمود في مشادة عنيفة، والسبب أن الفتى شيطاني غريب
الأطوار.. كائن مخيف لا يمكن فهمه.. ربما هو شخصية سايكوباثية فعلا وربما هو ممسوس.. لقد فات أوان معرفة الحقيقة
لقد مات الفتى.. وما فعلته خالة محمود هو أنها أخفت حاجياته والأوراق في تلك الأريكة وفي الصندرة، لكن اللوحة تحمل طاقة غير عادية ..اللوحة تحاول أن تتكلّم.. اللوحة تحكي قصة
ماذا يوجد تحت هذه الأرضية الخشبية؟ من الظريف أن تحاول التخمين كنز علي بابا؟ حذاء سندريلا؟ حذاء الطنبوري؟ طاقم أسنان هتلر؟ مجوهرات لوكريشيا بورجيا؟ هناك في المطبخ سكين عملاقة؛ رآها عندما كان هناك ..أعتقد أنها تصلح هلّم يا محمود.. إن الليل يتوّغل ولم يعد هناك الكثير من الوقت لتعرف فيه الحقيقة.. إن القصة توشك على الاكتمال؛ على الأرجح سوف ينفتح الباب تلقائيا إذا وجدت الحل
هكذا جلب السكين ثم عاد.. جثا على ركبتيه وراح يعالج الأرضية.. حاول جاهدا رفع قطعة الخشب.. صبرا.. في مثل هذه المواقف لا بد أن تنكسر السكين ويطير النصل في عينك.. هذا حادث ينتظر أن يحدث
أنت تقرأ
احمد خالد توفيق
القصة القصيرةسوف أعرض في هذا الكتاب اقتباسات الدكتور أحمد خالد توفيق بجانب قصاصات من رواياته العراب الذي تربت أجيال على قصصه وانا واحده منهم..